جوانب مضيئة من حياة رائد الأدب الإسلامي المعاصر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كان الكيلاني إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ,. - كان يعشق الحرية ويرمز إليها في كتاباته. - تعلم من القرية الصبر والبساطة.. وكان شديد التعلق بها وبأهلها. - التوجه الإسلامي والغربة الطويلة من أهم أسباب تجاهله في مصر. - رسائل كثيرة كانت تصله من العالم الإسلامي لطلب المساعدة ولكنه لم يرد أحدًا.

 

إذا كان أديبنا الكبير رائد الأدب الإسلامي المعاصر الدكتور نجيب الكيلاني قد رحل عن عالمنا في صمت ووقار، وغاب عن عالمنا دون صخب أو ضجيج.. فإن الشمس مهما خفت ضوؤها لا تغيب عن الدنيا أبداً، والحق مهما وهن صوته فسيعلو لا محالة في يوم ما.. إن أثر الدكتور نجيب الكيلاني لن يغيب عنا وسنظل نسير على الدرب، ونستلهم الصبر ونتعلم كيف نقتفي الأثر.. إن البحث في أعماق نجيب الكيلاني الإنسان يعلمنا كيف يكون الأديب المسلم متميزاً في شخصيته وإنسانيتهº حتى يكون مؤثراً في إبداعه، وكل ما يصدر عنه.. وفي هذا اللقاء مع الدكتور جلال نجل فقيد الأدب الإسلامي المعاصر الدكتور نجيب الكيلاني نعيش جوانب مضيئة من حياة نجيب الكيلاني الإنسان والوالد والجدّ والزوج والعم والخال بالإضافة إلى قيم مضيئة في شخصيته الفذة..

يقول نجله الدكتور. جلال: كان نجيب الكيلاني والداً بمعنى الكلمة، يتميز بالحب الغامر الفياّض للأبناء والزوجة والأحفاد، يتدفق الحنان والعطف من جنباته، تشعر بأن خلقه القرآن، يرى الخالق في كل معاملاته، يتحامل على نفسه من أجل إسعاد أهله وذويه، ولم تكن طموحاته كبيرة في الدنيا- على الرغم من علمه وعبقريته- لأنه كان يحمل قوة إيمان عميقة وتواضع جم.

- سألت الابن جلال.. لما لم يكن أديبنا الراحل ذائع الصيت، أو معروفاً بالقدر الذي يتلاءم مع حجم عبقريته وإبداعاته وقدره كرائد للأدب الإسلامي المعاصر؟

في الواقع هناك عدة عوامل تداخلت في عدم شهرته وذيوع صيته بالقدر اللائق به.

أولاً: الجيل الحالي من الشباب لم يعرفه جيداًº لأنه أمضى نحو ربع قرن من الزمان في دولة الإمارات العربية، مع أنه كتب خلال السنوات العشر الأخيرة عدة قصص وروايات مهمة وظهرت نبرته الإسلامية واضحة مائة في المائة من خلال الواقعية الإسلامية ومع ذلك بقي بعيداً عن الصحف والمجلات المصرية. وقد فضل أن يكتب آراءه واتجاهاته في كتب وروايات، وذلك حتى لا يحذف منها شيء - كما يحدث في الصحف - كما لم يرد أن يسبب لأحد مشكلات بسبب آرائه الإسلامية، وكان نادراً ما يكتب شيئاً بقلمه في الصحف، لأنه كان يحب ألا يُشوه رأيه أو يختصر أو يحّور..

ثانياً: الاتجاه الإسلامي الشامل على كل ما كتب نجيب الكيلاني وكان لعضويته في الإخوان في الخمسينات والستينات أثر كبير في توجهاته وآرائه كما كان ذلك سبباً في دخوله السجن في فترة حكم عبد الناصر، حيث كتب رواية \" ليل وقضبان\" وكتاب\" المجتمع المريض\" و\"رحلة إلى الله\" داخل محبسه وهي من أقوى ما كتب، وكانت واقعية تماماً، وبعد خروجه من السجن كان يرمز للحرية في معظم كتبه ويشير إليها دائماً كرمز أساسي من رموزه الأدبية.

صبره ورضاؤه بالقليل - حدثنا عن أهم الصفات المميزة للدكتور نجيب الكيلاني كإنسان؟

نجيب الكيلاني كان إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معان.. فقد كان صبره وتحمله لآلام السرطان، ومن قبله مرض الكبد الوبائي (س) لا مثيل له، بل كان يريد أن يتحمل الآلام وحده ولا يشرك معه أحداً، وكان دائماً يخفي عمن حوله ما يعاني منه وما يؤلمه، وكان أمله في الله قوياً جداً حتى آخر لحظة، ومع ذلك كان مستعداً للقاء الله راضياً بقضائه، ذاكراً لله في كل لحظة حتى آخر رمق له، وكان يرتل القرآن في غيبوبته، وقد ختم القرآن الكريم عدة مرات في شهر رمضان الماضي- قبل وفاته بعدة أيام- أما زهده في الدنيا فكان واضحاً في القرية التي نشأ فيها، فكان يُخرج من ماله ما يفوق مقدار الزكاة المقرر شرعاً، حتى كان الناس يظنون أنه ثري جداً، وعندما كنت أساله عن استعداده لمواجهة ملمات الحياة وما يعيننا على نوائب الدهر في حياته ومن بعده، كان يقول لي إن الله سوف يبعث لكم من يساعدكم ويساندكم، وسوف يعطيني العمر لكي أفتح لكم بيوتاً، وقد بنى لنا بيتاً مستقلاً يحمينا من غوائل الزمن.

الإحسان في السراء والضراء ومن المواقف الطريفة التي تؤكد إحسانه في السراء والضراء يقول الدكتور جلال: كان نجيب الكيلاني قبل وفاته بيومين يضع قسطرة في جسمه لكي يتلقى المحاليل، وفي أثناء خروجه من غرفة العناية المركزة كان الممرض يدفع السرير المتحرك، فما لبث أن أفاق من غيبوبته وأمرني أن أعطى له بعض المال فتأخرت قليلاً حتى يدخل غرفته، فما لبث أن أمرني بتصميم أن أعطي الممرض النقود حالاً، مع حالته كانت متأخرة جداً ومتدهورة، ولكنه كان يحب أن ينفق في الضراء قبل السراء..

والمدهش أنه كان حريصاً على أن يصل أرحامه مع كل ما فعلوه معه، وكان يحسن إليهم دائماً، ويقدم لهم المساعدة، حتى كان يترك أرضه لهم، يبنون بها بيوتهم، ويعلمون أبناءهم، دون أن يحصل على منهم على أي مقابل، كما سعى في إيجاد فرص عمل لمعظم شباب قريته في الإمارات ودول الخليج، وهم ممن آذوه وتجرءوا عليه وقد عانى منهم كثيراً.

الكيلاني الإنسان - بعيداً عن حبك للكيلاني الأديب والفنان.. ما الذي جعلك تحبه كإنسان أولاً وكوالد ثانياً؟

- أولاً: كان والدي نبع الحنان قلبه يسع كل الناس مليئاً بالرحمة، محباً للعطف والإشفاق، كان أحاسيسه مرهفة، حتى إنه كان يعشق وطنه مصر وقريته بدرجة كبيرة جداً، فهرب منها مضطراً وبحثاً عن الحرية، فلم تكن دول الخليج مصدر دخل كبير مثلما هي الآن، فكان حبه للوطن عميقاً ومؤثراً في نفسه، لأنه إنسان قبل أي شي له مشاعر وأحاسيس.. أما الكيلاني الأب والوالد والزوج، فهو لم يكن أباً عادياً، بل لم أكن أتخيل حياتي بدون وجوده إلى جانبي، فهو \" الديمقراطي\" في تعامله معنا يستمع لآرائنا لدرجة أنه في شدة الألم كان يسألني عن مشكلاتي، وكان يعرف أحوالي دون أن أتكلم، وكان دائماً يحل مشكلات الآخرين لدرجة أن عشرات الخطابات كانت تصله من أنحاء العالم الإسلامي والأقليات المسلمة، التي تعاني من الاضطهاد، تطلب المساعدات والإعانات ولم يرد أحدً أبداً.

ذكريات وطرائف - ما هي الذكريات والمواقف الطريفة التي تحب أن تنقلها عن حياة رائد الأدب الإسلامي المعاصر؟

في هذا الصدد أتذكر أن فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي عندما كان يزور الإمارات لم يكن يحب أن ينزل إلا بيتنا الذي كان مفتوحاً دائماً للشخصيات الإسلامية- وكان يحب الكيلاني جداً- أما الأمر الثاني الذي أود ذكره فإن الكيلاني قبل موته قد وضع (30) فكرة لثلاثين رواية إسلامية ودوّنها في نوتة صغيرة عن مشكلات المجتمع المسلم ولكنه لم يستكملها بسبب مرضه، ومنها فكرة لرواية عن سراييفو تحكي الأوضاع المأساوية في البوسنة. أحلام وتوقعات ويضيف الدكتور جلال الكيلاني.. أذكر أن نجيب الكيلاني كان يتابع الأحداث المهمة في العالم الإسلامي ومنها ما حدث في الشيشان، فقد كان سعيداً جداً عندما رأى الشيشان العزّل يواجهون مدافع الروس ودباباتهم وطائراتهم، وكيف أنهم صمدوا ولم يستسلموا ولقنوا الروس الملاحدة وما زالوا درساً لن ينسوه.. أما رواية (عمر يظهر في القدس) التي كتبها منذ أكثر من عشرين عاماً، فقد كانت حلماً لنجيب الكيلاني بدأت تظهر بشائره، حيث توقع أن يكون الإنسان المسلم قوي العزيمة والإيمان ويستطيع أن يوظف إمكانات العصر من علم ومعرفة بما يخدم الإسلام ويغير الرأي العام العالمي، وكان يرى أن الأقمار الصناعية التي تنقل الحضارة وتختصر الزمن، يمكن أن تصل بالمسلمين إلى التقدم السريع من خلال تعاليم الإسلام، ومن الممكن أن يصبحوا أقوياء مثل الغرب، لأنّ الإسلام حياة كاملة وشاملة.نشر في مجلة (الأدب الإسلامي)عدد(9-10)بتاريخ(1416هـ)

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply