سليمان بن عبد الوهاب ... الشيخ المفترى عليه


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ سليمان بن عبد الوهاب هو أخو الشيخ المجدد المصلح محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله -، ومثلما افترى أعداء الدعوة وخصومها على الشيخ محمد افتراءات كثيرة كما ذكر هو - رحمه الله - في رسائله وتبرأ مما نسب إليه فإن الشيخين: مسعود الندوي - يرحمه الله - في كتابه ((محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه))، الذي خرج في أول أمره باللغة الأوردية ثم ترجم لعدة لغات، والشيخ أحمد بن حجر آل طامي القاضي سابقاً بقطر في كتابه: نقض كلام المفترين الحنابلة السلفيين قد ردا وفندا الأكاذيب على دعوة الشيخ ومن ذلك تسميتها بالوهابية، لأن الوهابية فرقة خارجية إباضية تنسب إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الاباضي المتوفى عام 197هـ على رواية وعام 205هـ على رواية أخرى بشمال أفريقيا، وقد اكتوى أهل المغرب بهذه الفرقة ونارها، وأفتى علماء الأندلس والمالكية بالمغرب بكفرها،، فأرادوا إلباس الثوب الجاهز بعيوبها لهذه الدعوة السلفية التصحيحية من باب التنفير والتفريق بين المسلمين.

 

والشيخ سليمان بن عبد الوهاب، أراد أهل الباطل أن يتسلقوا على كتفه بالكذب عليه، وجعله مطية تدافع عن أهوائهم وباطلهم، فنسبوا إليه كتابين هو منهما براء وهما: ((الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية))، و((فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب))، هذا ما وصل إلينا علمه، وقد تكون رغبات أهل الأهواء زادت بمؤلفات أخرى كما يحلو لهم،، كما قالوا أيضا عن والده بأنه عارض ابنه محمداً في دعوته، ومعلوم أن كثيراً من طلبة العلم في نجد والإحساء وغيرهما، ومنهم الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، قد توقفوا عن الاستجابة للدعوة حتى يتحققوا من الداعي وما يدعو إليه، وقد تم هذا بالمكاتبات والمناظرات والسؤال فاستجاب طالب الحق الصادق في مقصده، وتمادى من لم يلن قلبه، ومن كانت لديه بعض الشبهات، لكن لم تكن لأحد من علماء نجد ردود ومؤلفات إلا ما نسب لسليمان هذا،، وبتتبعي للوضع والبيئة والقرائن أصبح لدي قناعة بأن الكتب المنسوبة لسليمان بن عبد الوهاب لا صحة لها وهي من الافتراء عليه لكي يزكي أصحاب الأهواء ما هم فيه من هوى لا يستند على نص من كتاب الله، ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا رأي قاله أو عمل به سلف الأمة في القرون المفضلة التي أخبر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها خير القرون من بعده، وقد اعتمدت بعد الله في قناعتي تلك على قرائن منها:

1 - إن رسائل الشيخ وردوده على المناوئين للدعوة لم يرد من بينها اسم الشيخ سليمان حيث قالوا: إن من المعارضين له أخاه سليمان، وحيث لم يرد اسمه في الردود فهو ممن اتضحت له الحقيقة في وقت مبكر واستجاب، كما يتضح من رسائله هو لبعض المشايخ الذين بانت أمامهم الحقيقة فاستجابوا بعدما علموا حقيقتها وصدق الداعي لها وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وسليمان ممن استجاب مبكراً ولحق بأخيه في الدرعية في بداية الأمر لأن خلافهما لم يمس الجوهر.

 

2 - ينفي المهتمون بدعوة الشيخ هذه الكتب المنسوبة للشيخ سليمان في الرد على أخيه، ويعللون ذلك بأن القصد زيادة التنفير بتثبيت أن أخاه وهو أقرب الناس إليه أنكر عليه بينما واقع الحال أنه تابعه ووفد إليه معتذراً في الدرعية.

3 - الشيخ محمد بن عبد الوهاب توفي عام 1206هـ والشيخ سليمان بن عبد الوهاب توفي يوم 17 رجب عام 1208هـ كما ذكر ابن لعبون في تاريخه، ولقب الوهابية لم تتفتق الحيلة باطلاقه على دعوة الشيخ، الا عند بدء الحملات المصرية التركية ضد هذه الدولة بقيادة إبراهيم باشا، وبعد موت الشيخين بدليل أن \" ني بور \" المعاصر الأوروبي للشيخ محمد لم يستعمل اصطلاح الوهابية أصلاً. يقول عنه مسعود الندوي: ويظهر من هذا أن اصطلاح الوهابية لم يكن معروفاً إلى ذلك الوقت ولكنه يسمى مع أنه يعبر عن مذهب محمد بن عبد الوهاب الجديد: بالمحمدية وأن أول ذكر جاء للوهابية عند باحثيهم جاء عند برلي هارث New Religion دعوة الشيخ بدين جديد الذي جاء الحجاز بعد استيلاء محمد علي في سنة 1229ه كما جاء عند المؤرخ المصري الجبرتي - رحمه الله -، وقد جاء ذكرها باسم الوهابية في كتابات المستشرقين والمؤرخين الغربيين مصاحبة لأخبار الحملة الهادفة إلى القضاء على هذه الدولة الجديدة التي نبعت من الجزيرة، خوفاً من المد الإسلامي الذي يجدد للأمة دينها منذ عام 1225هـ.

4 - ولكي يبرهن الداعون إلى التنفير من هذه الدعوة على ما يدعون إليه، خاصة وأن الإعلام عنها ضعيف ولا يصل إلا من جانب الخصوم وأصحاب الأهواء لأنهم الأقدر على الاتصال مع الأمم الأخرى فإنه لا بد من إلباس سليمان ثوبا يتلاءم مع الهدف الذي تفتقت الحيلة عنه لإلباسه لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوهابية ليتلازما في خطين متوازيين يخدم أحدهما الآخر رغم أن دعوة الشيخ محمد تتنافر مع الوهابية الرستمية من حيث المعتقد والمحتوى والمكان والطريقة، وأسلوب الاستشهاد بالدليل الشرعي، لأن الوهابية الرستمية تخالف معتقد أهل السنة والجماعة كما هو معروف عنهم لدى علماء المالكية في شمال أفريقيا والأندلس - قبل تغلب الأفرنج عليها- بينما الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، ويدعم رأيه في كل أمر بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة، وما انتهجه السلف الصالح، كما هو واضح النص والقياس في جميع كتبه ورسائله.

أما سليمان فلم يعرف عنه رأي يخالف ذلك لا في الشيخ ولا في دعوته، ولم يذكر المخالفون للشيخ محمد وفق الرسائل الكثيرة رأياً للشيخ سليمان يخالف ما سار عليه أخوه، ولو عرفوا عنه شيئاً وهم لصيقون به لذكروه كبرهان يستدل به.. لكن العكس هو الصحيح. كما سوف يرى القراء فيما بعد من هذا البحث: نموذجاً من رسائله المؤيدة لدعوة الشيخ والحاثة لبعض طلبة العلم بالانضمام إليها وتبيين محاسنها.

 

5 - وقرينة أخرى فإن مخالفة الشيخ سليمان بن عبد الوهاب لأخيه كانت في بداية أمر الشيخ محمد، ووقتها لم تتعد الردود الكلام الشفوي في بداية أمر الشيخ محمد، ومحمد ابن غنام - رحمه الله - رصد ذلك بتأريخه وقد عاصرهما سوياً، وتوفي بعدهما بزمن، ولم يذكر من ذلك شيئاً رغم انه ذكر المخالفين للشيخ محمد في دعوته،، كما أنه لم يذكر المشايخ أحمد بن محمد التويجري، وأحمد ومحمد ابنا عثمان بن شبانه، وهم مَن بينهم وبين الشيخ سليمان مكاتبات حول الدعوة وكانوا متوقفين في البداية حتى عرفوا صدقها فأيدوها كما يتبين من رسائلهم المتبادلة، وسوف نورد بعضا منها في حدود ما يتسع له المقام.

 

6 - ومن جانب آخر فإن كلمة الوهابية في وضعها اللغوي الصحيح تكون نسبة لوالدهما عبد الوهاب سوياً ولا يمكن أن يكون لسليمان الابتداع في إطلاق هذا المسمى على دعوة أخيه لأنه يعرف دلالة اللغة العربية، كما لم يعرف أن والدهما عبد الوهاب قد أخذ هذه النسبة، ومن جهة فإنه لم يرد على والده، وهو يدرك أن النسبة خطأ لأنها من نسبة الشيء إلى غير أصله، فلا يمكن أن نقول للمكي إنه مدني، ولا للمغربي إنه هندي، وهكذا وإن أطلقت الوهابية تجوّزا فإن محمداً وسليمان مشتركان فيها، الراد والمردود عليه، وهذا مما لا ينطلي على الشيخ سليمان بن عبد الوهاب،، إن كان هو صاحب الرد حقيقة،، أما إذا كان الرد مدسوساً عليه - وهذا هو الأرجح عندي - فإن جهالة المفتري تجعله يقع في مزالق أبلغ من ذلك.

وقلنا في القرينة الثالثة: ما يدل على أن كل من كتب كان لسبب دفع إليه، وهدف قصده هو أو وجه إليه لتحقيق غرض حول هذه الدعوة إذ يرون من أهم ما يجب إبرازه معارضة المحيطين بالشيخ من أهل نجد إذ تلقفوا في العراق وفي الشام وفي مصر وغيرها أقوال أشخاص ناوؤا الدعوة كما يظهر من الردود عند بن جرجيس وغيره،،

بل نموذج ذلك مربد المربد الذي ذهب لليمن في عام1170هـ ثم رجع إلى مكة ووضع محدثاً في الحرم، وقال عنه الشيخ عبد الله بن بسام: \" والقصد أن هذا الرجل وأمثاله ممن ناوؤا الدعوة الإصلاحية هم الذين شوهوا سمعتها وألصقوا بها الأكاذيب وزوروا عليها الدعاية الباطلة، حتى اغتر بهم من لا يعرف حقيقتها ولا يخبر حلها،

فرميت بالعداء، عن قوس واحد، إما من الحاسدين الحاقدين، وإما من المغرورين المخدوعين، وإما من أعداء الاصلاح والدين حتى غزتها الجيوش العثمانية في عقر دارها، فأوقفت سيرها وشلت نشاطها بالقضاء على دعاتها وإبادة القائمين عليها من حكام الحكومة السعودية الأولى ورجال العلم من أبناء الشيخ محمد وأحفاده \" [علماء نجد: 3/ 949]

ومنهم سليمان بن محمد بن سحيم الذي جاء ذكره في كثير من رسائل الشيخ بأنه يكتب للأمصار في النيل من الشيخ ومهاجمة دعوته، حيث يصور للناس في رسائله أشياء لم تقع من الشيخ وليس لها أصل، كان من علماء الرياض وبعد سقوط الرياض في يد الدولة السعودية الأولى غادر للإحساء ثم الزبير بالعراق، وقد توفي هناك عام، 1181هـ وفيها أولاده.

ومنهم محمد بن عبد الله بن فيروز النجدي أصلاً الإحسائي مولداً كان من العلماء وجاء ذكره في رسائل الشيخ وقد اهتم به والي البصرة العثماني عبد الله أغا لما انتقل إليها وسكنها حيث بقي بها حتى آخر حياته عام 1216هـ، وقد وجد فيه والي البصرة ما يعينه على تحريض السلطان العثماني بالقضاء على الدعوة وقمعها، وقد أيده في هذا المسلك بعض تلاميذه ما عدا الشيخ محمد بن رشيد العفالقي الذي هاجر للمدينة وعرف حقيقة الدعوة فصار يدعو لها كما هي حال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب ورفقائه الثلاثة الذين مر ذكرهم، ولما دخل الإمام سعود بن عبد العزيز المدينة أكرم الشيخ محمد بن رشيد العفالقي كعادته في إكرام العلماء، وجعله على قضاء المدينة، وقد ظهرت جهوده في تعريف الناس بهذه الدعوة، وخاصة في مصر بعد أن سكنها، فأحبه الناس هناك، وله دور كبير في تعريف الناس بالسلفية في مصر، وقد توفي بالقاهرة سنة 1257هـ. [انظر مشاهير علماء نجد لعبد الرحمن آل الشيخ، 228]

ومنهم عبد الله بن عيسى الموسى، قاضي حرمة الذي جاء ذكره في رسائل الشيخ كثيراً، وحذر الشيخ الناس منه وبين أعماله وقد توفي ببلده عام 1175هـ قبل انتشار الدعوة واتساع دائرتها في الجزيرة العربية. [علماء نجد: 2/ 604]

ومنهم عثمان بن منصور الذي درس في العراق ومن أشهر مشايخه: داود بن جرجيس ومحمد بن سلوم الفرضي وهما من أشد خصوم الدعوة، وبين ابن جرجيس وعلماء نجد ردود ومنافرات حول هذه الدعوة، وقد قال ابن بسام عنه في ترجمته: \" والمترجم له متردد في اتجاهه العقدي، فمرة يوالي الدعوة السلفية وينتسب إليها وأخرى يبتعد عنها ويوالي أعداءها، وذلك لما وصل داود بن جرجيس الذي أخذ يقرر استحباب التوصل بالصالحين من الأموات والاستعانة بهم، ونحو ذلك مما يخالف صافي العقيدة، ناصره وصار يثني عليه ويمدح طريقته وقرظ كتابه وأثنى على نهجه بقصيدة بلغت ستة وثلاثين بيتاً وقد رد عليه من علماء نجد بقصائد مماثلة بالوزن والقافية أكثر من سبعة. [علماء نجد: 3/ 696]

كما أن منهم إبراهيم بن يوسف الذي تعلم في دمشق وسكنها وهو من أشيقر، وكان له حلقة في الجامع الأموي وقتل في ظروف غامضة هناك عام 1187هـ.

وغيرهم كثير ممن جاءت أسماؤهم في ردود الشيخ محمد وتلاميذه ولكن لم نر فيها رداً واحداً أشار إلى تمادي الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في معاداته للدعوة، ولا إشارة لرد حصل منه على الشيخ، مما يدل على أن الرد المزعوم الذي تسمى باسم ((الصواعق الالهية في الرد على الوهابية)) وما تبعه من ردود افتريت على الشيخ سليمان لكي يتقوى من وراء ذلك على مقصدهم بسلم يريدونه أقرب طريق يوصلهم لغاياتهم، ولكي يحتجوا بالشيخ سليمان في تقوية شبهاتهم وتعزيز باطلهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply