حكاية الحاج عمر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يزال كثير من أبناء المسلمين لا يدركون حجم العداوة والبغضاء التي تحتويها قلوب اليهود والنصارى عليهم، ولا تزال الغفلة ضاربة بجذورها في عقول وقلوب كثير من المسلمين عن طبيعة العلاقة بيننا وبين هؤلاء المخالفين في العقيدة والدين، رغم أن الله - عز وجل - قد أوضح لنا ذلك جليًّا في القرآن في آيات كثيرة نختار منها الآية الفذة الجامعة {وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} [البقرة: 120]، مهما فعل المسلمون وقدموا من تنازلات وتراجعات ودللوا على محبتهم فلن يرضى أبدًا عنهم اليهود ولا النصارى حتى يصيروا مثلهم في الدين إما يهودًا وإما نصارى. ولعل للمسلمين بعض العذر في غفلتهم هذه بسبب التخدير المستمر ليل نهار بشعارات باطلة وكاذبة مثل \'الوحدة الوطنية\' و\'الأخوة الإنسانية\' و\'القومية العربية\'، هذه الأباطيل التي أثبتت الأيام ومواقف الطرف الآخر مدى كذبها... وفي حكاية الحاج عمر خير دليل على موقف الآخر من قضية الولاء والبراء.

 

فقد روى الجبرتي في أحداث السنة 1183هـ تلك الحكاية ذات الدروس والعبر، فقد كان الحاج عمر الطرابلسي من كبار تجار مدينة دمياط بمصر، وكان موصوفًا بالخير والديانة وكثرة الصلاة والذكر والصيام، ومداومة الحج، مع اشتهاره بإكرام الأضياف، حتى صار منزله بدمياط مأوى الوافدين من كل مكان، ويصر على خدمة ضيوفه بنفسه، وكان له في كل سنة في شهر رمضان مأدبة كبيرة يستقبل عليها طلاب العلم الشوام الذين يدرسون بالأزهر، فيقيمون عنده طوال الشهر، وفي العيد يكسوهم ويعطيهم النفقة، وهكذا كانت حياته كلها صلاح وخير.

 

وقد وقعت له قضية بالإسكندرية مع بعض التجار النصارى الكارهين له بسبب حب الناس له ورواج تجارته وشهرته في الآفاق، حيث تطاول عليه هذا النصراني وسبه وسب دين الإسلام فتوجه الحاج عمر إلى القاهرة ورفع عريضة وشكوى لمشايخ وعلماء الأزهر بما حدث، فأفتوا بقتل الذمي وذلك في ميدان عام، وجاء هذا المجرم مسرعًا إلى القاهرة واستنجد بكبار النصارى بمصر وقتها الذين أسرعوا وقدموا بدورهم عريضة استرضاء كلها كذب وخداع وتضليل وعرضوا القضية على المشايخ بصورة مغايرة وسبكوها في قالب آخر، فاختلف العلماء في فتواهم بقتل الذمي، فرجع بعضهم وبقي البعض الآخر، وهذا الاختلاف أدى إلى وقف تنفيذ الحكم بالإعدام على هذا المجرم الشتام السباب.

 

ودارت الأيام وتولى إمرة مصر الأمير \'علي بيك\' وكان لا يهتم بأمر الشرع كثيرًا، وكانت له بطانة سوء معظمهم من النصارى، بل كبار مساعديه من النصارى مثل \'رزق جرجس\' و\'إبراهيم الجوهري\'، وارتفع شأن النصارى جدًا في البلد، وبدأوا في تصفية حساباتهم مع خصومهم المسلمين، فتآمروا على الحاج عمر، وسعوا بالوشاية عند أمير مصر \'علي بيك\'، حتى أمر بالقبض عليه وذلك في شهر رمضان الذي كان الحاج عمر فيه نجمًا من نجوم البر والخير، وذلك إمعانًا في إذلال الحاج عمر، ونهبوا ماله ودياره، ووضعوا القيود في رقبته ورجليه وأنزلوه مهانًا عريانًا مع نسائه وعياله، ونفوه إلى بلده الأصلي طرابلس بالشام، وقد حاول بعض أكابر المسلمين إقناع الأمير بإعادته وبيان الظلم الواقع عليه، لكن النصارى بالغوا في إثناء الأمير عن فكرة رجوعه حتى وافق على عدم رجوعه، واستمر هناك حتى مات وحيدًا شريدًا طريدًا.

 

وهكذا كانت حكاية الحاج عمر مع النصارى ولا عزاء للوحدة الوطنية والأخوة الإنسانية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply