ثورة زيد بن زين العابدين بن الحسين


  

بسم الله الرحمن الرحيم

2 صفر 122هـ:

منذ أن قتل الحسين - رضي الله عنه - بكربلاء سنة 61هـ والطالبيون من آل البيت على حذر من تكرار فكرة الخروج على السلطة القائمة، حتى كان عصر زيد بن زين العابدين بن الحسين([1]) والذي وُلد سنة 80هـ، وكان تقياً ورعاً، سيد الطالبين علماً وفضلاً، تنقل في شبابه في البلاد الشامية والعراقية لطلب العلم وسماع الحديث، وقد تلقى جزءاً كبيراً من علومه على يد أخيه الأكبر محمد الباقر، واتصل بواصل بن عطاء رأس المعتزلة، وتدارس معه العلوم، وتأثر به وبأفكاره، وظهر ذلك جلياً في مبادئ المذهب الزيدي.

كان زيد يخالف سير أخيه الباقر الذي اهتم بالعلم والعبادة فقط، واعتزل التدخل في الأحداث، فلقد كان زيد يبحث عن حق الطالبيين في الإمامة، ويرى نفسه أحق بالأمر من الأمويينº لذلك أخذ في التنقل من مكان لآخر داعياً الناس إليه، وكان زيد شجاعاً مهيباً، وسيماً يخلب القلوب بطلعته البهية، ويأسر النفوس بجلالته ومكانته.

وقعت حادثة بالعراق استدعت من زيد الطالبي أن يذهب إلى الكوفة ليشهد في الحادثة هناكº حيث اتهم بحيازة أموال طائلة أعطاها إياه والي العراق المخلوع (خالد القسري) وذلك سنة 121هـ، فلما ظهرت براءته ظل مقيماً في الكوفة حيث اجتمع معه رؤساء الشيعة، وأغروه بالدعوة لنفسه، وبايعوه على الخروج معه حتى بلغ عدد من بايعه من شيعة الكوفة أربعين ألفاً، وهذا العدد الكبير جعل زيداً يرفض نصائح المخلصين الذين نصحوه بعدم مجاراة شيعة العراق الذين خانوا آباءه من قبل: الحسين وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -، وأسلموهم إلى عدوهم.

وصلت أخبار تحركات زيد الطالبي لوالي العراق الغشوم «يوسف بن عمر» الذي أخذ في تعقب الحركة وقادتها وبالأخص زيد وابنه يحيى، واشتد في مطاردتهما بكل طريقة مما دفع زيد الطالبي لأن يعجل بالثورة، فاجتمع مع قادة الشيعة للتنسيق لذلكº وعندها فوجئ أن قادة الشيعة يسألونه عن رأيه في أبي بكر وعمر، فدعا لهما وترحم عليهما وقال: «ما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا ويترحم عليهما، ويستغفر لهما، وإن كنا أحق بالأمر منهما، فمذهب الزيدية تفضيل علي بن أبي طالب على الشيخين مع عدم ذمهما»، فقال له الشيعة: فلم تقاتل هؤلاء إذاً؟ ثم رفضوه وانصرفوا عنه، وقالوا: إن إمامنا هو جعفر الصادق بن محمد الباقرº ذلك لأن الباقر قد مات سنة 115هـ، ومن يومها انقسمت الشيعة للشيعة الرافضة الاثني عشرية الجعفرية، والشيعة الزيدية الذين ظلوا مع زيد، وآمنوا بمبادئه، وكانوا قلة.

بعد هذا الحوار الأليم يقرر زيد الطالبي الخروج رغم انفضاض الكثيرين من حوله، وذلك في موعد محدد هو 1 صفر سنة 122هـ، وتصل الأخبار لوالي العراق يوسف بن عمر، فيحشد الجنود الكثيرة لقتال زيد ومن معه، ولم يبق مع زيد سوى 318 رجلاً كان عليهم أن يواجهوا جيشاً كبيراً، ويندلع القتال بين الطرفين، ويصمد زيد الطالبي ومن معه طوال النهار، فلما كان اليوم الثاني 2 صفر سنة 122هـ يأمر يوسف بن عمر الرماة بصب وابل من السهام المميتة على جيش زيد، فيصيبه سهم قاتل في رأسه يودي بحياته بعد ساعة، وبذلك انتهت هذه الثورة سريعاً كما بدأت سريعاً دون إعداد ولا تخطيط، وصدق الإمام الزهري عندما قال: «أهلك أهل هذا البيت العجلة»، وأضاف مقتل زيد مأساة أخرى لآل البيت وفجيعة جديدة للمسلمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply