من يصنع التاريخ ؟ القادة أم الشعوب ؟


  

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف يمكن أن تنحصر الملكات والقدرات في عرق من الأعراق دون غيره؟ أو في أسرة من الأسر دون سواها؟ لقد زعموا ضرورة أن يكون الخليفة قرشياً، وقد كان من بين طغاة الخلفاء قرشيون، وكلهم ارتكبوا أخطاءً فادحة ما كان يرتكبها من يخشى الله ورسوله.

 

وبما أن الصلاحيات والقدرات لا تنحصر في عرق أو أسرة دون سواها، ولا في جنس دون غيره، لذا فإن توارث السلطة باطل محض، ويورد الأمم موارد البوار. وما استقام الحال في عهد الأباطرة الرومان الصالحين (96-180م) إلا بسبب العزوف عن توريث الحكم لأبناء الإمبراطور، وإن كان على الإمبراطور أن يختار من يخلفه في الحكم من خارج أسرته. وخلفاء المسلمين وحكامهم ورَّثوا العرش لأبنائهم بدعوى الحق الإلهي أولاً، ثم بشرعية قريش، وذلك نصب باسم الدين، ثم شرعية الجيش، ولم يذكر أحد شرعية الحق والعدل، وكل من أراد أن يحكم القطيع ادعى قدسية نسبه: أمويون وعباسيون، والشيعة بطوائفها: الفاطميون والإسماعيلية والقرامطة والأدارسة. وكل من زعم شرف نسبه اتجه غرباً وأسس له دولة حيث لم يبق لهم في الشرق حظ من الكعكة، فاتجه عبيد الله \" الشيعي \" إلى تونس، وإدريس \" الشيعي \" إلى مراكش، وقبلهما \"الأموي\" عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس.

 

كان الخليفة العباسي المستعصم متردداً ضعيف الشخصية، شديد البخل محباً للمال ويضن به على جنده. وعندما أقبل التتار على بغداد في 1258م، لم يحشد الخليفة \" المعظَّم \" جيوشه، بل سرَّحها، نعم سرح الخليفة جيشه والتتار مقبلون نحوه بقضِّهم وقضيضهم، وذلك استجابة \" لنصيحة \" وزيره مؤيد الدين بن العلقمي الذي تعاون مع التتار، ولاحظ الاسم (مؤيد الدين!!)، والكارثة كل الكارثة أن يعمى السلطان عن قدراته الفعلية ويتوهم أنه قادر على ما لا يقدر عليه فعلاً إذا جد الجد. فهذا هو الخليفة المستعصم يرد على هولاكو قائلاً ومتوعداً: إن ملايين من الخيالة والرجالة على استعداد للحرب، رهن إشارتي حتى إذا حلت ساعة الانتقام جففوا مياه البحر. وعاد الخليفة متخاذلا بعد أن تكشفت الأمور، ليطلب من هولاكو الرجوع عن بغداد مقابل أن يدفع له جزية سنوية. وهزم هولاكو المستعصم، ووضعه في كيس من القماش ورماه على الأرض، وداسته حوافر الخيل حتى مات بعد أن وضع أمامه بعضاً من الجواهر، التي كان يخفيها، وطلب منه أن يأكلها، ولما أجاب الخليفة بأن الكنوز لا تزيل جوعاً رد عليه هولاكو بقوله: \"إذا كانت الكنوز لا تسد الرمق، وإذا كانت لا تحفظ الحياة، فلماذا لم تعطها لجنودك ليحموك، أو إلى جنودي ليسالموك\"(6).

 

وعندما احتاج الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس إلى المال لإعداد جيش لرد الأعداء، قام ببيع نفائس القصر الإمبراطوري في مزاد علني، وبيع الودائع الثمينة التي تكدست منذ أيام الأباطرة السابقين في خزانة القصر حتى ملابس الإمبراطورة المطرزة بالذهب، باعها في المزاد، في حين ضنَّ الخليفة المسلم بأمواله المكدسة، ضن بها على إعداد جيش كبير لصد التتار. وبينما سرح الخليفةُ جيشه عند قدوم التتار، لم يتردد الإمبراطور الروماني ماركوس في تجنيد العبيد والمبارزين والمرتزقة في الجيش الروماني لتعويض النقص في عدد الجند. ولا جديد تحت الشمس، وما أشبه الليلة بالبارحة..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply