من تاريخنا المجيد


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 يحكى أنه كان هناك ثلاثة أشخاص يعملون حمالين في قرطبة بالأندلس فردوسنا الضائع والمنسي، يعني يشتغلون في السوق لقاء أجر مادي بنقل أو حمل حاجيات الآخرين ممن لا يرغبون في ذلك حفاظاً على مقاماتهم واعتزازاً بذواتهم أو لأنهم لا يستطيعون ذلك بسبب الأحجام الكبيرة لتلك الحاجيات وتعددها وثقلها الخ..

 

أحد الثلاثة شخص كان يدعى محمد بن أبي عامر، وذات مساء عندما كان يتسامر مع رفيقيه سألهما: ماذا تريدان مني عندما أكون خليفة؟، فتضاحكوا مستنكرين عليه طلبه ومستغربين جرأته ومعتقدين في نفس الوقت أنه ليس جاداً في طلبه وإنما كلامه من باب المزاح..

ولكن أمام إصراره قال الأول: أرغب في الحصول على قصر منيف، وخيول أصيلة، وحدائق غناء، وجواري حسان، ومئة ألف دينار ذهب،

أما الثاني فقال: أطلب منك أن تكلف من يضعني على حمار ويجعل وجهي باتجاه مؤخرته ثم يدار بي في المدينة ويقال: كذاب دجال من يتعامل معه يعرض نفسه للسجن، ومرت الأيام، ونسي الاثنان ما دار بينهما وبين أبن أبي عامر، لكنه لم ينسى حلمه، وبادر إلى تغيير وظيفته حيث تأكد له أنها ليست الطريق المناسب لأن يصير خليفة فعمل شرطياً، واستمر يتدرج في عمله حتى نال أرفع المقامات في هذا المجال وصار رئيساً للشرطة، ثم لما توفي الخليفة الذي كان يحكم الأمة في زمنه ونظراً لصغر عمر وريثه (ثمان أو عشر سنوات) وحتى لا يستأثر الوصي الفرد بالحكم لنفسه قررت الأسرة الحاكمة من بني أميه تعيين مجلس وصاية على الخليفة الطفل يتكون من الوزير الأول ومن رئيس الجيش ورئيس الشرطة (محمد أبن أبي عامر)، بعد ذلك تسنى لابن أبي عامر تحييد زميليه في مجلس الوصاية والخليفة الطفل واتخذ عدد من الإجراءات مكنته من أن يستأثر بالحكم لنفسه، وأصبح خليفة من خلفاء الأندلس وكنى نفسه ب\"الحاجب المنصور\"، وبعد عدة سنوات تذكر زميليه الحمالين فأمر باستدعائهما، وتم ذلك، وعندما مثلا أمامه بحضور عدد من وزرائه وأفراد حاشيته سألهما عما إذا كانا يتذكرانه وعما جرى بينهما من مسامرة في الزمن الغابر وفي ذلك الليل الفائت، فذكر الأول طلباته فأمر الخليفة بأن تعطى له وأن يزاد عليها راتب ثابت وأن يدخل عليه بدون استئذان، أما الثاني فحاول التهرب من ذكر طلباته، لكن أمام إصرار الخليفة ذكرها، فأمر الخليفة أن يتم تحقيقها حتى يعلم ذلك الشخص أن الله على كل شيء قدير. فهل نعتبر؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply