بسم الله الرحمن الرحيم
تكملة لما سبق من عرض لكتاب اليمن الإنسان والحضارة نتواصل مع المؤلف في كتابه الشيق في هذا العدد حيث ينتقل المؤلف للحديث عن تعز وولي العهد:
فيقول: (كان ولي العهد أحمد جواداً سخياً... يطربه الثناء ويهزه الشعر.. وقد استدعى ولي العهد إلى مقره هذا الزبيري والشامي والموشكي فاستجابوا لدعوته، فاستقبلهم ولي العهد بالحفاوة... وفتح أذنيه لنظرياتهم ونصائحهم وشجعهم على إقامة ندوات.. فاستمرت (هذه الحركة) في نموها، تمنح ولي العهد نصائحها وعصارة أفكارها... وما لبث ذلك القصر أن نسفته الأوهام فإذا بذلك الرجاء ينقلب إلى ذعر وخوف بلغا نهايتهما حين قال أحمد: إني أسأل الله ألا أموت إلا وقد خضبت سيفي هذا بدماء العصريين).
مما أدى إلى استيحاش الأحرار فغادر الزبيري والنعمان إلى عدن... وهناك أسسا منظمة عرفت (بحزب الأحرار).
وفي ذلك الوقت تكونت جمعية الإصلاح بلواء إب، وكان رئيسها القاضي محمد الأكوع وأعضاء منهم القاضي عبد الرحمن الإرياني والقاضي عبد الكريم العنسي وعبد الرحمن باسلامة ومحمد صبرة والشيخ حسين الدعيس وغيرهم، وقد وضعت لها نظاماً أرسلت مسودته إلى الزبيري في عدن.
وتسربت أسرار جمعية الإصلاح إلى ولي العهد في تعز فقام بدوره بإطلاع أخيه الحسن عليها، فقام مباشرة باعتقال أعضاء الجمعية وإرسالهم إلى سجن تعز، في نفس الوقت الذي تم في صنعاء اعتقال القاضي عبد السلام صبرة والقاضي محمد السياغي وأخويه والشيخ جازم الحروي وغيرهم.
وفي تعز اعتقل محمد أحمد نعمان والشيخ أمين عبد الواسع والجنيد ومحمد المطاع وغيرهم وأرسل الجميع إلى سجن حجة عام 1363هـ.
في ذلك الوقت كان الموشكي والشامي قد فارقا تعز إلى عدن وانضم إليهما النقيب مطيع دماج إلا أن الظروف عاكستهم فقرر الثلاثة العودة إلى جحيم المعركة، وقد استقبلهم ولي العهد بالترحاب واستمر الثلاثة وغيرهم بالنضال الهادف، واستعطفوا ولي العهد على المسجونين بـ\"حجة\" فأطلق بعضهم، وبدأت موجة الاعتقالات تخف نسبياً.
وكانت العقبة أمام هذه المنظمات (حزب الأحرار) و (هيئة الإصلاح) هي وحدة الجهاز الحاكم.
ودخلت سنة 1366هـ محملة بالأحداث فالأمير إبراهيم بن الإمام يحيى ينظم إلى حزب الأحرار في عدن، وياتي الأستاذ الفضيل الورتلاني موفداً من الإمام حسن البنا إلى اليمن، فيمر بعدن ويضاعف حماس قادة حزب الأحرار.
كانت أفكار المنظمات تهدف إلى إقامة حكومة شعبية شوروية ليس عليها ملك ولا إمام متحكم بل حكومة لها مجلس أعلى، وكان الشمال محتاجاً إلى تهيئة بالتوعية لقبول هذا النظام غير المألوف، ولكن لضيق الوقت وتسارع الأحداث، وبعد دراسة متعمقة قرروا أنه لم يبق حل ولا طريق إلا أن تبدأ الثورة بحكم إمامي يجتذب القبائل مؤقتاً وهناك شخصيات لها مقامها بين القبائل من أمثال عبدالله الوزير فليختر إماماً، وبدأ المطاع والكبسي بتخويف الوزير من الإمام إلى أن أقنعوه بالفكرة.
وقد كان ولي العهد يشيع كل يوم أنه سيخرج من تعز إلى صنعاء مما ضاعف مخاوف الوزير وجعله ورفاقه يلحون في الثورة ونترك الكلام الآن لصاحب الكتاب في هذه الفترة العصيبة ليتكلم عن هذه الثورة: (... القرائن تنذر بأن الإمام يحيى سيضرب ضربة بصنعاء وإن لم يصل ابنه أحمد، فتقرر تفجير الثورة بصنعاء على أن تتناول بخنجرها أحمد بتعز.. فكان قرار اغتيال الإمام يحيى.. على أن يقوم بالعملية في صنعاء الشيخ علي ناصر القردعي ورفاقه، وفي تعز العقيد حمود الجايفي ورفاقه.. في يوم الثلاثاء عام 1367هـ والموافق لعام 1948م طلع ذلك الصبح وقد اتخذت الاستعدادات... فاقتفى القردعي ورفاقه الإمام على سيارة حمل، ووضعوا في طريق سيارته بالسواد العراقيل.. وما إن أوقفت سيارته الحواجز إلا وأمطره القردعي ورفاقه بوابل من نيران بنادقهم ورشاشاتهم فصرعوه مع العمري وكل من في السيارة... ).
ووصل الخبر بأن الإمام أحمد في تعز نجا من محاولة الاغتيال وغادر نحو الحديدة إلى حجة وقد كاد الإمام عبد الله الوزير أن يخرج بجيش لاعتراضه ولكن قدر الله حال دون ذلك من جهة، ومن جهة أخرى انهيال سيول البرقيات المهنئة والوفود المباركة وعودة الثوار والأحرار وكثرة المطالبين بمناصب ومشاريع، فرأى الإمام الوزير أن الأيام قد سالمته وأن أحمد أحقر من أن يذهب لمطاردته، واقتنع الكثير بهذه الفكرة.
في هذا الوقت كان سيف الإسلام أحمد يتوجه إلى الحديدة ومنها إلى حجة متوقفاً في كل مركز منها ليكسب به المواقف، ويطبع شخصيته، ويضع خبر مقتل والده عند من يثق به ليقوم بدوره الدعائي، وفي باجل وصلت برقية من الوزير بإعلان نفسه إماماً، فما كان من سيف الإسلام أحمد إلا أن أعلن نفسه إماماً وتلقب بالمؤيد بالله الناصر وأرسل برقية يهدد فيها الوزير ويتوعده، وبث رسله في كل مكان إلى العشائر والأعيان يعلن إمامته، ويستصرخ لأخذ ثأر الإمام يحيى، وأرسل كذلك للملك عبد العزيز الذي قام معه ووعده بالنصر والمؤازرة وأرسل له ذخيرة ومالاً ولاسلكي ووصل إلى حجة فأرسل الرسائل والرسل إلى القبائل يثيرها ويجمعها، وبدأت القبائل تتوافد إليه أفواجاً.
وفي الأسبوع الثاني قرر مجلس الثورة إرسال حملتين أحدهما حملة إلى عمران حجة والثانية إلى شبام حجة.
ولكن الحملتين عادتا خائبتين منهزمتين لعدم الإعداد والتخطيط لهما يقول المؤلف: (وبفشل هاتين الحملتين قوي مركز أحمد وأصبح الحاكم الحقيقي لقبائل الشمال والشرق والغرب.. ما عدا قبائل رداع ومراد والبيضاء... ).
وفي ذلك الوقت تحرك الأستاذ أحمد نعمان بموكب من الأحرار من تعز، والسيد زيد الموشكي من حيس نحو صنعاء ولكن كلا الموكبين اعترضته القبائل الثائرة واعتقلوهم وأرسلوهم إلى أحمد في حجة.
ويصف المؤلف الأسبوع الثالث من الثورة وكيف مر فيقول: (أمام هذه الزوابع المنذرة بسقوط الثورة... اجتمع رجال الثورة واتخذوا قرارات لتدارك الموقف منها:
- تحصين جبال صنعاء وتزويدها بالمال والمؤن.
- أن تكون رداع قاعدة عسكرية وينقل لها الذخيرة والمال بقيادة الإمام عبد الله الوزير.
- تطهير صنعاء من المشتبهين.
ولكن شيئاً من ذلك لم يتم، وتوقف تنفيذ القرارات، وبدأ قواد أحمد يسوقون الجحافل وعلى رأسهم علي بن حمود، وانضم إليهم كتائب من الجيش النظامي من كل المراكز، وبدأ زحف القبائل على صنعاء من كل جهاتها).
ثم تكلم المؤلف عن ولاية العهد، وتكلم بعد ذلك عن انقلاب عام 1955م الذي قاده المقدم أحمد الثلايا وذكر كيف بدأ وكيف انهار!
وحكى ما حدث بعد سافر الإمام إلى روما للعلاج وتمكن البعض من إثارة الاضطراب، وتمرد الجيش النظامي مما حدا بابنه البدر ليستنجد بالقبائل، فدخل منهم خمسون ألفاً إلى صنعاء، وأثار البعض شكوك الإمام أحمد بأن ابنه سينقلب عليه، فعاد إلى الحديدة وخطب خطبته النارية التي ما إن سمعتها القبائل عبر الإذاعة حتى هربت من صنعاء عن بكرة أبيها.
وحاول بعض رجالات حاشد وبكيل القيام بحركة تغييرية.. لكن كان مصير أكثرهم السجن.
ثم يعرض لحادث اغتيال الإمام أحمد الذي قام به العلفي واللقية والهندوانة في مستشفى الحديدة حيث كمنوا له وصبوا عليه طلقات مسدساتهم فسقط مضرجاً بالدماء متظاهراً بالموت، ولكنه نجا إلا أن الجراحات جعلته رهين الفراش حتى كان موته في 20/9/1362م وخلفه ابنه البدر الذي لم يستقر في الحكم إلا ستة أيام حتى أطاحت به ثورة 26 سبتمبر.. وبهذه الصفحة يختم المؤلف كتابه القيم، جاعلاً في آخره خلاصة مع بعض الملحقات وخاتمة.
ختاماً: فإن الكتاب الذي عرضناه في الأسطر السابقة يأخذ أهميته في إطار توثيق أحداث التاريخ المعاصر لليمن من عصر الدولة المتوكلية وحتى قيام ثورة 26 سبتمبر وهي فترة اختلفت فيها الروايات وتعددت بشأنها الأقوال والادعاءات، وصار لكل تيار تحليله الخاص بها ورؤيته الذاتية لفصولها ومشاهدها... مما فرض استيعاب ما كتب عن هذه الفترة واستقراء نقاط الاتفاق والحكم على الروايات بعرض بعضها على بعض، ومن ثم تقييم المرحلة وتقييم أبعادها. وبالتالي فإن المؤلف وهو أحد رجالات الثورة الذين عاصروا الحكم الإمامي وزمن التغيرات السياسية والثورات يعد شاهداً لتلك المرحلة استمعنا إلى شهادته ونترك التاريخ ليقول كلمته
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد