من فضائل الصديقة بنت الصديق


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد..

إذا كان الشيء يشرف بما يضاف إليه فإن لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرف والفضل لأنه أفضل الخلق عند الله - تعالى -، وقد بيََّن الله فضلهنَّ ومكانتهنّ فقال: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)[1]، وقال - سبحانه -: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)[2].

وهذه كلمات موجزة عن فضائل إحدى أمهات المؤمنين وهي:

عائشة بنت خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -º أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة الصديقة بنت الصديق، أم المؤمنين، وزوجة سيد المرسلين، وحبيبة حبيب رب العالمين، أفقه نساء الأمّة على الإطلاق، المبرّأة من فوق سبع سماوات، التي لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بكراً غيرها، ولا أحبَّ امرأةً حُبّها، وما نزل عليه الوحي في لحاف امرأةٍ, سواها، ونزل جبريل - عليه السلام - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورتها، وقُبِض النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها، وفي يومها، وليلتها، ورأسه في حِجرها، وجمع الله بين رِيقِها ورِيقَه في آخر يوم من الدنيا، ودُفن في بيتها.

 

هذه هي عائشة - رضي الله عنها - وهذه هي فضائلها ومناقبها مجملة، ويا لها من فضائل ولكن لنأخذ المزيد من هذه الفضائل وغيرها مقرونةً بالأدلة الصحاح.

 

نزول براءتها من السماء:

هذه من أعظم المناقب في حقِّ عائشة - رضي الله عنها -، ولو لم تخرج من الدنيا إلا بها لكفتها فخراً وفضلا، لما رُميت السيدة عائشة - رضي الله عنها -الطاهرة المطهرة- لما رميت بالإفك من قبل الحاسدين من المنافقين، لم يرضَ الله - تعالى - إلا أن ينزِّل في براءتها قرآن يُتلى إلى يوم القيامة: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شرَّاً لكم بل هو خيرٌ لكم لكل امريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذابٌ عظيم...)[3]

 

فالله - عز وجل - أنزل في براءتها قرآن كذّب به من رماها من الأفاكين، وأقرَّ به أعين المؤمنين، وسرَّ به قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلب عائشة وأبيها وأهلها وجميع الصالحين.

 

وإن الله - تعالى - لم يزد عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك إلا شرفاً ونبلاً وعزا، وزاد من رماها من المنافقين ذلاً وخزيا، ووعظ من تكلم فيها من المؤمنين بأشدِّ ما يكون من الموعظة وحذرهم من العودة إلى مثل ذلك فقال - سبحانه -: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين)[4].

 

قال الحافظ ابن كثير: \"وقد أجمع أهل العلم على تكفير من قذفها بعد براءتها\"[5]، فأي فضيلة لعائشة أعظم من هذه! وأي فخر فوق هذا! وأي تزكية بعد تزكية الله! وهل بعد شهادة الله شهادة؟ وهل بعد كلام الله كلام؟ وهل يليق بأحد بعد كل هذا أن يطلق للسانه العنان ليتهم عائشة أو ينتقصها، إلا من خذله الله وطمس بصيرته، وهي الطاهرة النقية التقية الزاهدة.

 

 

حَصَانٌ رَزَان مـا تزن بريبةٍ, *** وتصبح غرثى من لحوم الغوافلِ

 

وإن الذي قد قيل ليس بلائقٍ, *** بِكِ الدهرُ بل قيل امرء متحاملِ

 

عَقِيلةُ حيّ من لؤى بن غالبٍ, *** كرام المساعي مجدهم غير زائلِ

 

مهذبةٌ قـد طيَّب الله خِيَمَها *** وطهّرها من كلِّ سوءٍ, وباطلِ

 

فضلها على النساء:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) متفق عليه.

 

أحبّ الزوجات إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -:

روى البخاري ومسلم أن عمرو بن العاص سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"أيٌّ الناس أحبّ إليك يا رسول الله؟ \"، قال: ((عائشة))، قال: \"فمن الرجال؟ \"، قال: ((أبوها)). قال الحافظ الذهبي: \"وهذا خبرٌ ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان - عليه الصلاة والسلام - ليحبّ إلا طيبا، وقد قال: ((لو كنت متخذاً خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكرٍ, خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل))، فأحبّ أفضل رجلٍ, من أمته، وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حريُّ أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله، وحبه - عليه الصلاة والسلام - لعائشة كان أمراً مستفيضاًº ألا تراهم كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقرباً إلى مرضاته، ولما غارت نسوته.

 

من ذلك وأرسلن أم سلمة تجادله في ذلك قال: ((يا أمّ سلمة! لا تُؤذيني في عائشةº فإنّه والله ما نزل الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها))، قالت أم سلمة: \"أتوب من أذاك يا رسول الله\"[6].

 

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: \"لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، وإن يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف\" وفي لفظ \"حتى أكون أنا التي أسأم\"[7]، وروى البخاري في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: \"يا رسول الله! أرأيت لو أنك نزلت وادياً فيه شجرة قد أُكِل منها، ووجدت شجرة لم يُؤكل منها فأيَّتهما كنت تُرتع بعيرك؟ \"، فقال: ((الشجرة التي لم يؤكل منها))، قالت: \"فأنا هي\"، تعني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكراً غيرها، إلى غير ذلك من الأدلة الناطقة بحبه – صلى الله عليه وسلم - لها.

 

سلام جبريل على عائشة:

روى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائشُ هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام))، قالت: \"و- عليه السلام - ورحمة الله، ترى ما لا أرى يا رسول الله\".

 

نزول جبريل - عليه السلام - بصورتها:

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُرِيتك في المنام ثلاث ليالٍ, جاء بك الملَك في سرقة من حرير قطعة من حرير- فيقول: \"هذه امرأتك فأكشف عن وجهك\"، فإذا أنت فيه فأقول((إن يك هذا من عند الله يُمضِه)) متفق عليه.

 

وعن عائشة - رضي الله عنها - أن جبريل جاء بصورتها في خرقةٍ, من حرير خضراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: \"هذه زوجتك في الدنيا والآخرة\"[8].

 

هي زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة:

تقدم معنا في الفضيلة السابقة قول جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: \"هي زوجتك في الدنيا والآخرة\"، عن عائشة - رضي الله عنها - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر فاطمة، قالت: \"فتكلمت أنا\"، فقال: ((أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قلت: بلى والله، قال((فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة))[9].

 

عائشة من أهل الجنة:

روى الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: \"قلت يا رسول الله! مَن مِن أزواجك في الجنة؟ قال: ((أما إنّكِ منهنَّ))، قالت: \"فخُيِّل إليَّ أن ذاكº لأنه لم يتزوج بكراً غيري\".

 

بركة عائشة ونزول آية التيمم بسببها:

ففي الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: \"خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقدٌ لي فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: \"ألا ترى ما صنعت عائشة؟ فجاء أبو بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم - على فخذي قد نام، فعاتبني أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده خاصرتي فما يمنعني من التحرك إلا مكان النبي - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام - عليه الصلاة والسلام - حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حُضير: \"ما هي أول بركتكم يا آل أبي بكر! \"، قالت: \"فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدت العقد تحته\"، وفي رواية أحمد في المسند أن أبا بكرٍ, الصديق قال لعائشة حين جاءت الرخصة من الله للمسلمين: \"والله ما علمت يا بنية إنك لمباركة! ماذا جعل الله للمسلمين في حَبسك إياهم من البركة واليسر\".

 

أقوال الصحابة ومن بعدهم في عائشة:

عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: \"انتهينا إلى عليٍّ, - رضي الله عنه - فذكر عائشة فقال: \"خليلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -\"[10]، وعن عمر بن غالب: أن رجلاً نال من عائشة عند عمار بن ياسر فقال: \"اغرب مقبوحاً، أتؤذي حبيبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -\"[11]، وهذا أبو موسى الأشعري يقول: \"ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها علما\"[12]، وروي أن عبد الله بن عباس يزورها في مرض موتها فيقول: \"أبشري فوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصبٍ,، وتلقي محمد - صلى الله عليه وسلم - والأحبة إلا أن تفارق روحك جسدك\"، ثم يقول: \"كنتِ أحبَّ نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه ولم يكن يحب إلا طيبا ثم ذكر نزول آية التيمم بسببها\"، ثم قال: \"ثم أنزل الله - تعالى - براءتك من فوق سبع سمواتº فأصبح ليس مسجد من مساجد يذكر فيها الله إلا براءتك تتلى فيه آناء الليل والنهار\"[13]، وهذا الزهري يقول: \"لو جمع علم عائشة إلى جميع النساء لكان علم عائشة أفضل\"[14]، وقال مسروق بن الأجدع: \"لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض\"، وكان إذا حدَّث عنها قال: \"حدثتني الصدِّيقة بنت الصدِّيق حبيبة حبيب الله.. \"[15]

 

وأقوال أهل العلم في ذلك كثيرة وفيما ذكرناه كفاية.

فتلك فضائل عائشة - رضي الله عنها - التي ترعرعت بين أبوين كريمين، عاشرت النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة حياته، ثم كانت بعده معلمة ومربية، حتى انتقلت إلى بارئها سنة سبعٍ, وخمسين من الهجرة، ودفنت بالبقيع - رضي الله عنها - وأرضاها.

 

هذا ما يسرّ الله جمعه من فضائل عائشة ونسأله - سبحانه - العفو عن الخطأ والزلل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

 

-----

(1) سورة الأحزاب، الآية: 32.

(2) سورة الأحزاب، الآية: 6.

(3) سورة النور، الآية: 11.

(4) سورة النور، الآية: 16-17.

(5) البداية والنهاية، 8/486.

(6) سير أعلام النبلاء، 2/142-144

(7) متفق عليه.

(8) رواه ابن حبان في صحيحه، والترمذي وحسنه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

(9) أخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه ووافقه الذهبي.

(10) سير أعلام النبلاء، 2/177.

(11) سير أعلام النبلاء، 2/179.

(12) رواه الترمذي وحسنه.

(13) أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

(14) رواه الحاكم والطبراني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.

(15) سير أعلام النبلاء، 2/140.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply