الخوارج بين الماضي والحاضر


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن فرقة الخوارج من الفرق الاعتقادية، التي تمثل حركة ثورية عتيقة في تاريخ الإسلام السياسي، ولأن بعض أفكار الخوارج لازالت ترتع في مجتمعات المسلمين وتجد لها أنصارًا وأتباعًا يتمثل ذلك في حالات القتل والتفجيرات والاغتيالات، وخروج البعض على أولياء الأمور بالشعارات والصدام بين أبناء الأمة الواحدة والتحزب على غير منهج السلف، ولخطورة تلك المعتقدات على الأمة نبين منهج الخوارج فيما يلي:



أولاً: التعريف بالخوارج

الخوارج: جمع خارج وهو مشتق من الخروج.

وسموا بذلك لأنهم خرجوا على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - كما قال الأشعري في مقالات الإسلاميين، أما ابن حزم فيرى أن اسم الخارجي يلحق كل من خرج على إمام وقته وهو بذلك يتفق مع الشهرستاني في تعريف الخوارج.



ثانيًا أسماء الخوارج:

للخوارج أسماء كثيرة منها:

1- الخوارج 2- الحرورية 3- الشراه 4- النواصب 5- المحكمة 6- المارقة.

أما تسميتهم بالخوارج فلخروجهم على الأئمة والأمراء، أما تسميتهم بالحرورية فنسبة إلى مكان قرب الكوفة خرجوا منه، وأما تسميتهم بالشراة فلأنهم زعموا أنهم المقصودون بقوله - تعالى -: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وأما المارقة فلمروقهم من الدين كما يمرق السهم من الرمية كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم بذلك، وسموا كذلك بالمحكمة لرفضهم تحكيم الحكمين ولقولهم لا حكم إلا لله لا لمعاوية ولا لعلي وهي كلمة حق أريد بها باطل، أما تسميتهم بالنواصب فلأنهم نصبوا العداء لعلي ومعاوية - رضي الله عنهما -.



ثالثًا: نشأة الخوارج:

اختلف المؤرخون في تحديد نشأة الخوارج على أقوال:

القول الأول: يرى أنهم ظهروا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك حينما قام ذو الخويصرة التميمي واعترض على قسمة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ونسبه إلى عدم العدل، وهذا رأي الشهرستاني وابن حزم وابن الجوزي والآجري، وهذا يمثل نشأة أصل الخوارج لأنها تعد حادثة فردية فلم تظهر الخوارج كفرقة.

وأما القول الثاني فيرى أصحابه أن الخوارج ظهروا في عهد عثمان - رضي الله عنه - عندما خرجوا عليه، إلا أن هذا الرأي مرجوح من ناحية أن من خرج على عثمان - رضي الله عنه - كان له هدف: هو دم عثمان - رضي الله عنه - ولم يشكل هؤلاء فرقة مستقلة.

القول الثالث: يرى أصحابه أنهم ظهروا حين خرج من خرج على علي - رضي الله عنه - وهو أقوى الآراء وأرجحها.



رابعًا: محاورات علي - رضي الله عنه - مع الخوارج:

لقد وقعت محاورة بين أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - والخوارج في النهروان تبين سطحية تلك العقول وتعصبها الأعمى، فحينما سألهم - رضي الله عنه - عن أسباب خروجهم أجابوه بأسئلة أجابهم عليها حيث سألوه أربعة أسئلة:

1- لماذا لم يبح لهم في معركة الجمل أخذ النساء والذرية كما أباح لهم أخذ المال؟

2- لماذا محا لفظة أمير المؤمنين وأطاع معاوية - رضي الله عنه - في ذلك عندما كتب كتاب الهدنة في صفين؟

3- قوله للحكمين إن كنت أهلاً للخلافة فأثبتاني فهذا يعد شكًا في أحقيته بالخلافة؟

4- لماذا رضي بالتحكيم في حق كان له؟

فأجابهم - رضي الله عنه - بأجوبة أفحمتهم، لكن التعصب الأعمى والهوى يفعل بصاحبه ما يفعل.

ففي السؤال الأول أجابهم بأن النساء والأطفال لم يشتركوا في قتال ولم يكن منهم موقف يبيح لهم استرقاتهم، ثم قال لهم: لو أبحت لكم استرقاق النساء فأيكم يأخذ عائشة - رضي الله عنها - في سهمه؟ فخجل القوم من هذا ورجع منهم الكثير. وأجابهم عن الشبهة الثانية بأنه فعل كما فعل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، وعن الشبهة الثالثة أنه أراد بذلك إنصافًا مع معاوية - رضي الله عنه -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - باهل وفد نجران مع تيقنه بأن الحق معه ولكن كان ذلك من باب الإنصاف.

أما الشبهة الأخيرة وهي لماذا رضي بالتحكيم؟ فأجابهم أن رسول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حكم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - في بني قريظة في حق كان له، ورب العزة - سبحانه - أمر بالتحكيم في حال شقاق الزوج والزوجة، قال - سبحانه -: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما.



أسباب ظهور الخوارج

وقد ظهر الخوارج لأسباب منها:

1- النزاع في أمر الخلافة.

2- قضية التحكيم.

3- جور الحكام فظهرت المنكرات.

4- التعصب القبلي.



1- النزاع في أمر الخلافة:

وهو من أقوى أسباب ظهور الخوارج، وذلك لأن نظرة الخوارج للخليفة معقدة وشديدة وقاسية للغاية، فهم يرون أن الحكام في عهدهم لا يستحقون الخلافة، بالإضافة إلى تفسيرهم للخلاف الذي دب بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - بأنه نزاع حول الخلافة، ومن ثم خرجوا عليهما.، ولا يخفى علينا أن الحسد الذي ملأ صدورهم ضد قريش كان من أهم الأسباب في هذه النقطة.

2- التحكيم:

فمع كونهم هم الذين أجبروا عليًا - رضي الله عنه - على قبول التحكيم، لكنهم عادوا وطلبوا منه أن يرجع عنه ويعلن إسلامه فعنفهم تعنيفًا شديدًا، ولقد كان التحكيم من الأسباب القوية التي أدت لظهور الخوارج، وقد شذ بعض كتاب الفرق حين وصف قضية التحكيم بأنه شابها المكر والخداع، فهذا مما لا يليق بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين أثنى الله عليهم ومدحهم في كتابه فاجتهادهم مأجور، وخطأهم مغفور بحسناتهم الماحية.

3- جور الحكام وظهور المنكرات:

فقد ركز الخوارج في خطبهم وكتاباتهم على جور الحكام والمنكرات الفاشية في عصرهم، وبالتأمل فيما فعلوه نجد أن ما قاموا به من استحلال دماء الموحدين واتهام الحكام كلهم بالظلم دون تحر أو إنصاف أكبر بكثير من المنكرات والظلم الذي كان موجودًا في عصرهم.

4- التعصب القبلي:

وهذا التعصب الأعمى هو الذي يؤدي في كل الأزمنة والعصور إلى التفرق والتحزب، وقد نهى الإسلام عن الفرقة وأمر بالوحدة فقال - سبحانه وتعالى -: \"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات\"، وقال جل شأنه: \"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا\"، والناظر إلى الخوارج يجد أن معظمهم من ربيعة التي أعماها التعصب فنقمت على خالقها الذي بعث نبيه من مضر، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية الممثلة في ثورتهم على عثمان - رضي الله عنه -، حيث نهبوا بيت المال بعد قتله، ونقمتهم على علي - رضي الله عنه - في معركة الجمل، وكذا حماسهم الديني الذي دفهم إلى الغلو ونقصد الحماس غير المنضبط بضابط الشرع، حيث أدى ذلك الحماس إلى سفك الدماء والخروج على المجتمع.

معتقدات الخوارج:

إن للخوارج معتقداتهم التي تميزهم عن سواهم من الفرق الأخرى، فقد خاضوا في مسائل الاعتقاد كشأن سائر الفرق إلا أن معتقدات الخوارج وصلت إلينا عن طريق كتب أهل السنة ولم تصل عن طريق كتبهمº ذلك لندرة تلك الكتب وعدم ذيوعها.



حكم مرتكب الذنوب:

إن من أهم معتقدات الخوارج: تكفيرهم لعصاة الموحدين مستدلين بأدلة أساءوا فهمها وضلوا في فقهها، ومن ذلك:

1- قوله - سبحانه -: \"هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن\" {التغابن: 2}، فالآية عندهم قد حصرت الناس في قسمين: قسم ممدوح وهم المؤمنون، وقسم مذموم وهم الكفار، والفساق يدخلون مع الكفار لكنهم من القسم المذموم، وقد فهم الخوارج أن ذكر الفريقين يعني نفي ما عداهما، وحذار من سوء فهمهم، فإن هناك قسمًا ثالثًا هم العصاة لم يذكروا في الآية وليس معنى ذكر القسمين نفي ما عداهما، والآية واردة على سبيل التبعيض لا أكثر، فبعض الناس مؤمن وبعضهم كافر.

ومن ذلك استدلالهم بقول الله - تعالى -: \"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون\"، فقد زعموا أنها شاملة كل أهل الذنوب، ذلك أن مرتكب المعصية لابد وأن يكون قد حكم بغير ما أنزل الله، واستدلالهم مردود لأن الآية واردة في من اشتمل الحكم بغير ما أنزل الله، أما المقر بأن الحق في حكم الله فهو من أصحاب المعاصي والذنوب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply