هل قرأت قصة الملك مع العالم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السٌّلطَانُ مَحمُودُ بنُ سُبُكتِكِين وَ ابنُ أَبِي الطَّيِّبِ

قال الإمام الذَّهبي في سِيَرُ أَعلاَمِ النٌّبَلاَءِ (18/173 - 175):

الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، المُفَسِّر الأَوحَدُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيٌّ بنُ أَبِي الطَّيبِ عَبدِ اللهِ بنِ أَحمَدَ النَّيسَابُورِيٌّ.

لَهُ تَفسِيرٌ فِي ثَلاَثِينَ مجلداً، وَآخر فِي عَشرَة، وَضَعهُ فِي ثَلاَث مُجَلَّدَات.

وَكَانَ يُملِي ذَلِكَ مِن حِفظِهِ، وَمَا خَلَّفَ مِنَ الكُتُب سِوَى أَربَعِ مُجَلَّدَات، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ آيَةً فِي الحِفظِ، مَعَ الوَرَع وَالعِبَادَة وَالتَّأَلٌّه.

 

قِيلَ: إِنَّهُ حُمِلَ إِلَى السٌّلطَانِ مَحمُودِ بنِ سُبُكتِكِين ليسمع وَعظَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ جلسَ بِلاَ إِذن، وَأَخَذَ فِي رِوَايَة حَدِيثٍ, بِلاَ أَمر، فَتَنَمَّرَ لَهُ السٌّلطَانُ، وَأَمر غُلاَماً، فَلَكَمَهُ لَكمَةً أَطرَشَتهُ، فَعَرَّفَهُ بَعضُ الحَاضِرِينَ منزلَتَهُ فِي الدِّينِ وَالعِلمِ، فَاعتذر إِلَيهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِمَال، فَامتَنَعَ، فَقَالَ: يَا شَيخُ: إِنَّ لِلمُلكِ صَولَةً، وَهُوَ مُحتَاجٌ إِلَى السِّيَاسَة، وَرَأَيتُ أَنَّكَ تَعَدَّيتَ الوَاجِبَ، فَاجعلنِي فِي حِلٍّ,.

 

قَالَ: اللهُ بَينَنَا بِالمِرصَاد، وَإِنَّمَا أَحَضَرتَنِي لِلوعظ، وَسَمَاعِ أَحَادِيث الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - وَللخشوع لاَ لإِقَامَة قوَانِينَ الرِّئَاسَة.

فَخَجِلَ المَلِكُ وَاعتَنَقَهُ. ا. هـ

 

علق الإمام الذَّهبي:

قُلتُ: رُتبَةُ مَحمُودٍ, رفِيعَةٌ فِي الجِهَادِ وَفتحِ الهِند وَأَشيَاء مليحَة، وَلَهُ هَنَاتٌ، هَذِهِ مِنهَا، وَقَد نَدِمَ وَاعتَذَرَ، فَنَعُوذ بِاللهِ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ, جَبَّار.

 

وَقَد رَأَينَا الجَبَّارِينَ المُتَمَرِّدين الَّذِينَ أَمَاتُوا الجِهَاد، وَطَغُوا فِي البِلاَد، فَوَاحسرَةً عَلَى العِبَاد. ا. هـ

 

هذا يقوله الإمام الذهبي في زمانه وقد أُميت الجهاد فكيف لو رأى زماننا؟ فماذا هو قائلٌ؟...الله المستعان

 

جـلالُ الـدولـةِ والـقـاضـي الـمـاوردي

قال ابن كثير في \" البداية والنهاية \" (12/46 - 47):

ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربع مئة...

وفي رمضان لقب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك بأمر الخليفة، وخطب بذلك على المنابر، فنفرت العامة من ذلك، ورموا الخطباء بالآجر، ووقعت فتنة بسبب ذلك، واستفتي الفقهاء في ذلك، فأفتى أبو عبد الله الصيمري أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية، وقد قال الله - تعالى -: \" إِنَّ اللَّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكًا \" [البقرة: 247]، وقال: \" وَكَانَ وَرَاءَهُم مَلِكٌ \" [الكهف: 79]، وإذا كان في الأرض ملوك جاز أن يكون بعضهم فوق بعضº لتفاضلهم في القوة والإمكان، وجاز أن يكون بعضهم أعظم من بعض، وليس في ذلك ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين.

 

وكتب القاضي أبو الطيب الطبري أن إطلاق ملك الملوك جائز، ويكون معناه ملك ملوك الأرض، وإذا جاز أن يقال: كافي الكفاة وقاضي القضاة، جاز ملك الملوك، وإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة، ومنه قولهم: اللهم أصلح الملك، فيصرف الكلام إلى المخلوقين، وكتب التميمي الحنبلي نحو ذلك.

 

وأما القاضي الماوردي صاحب \" الحاوي الكبير \" فنقل عنه أنه أجاز ذلك أيضا، والمشهور عنه ما نقله ابن الجوزي والشيخ أبو عمرو بن الصلاح في \"أدب المفتي\" أنه منع من ذلك، وأصر على المنع، مع صحبته للملك جلال الدولة، وكثرة ترداده إليه، ووجاهته عنده، وأنه امتنع من الحضور في مجلسه حتى استدعاه جلال الدولة في يوم عيد، فلما دخل عليه، دخل وهو وجل خائف أن يوقع به مكروها، فلما واجهه قال له: قد علمت أنه إنما منعك من موافقة الذين جوزوا ذلك، مع صحبتك إياي ووجاهتك عندي، دينك واتباعك الحق، ولو حابت أحدا من الناس لحابيتني، وقد زادك ذلك عندي محبة مكانة.

 

قلت (ابن كثير): والذي صار إليه القاضي الماوردي من المنع من ذلك هو السنة التي وردت بها الأحاديث الصحيحة من غير وجهº قال الإمام أحمد بن حبل في \" مسنده \": حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال\" أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك، قال أحمد: سألت أبا عمرو الشيباني عن \"أخنع اسم\" قال: أوضع.

 

وقد رواه البخاري عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، وأخرجه مسلم من طريق همام، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \" أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل تسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله - عز وجل -.

 

وقال الإمام أحمد: حدثني محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن خلاس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" اشتد غضب الله على من قتله نبيه، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك، لا ملك إلا الله - عز وجل - \". والله - تعالى -أعلم بالصواب. ا. هـ.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply