اسمه ونسبه: هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري نسبًا النيسابوري بلدًا.
مولده: ولد سنة أربع ومئتين.
صفته: كان تام القامة حسن الوجه والثياب أبيض الرأس واللحية، يرخي طرف عمامته بين كتفيه.
شيوخه: كثيرون يزيدون عن المئتين وقد جمعتهم في مصنف وسميته (إسعاف المحتاج) نذكر من هؤلاء الإمام أحمد ابن حنبل، أحمد بن يونس، إسحاق بن راهويه، إسحاق بن منصور، حرملة بن يحيى، الحسن الخلال، خلف بن هشام، زهير بن حرب، سعيد بــــن منصـــور، والإمــام الدارمي عبد الله بــن عبد الرحمن، عبد الملك بن شعيب بن الليث، علي بن حجر السعدي، محمد بن بشار بندار، محمد بن رمح، محمد بن عبد الله بن نمير، أبو كريب، محمد بن المثنى العنزي، محمود ابن غيلان، يحيى بن معين، يحيى بن يحيى، يونس بن عبد الأعلى، وأبو الربيع الزهراني، أبو زرعة، أبو كامل الجحدري وغيرهم - رحمهم الله -، ولم يرو في الصحيح عن ابن المديني والذهلي وعلي بن الجعد.
الرواة عنه: روى عنه صالح بن محمد جزرة، الترمذي في الجامع، إبراهيم بن أبي طالب رفيقه، إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه راوي (الصحيح)، عبد الرحمن بن أبي حاتم، أبو بكر بن خزيمة يحيى بن محمد بن صاعد، الحافظ أبو عوانة وغيرهم.
ثناء العلماء عليه: قال إسحاق بن راهويه له: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين.
قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلمًا في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما.
قال ابن أبي حاتم كان مسلم ثقة من الحفاظ كتبت عنه بالري.
قال محمد بن بشار حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري ومسلم بنيسابور وعبد الله الدارمي بسمرقند ومحمد بن إسماعيل ببخارى.
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: مسلم بن الحجاج من علماء الناس ومن أوعية العلم.
قال الحافظ بن عقدة وقد سئل عن البخاري ومسلم: كان محمد عالمًا ومسلم عالمًا.
أما صحيحه ففي الرتبة الثانية من الصحة بعد صحيح البخاري قال عنه: صنفت هذا (المسند الصحيح) من ثلاث مئة ألف حديث مسموع.
قال أحمد بن سلمة: كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة، قال: وهو اثنا عشر ألف حديث.
قال الذهبي يعني بالمكرر بحيث إذا قال حدثنا قتيبة وأخبرنا ابن رمح يعدان حديثين اتفقا في لفظيهما أو اختلفا في كلمة.
وقال النووي أيضًا: وأجمعوا على جلالته وإمامته وعلو مرتبته وحذقه في هذه الصنعة وتقدمه فيها وتضلعه منها ومن أكبر الدلائل على جلالته وإمامته وورعه وحذقه وقعوده في علوم الحديث واضطلاعه منها وتفننه فيها كتابه الصحيح الذي لم يوجد في كتاب قبله ولا بعده من حسن الترتيب وتلخيص طرق الحديث بغير زيادة ولا نقصان والاحتراز من التحويل في الأسانيد عند اتفاقها من غير زيادة، وتنبيهه على ما في ألفاظ الرواة من اختلاف في متن أو إسناد ولو في حرف واعتنائه بالتنبيه على الروايات المصرحة بسماع المدلسين وغير ذلك مما هو معروف في كتابه، ثم قال: وعلى الجملة فلا نظير لكتابه في هذه الدقائق وصنعة الإسناد وهذا عندنا من المحققات التي لا شك فيها للدلائل المتظاهرة عليها ومع هذا فصحيح البخاري أصح وأكثر فوائد، هذا هو مذهب جمهور العلماء وهو الصحيح المختار لكن كتاب مسلم في دقائق الأسانيد ونحوها أجود كما ذكرنا وينبغي لكل راغب في علم الحديث أن يعتني به ويتفطن في تلك الدقائق فيرى فيها العجائب من المحاسن وإن ضعف عن الاستقلال باستخراجها استعان بالشرح المذكور (يعني شرحه).
ثم قال: واعلم أن مسلمًا رحمه الله أحد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه وأهل الحفظ والاتقان والرحالين في طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان والمرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه في كل الأزمان، ثم قال: وصنف مسلم في علم الحديث كتبًا كثيرة منها هذا الكتاب الصحيح الذي منّ الله الكريم وله الحمد والنعمة والفضل والمنة به على المسلمين أبقى لمسلم به ذكرًا جميلا وثناءً حسنا إلى يوم الدين مع ما أعد له من الأجر الجزيل في دار القرار وعم نفعه المسلمين قاطبة. أهـ
قال الخطيب: كان أحد الأئمة من حفاظ الحديث.
قال ابن منده: سمعت أبا علي النيسابوري الحافظ يقول: ما تحت أديم السماء كتابا أصح من كتاب مسلم، قلت: وهذا خلاف ما عليه أهل الحديث، قال النووي - رحمه الله -: اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز: (الصحيحان)البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلمًا كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث. قلت: ولترجيح صحيح البخاري على مسلم وجوه لها ذكر في كتب مصطلح الحديث: قال النووي:
ذكر مسلم - رحمه الله - في أول مقدمة صحيحة أنه يقسم الأحاديث إلى ثلاثة أقسام الأول: ما رواه الحفاظ المتقنون، والثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والاتقان، والثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني أما الثالث فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم ثم اختار ما قاله القاضي عياض: فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه وطرح الطبقة الرابعة أهـ قال الذهبي: بل خرج حديث الطبقة الأولى وحديث الطبقة الثانية إلا النزر القليل مما يستنكره لأهل الطبقة الثانية، ثم خرج لأهل الطبقة
الثالثة أحاديث ليست بالكثيرة في الشواهد والاعتبارات والمتابعات وقل إن خرج لهم في الأصول شيئًا، ولو استوعبت أحاديث أهل هذه الطبقة في (الصحيح) لجاء الكتاب في حجم ما هو مرة أخرى، ولنزل كتابه بذلك عن الاستيعاب عن رتبة الصحة وهم كعطاء بن السائب وليث، ويزيد بن أبي زياد، وأبان بن صَمعَةَ ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو بن علقمة، وطائفة أمثالهم فلم يخرج لهم إلا الحديث بعد الحديث إذا كان له أصل، وإنما يسوق أحاديث هؤلاء ويكثر منها أحمد في مسنده وأبو داود والنسائي وغيرهم، فإذا انحطوا إلى إخراج أحاديث الضعفاء الذين هم أهل الطبقة الرابعة اختاروا منها ولم يستوعبوها على حسب آرائهم واجتهاداتهم في ذلك. أهـ
قلت: ولم يترجم مسلم لأبواب كتابه إنما ترجم للكتب واعتنى في ترتيب أحاديث كل كتاب بالتناسب بينها وترتيبها دون ترجمة فوضع الإمام النووي لكل جملة من هذه الأحاديث ترجمة تناسبها ولذلك ربما طالت تراجمه بحسب ما في الأحاديث من فوائد، بخلاف البخاري الذي ترجم للكتب ولأبواب كل كتاب ووضع فيها فقهه والله أعلم.
قال ابن حجر: ثقة حافظ إمام مصنف عالم بالفقه.
قال الذهبي: وهو كتاب نفيس كامل في معناه فلما رآه الحفاظ أعجبوا به ولم يسمعوه لنزوله (أي لطول أسانيده) فعمدوا إلى أحاديث الكتاب فساقوها من مروياتهم عالية بدرجة وبدرجتين ونحو ذلك حتى أتوا على الجميع هكذا وسموه «المستخرج على صحيح مسلم».
قال مسلم: لو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مئتي سنة فمدارهم على هذا «السند» يعني السند الكبير. وقال:
ما وضعت في هذا «المسند» شيئًا إلا بحجة ولا أسقط شيئا منه إلا بحجة.
من أحواله وأقواله:
وكان مسلم من أهل الجرح والتعديل، قال مكي بن عبدان: سألت مسلمًا عن علي بن الجعد فقال: ثقة ولكنه كان جهميًا، وسألته عن محمد بن يزيد فقال: لا يكتب عنه: وسألته عن محمد بن عبد الوهاب وعبد الرحمن بن بشر فوثقهما، وسألته عن قطن بن إبراهيم فقال: لا يكتب حديثه.
وعيب عليه حديث أحمد بن عبد الرحمن الوهبي فقال: إنما نقموا عليه بعد خروجه من مصر، أي أنه سمع منه قبل التغير، قال مسلم: إذا قال ابن جريج حدثنا وأخبرنا وسمعت فليس في الدنيا شيء أثبت من هذا.
قال الحاكم: كان متجر مسلم خان محمش ومعاشه من ضياعه بأستوا (من نواحي نيسابور، رأيت من أعقابه من جهة البنات في داره).
قال الحاكم عن طاهر بن محمد عن مكي بن عبدان: كان مسلم بن الحجاج يظهر القول باللفظ (أي لفظي بالقرآن مخلوق، ويعني حركة اللسان والهواء الخارج ونغمة الصوت) ولا يكتمه ولما استوطن البخاري أكثر مسلم الاختلاف إليه حتى هُجر، وسافر من نيسابور قال: فقطعه أكثر الناس غير مسلم فبلغ محمد بن يحيى فقال يومًا، إلا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته فقام على رؤوس الناس ثم بعث إليه بما كتب عنه على ظهر جمال، وقال: وكان مسلم يظهر القول باللفظ ولا يكتمه.
قال الخطيب: كان مسلم يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى بسببه.
وفاته: توفى مسلم في شهر رجب سنة إحدى وستين ومئتين بنيسابور عن بضع وخمسين سنة.
فوائد ملتقطه من الترجمة:
1 ـ الرحلة في طلب العلم سنة عن سلفنا ولذلك استكثر مسلم بسببها من الشيوخ.
2 ـ الصبر في طلب العلم ونشره يورث الرفعة في الدنيا والآخرة.
3 ـ صحيح مسلم من أصول دواودين الإسلام التي يجب الرجوع إليها.
4 ـ الجرح والتعديل من علوم الشرع الهامة ولا يتعاطاها إلا العلماء وليس كل أحد.
5 ـ الوفاء سمة العلماء فهذا مسلم هجر الجميع وفاءًا لشيخه الإمام البخاري.
المراجع: ـ تاريخ بغداد. ـ تهذيب الكمال.
ـ سير أعلام النبلاء. ـ تقريب التهذيب
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد