الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
ثانيًا: دعوة الرسل:
إن المتأمل في دعوة الرسل، يجد أن ما جاءوا به يدل على صدقهم، فقد جاءوا بمنهج متكامل لإصلاح الإنسان، ولإصلاح المجتمع الإنساني، ولا يتعارض مع فطرة الإنسان وسنن الكون فضلاً عن القيم التي ينادون بها والمقاصد التي يدعون إليها، يقول - سبحانه وتعالى -: \"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا \" {النساء: 82}، ويقول جل شأنه: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.
ولقد أودع الله - عز وجل - في العقل البشري خاصية إدراك الحسن والقبح، ومع هذا فإن رحمته - سبحانه - اقتضت ألا يعذب أحدًا ما لم يقم عليه الحجة بإرسال الرسل، يقول - سبحانه -: \" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا\" .
وعندما سُئل أعرابي: بم عرفت أن محمدًا رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل: ليته أمر به.
والناظر في دعوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يجد أن صدقه - صلى الله عليه وسلم - بيّن واضح لا ينكره إلا مكابر، يقول - سبحانه -: \" وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون \" {العنكبوت: 48}، فالنبي الأمي الذي لم يمسك القلم بيده قبل البعثة ولم يقرأ قبل ذلك قط، يتحول إلى معلم للبشرية، يعلمهم الكتاب والحكمة ويقوَّم علوم السابقين وما فيها من تحريف وتبديل، يقول - سبحانه -: \" فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون \" {الأنعام: 33}، إن سفاهتهم دفعتهم إلى القول أن حدادًا روميًا كان بمكة علمه ولقنه، يقول - سبحانه - ردًا على هذه الفرية المضحكة: لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين {النحل: 103}.
ثالثًا: تأييد الله لرسله ونصرته لهم:
ومما يبين صدق الأنبياء والرسل نصرة الله لهم وتأييده إيَّاهم، فإنه من المحال أن يدعي بشر أنه مرسل من عند الله - عز وجل - وهو يكذب في دعواه، ثم يؤيده الله وينصره ويرسل الملائكة لنصره وتثبيته وحمايته، ولا يعذبه ويوقع به أشد العقاب ويهتك ستره ويفضح أمره ويجعله عبرة لغيره، كما كان في حال مسليمة الكذاب والأسود العنسي والدجال، وفي هذا يقول - سبحانه -: \" إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون \" {النحل: 116}، ويقول - سبحانه -: \" ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين \" {الحاقة: 44- 46}.
رابعًا: النظر في حال الأنبياء:
إن الرسل والأنبياء كانوا يخالطون أقوامهم ويجالسونهم ويباشرونهم، وبذلك كان من اليسير عليهم أن يحكموا على شخصياتهم بالصدق أو الكذب لأن المرء لا يستطيع أن يخدع الناس كل الوقت، لا سيما من يعيش معه ويخالطه ويتسنى له الحكم عليه، لقد كان المشركون يسمون النبي - صلى الله عليه وسلم - الصادق الأمين قبل بعثته، بل كانت ودائعهم عنده لأمانته، وقالوا له: ما جربنا عليك كذبًا عندما سألهم لو أخبرتكم أن خيلاً خلف هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ وفي هذا الشأن يقول الله - سبحانه -: \" قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون \" {يوسف: 16}، ونجد ذلك في إسلام الصديق وخديجة رضي الله عنهماº لأن صدقه لا يحتاج إلى دليل بالنسبة لهما فسيرته وحياته هي أعظم دليل على ذلك، وتبين خديجة - رضي الله عنها - مقومات تلك الشخصية قبل البعثة فتقول له: \"إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق\".
وإعمال العقل والفكر في بيان صفات الرسل وفي بيان كمالهم الخلقي يتضح من موقف هرقل ملك الروم، ولكنه ضن بملكه مع قوله في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه سيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت قدمه.
{البخاري في بدء الوحي}
وزهد الرسل في متاع الحياة الدنيا وعرضها الزائل، دليل على صدقهم فهم لا يسألون الناس أجرًا: \" يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله \" {هود: 29}، ويقول - سبحانه -: \" قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا \"{الفرقان: 57}، ويقول جل شأنه: \" وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين\" .
خامسًا: بشارات الأمم السابقة:
فمن الآيات الواضحات على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه في زبر الأولين، يقول - سبحانه -: \"الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون\"، ويقول جل شأنه: \"أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل \"{الشعراء: 187}، ولقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء السابقين لئن بعث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في حياتهم ليؤمنن به ولينصرنه ومفهوم ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عند السابقين في كتبهم بقوله - سبحانه -: \" وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين \" {آل عمران: 81}.
ولقد دعى خليل الرحمن إبراهيم ربه وهو يرفع قواعد البيت ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستجاب الله لدعائه، ولا تزال التوارة رغم تحريفها تحمل تلك الإجابة، ففي سفر التكوين الأصحاح السابع عشر فقرة (20): \"وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا، اثنى عشر رئيسًا يلد، واجعله أمة عظيمة كثيرة\".
والأمة العظيمة هي الأمة الإسلامية التي وجدت من نسل إسماعيل - عليه السلام -، وقوله: اثنى عشر رئيسًا يلد هذا يوافق إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيلي أمر هذه الأمة اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وفي سفر التكوين الاصحاح (18) فقرة (18- 19): قال الله لموسى: أقيم لهم- أي لبني إسرائيل نبيًا من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوحيه به فيكون أن الإنسان الذي لا يسمع كلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالب.
ونبينا - صلى الله عليه وسلم - من بني إسماعيل إخوة بني إسرائيل بعدهم إسحاق ثم هو من أوسط العرب نسبًا، وكلامه في فمه يعني أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب وهو مبعوث إلى الناس كافة.
وحول هذا المعنى يقول - سبحانه -: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.
ومن أسمائه - صلى الله عليه وسلم - أحمد، ففي حديث مسلم: \"أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب\". وعيسى - عليه السلام - بشر قومه برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، يقول - سبحانه -: \"وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين\".
والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد