هل أنت سعيدة ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

يفاجئك سؤال، يدور في رأسك، يثير الحيرة في نفسك ما أصعب الإجابة على مثل هذا التساؤل البسيط والمباشر تقولين في نفسك:

ربما لست تعيسة، كما أنني أحمد الله دائماً على كل حال، أحياناً أشعر بالبهجة والسرور وترتفع معنوياتي، وأحياناً يدهمني الحزن والإحباط، لا تخلو حياتي من المنغصات والمتاعب كما أنني لا أنكر فضل الله عليّ فقد حباني الكثير من النعم والعطايا·

 

ولكن ما المقصود بالسعادة؟ وما العناصر التي لو توافرت لديّ أعدّ من السعداء؟

ما السعادة؟

السعادة مطلب ثابت لكل إنسان، ينشدها ويسعى إليها بطرق مختلفة متباينة وعندما يشعر بها يجده سهلة قريبة في متناوله ولكنه لم يفطن لذلك·

يقول أرسطو:

أرقى خير يمكن أن يبلغه المرء بجهده يتفق عامة الناس وصفوتهم على أنه السعادة ولكنهم يختلفون في تحديد كنهها-1-·

ويقول علماء النفس: إن  الأساس في الشعور بالسعادة هو أن يتحلى المرء بالسواء النفسي والصحة النفسية ويعرِّفونها بأنها  القدرة على العطاء والحب من دون انتظار المقابل، إنها التوازن بين الغرائز والرغبات الخاصة والذات والضمير(2) بينما تؤكد البحوث التجريبية في المجالات النفسية أن للسعادة جانبين·

1- جانب انفعالي: والمقصود به الشعور بالبهجة والمتعة·

2- جانب معرفي تأملي: والمقصود به الشعور بالرضا والإشباع وطمأنينة النفس وتحقيق الذات·

من هو السعيد؟

فإذا تحلت المرأة بالصحة الطيبة وبدرجة معقولة من الاكتفاء المادي إلى جانب ما ذكرناه أولا من تمتع بنفس سوية طيبة فستكتسب علاقات اجتماعية كثيرة مثل الزواج والصداقة وستنجح في عملها وتتمتع بالسمعة الجيدة والاحترام، وكل ذلك سيثرى حياتها ويشعرها بالرضا والنجاح وهذه هي السعادة يبقى جانب آخر شديد الأهمية لن يكتمل الشعور بالسعادة إلا به، وهو القدرة على تجاوز الذات، القدرة على العطاء والحب، فمن تظل سجينة نفسها، مشغولة بذاتها تفكر دائما في أسباب تعاستها وتحصي جوانب النقص في حياتها يسيطر عليها الشعور بالرثاء للذات الذي يحبطها ويشتت أفكارها ويهدر إمكاناتها ويبعدها عن تحقيق السعادة·

أما السعيدة حقاً فهي الإنسانة الموضوعية التي لديها اهتمامات كثيرة متنوعة خارج إطار ذاتها التي لديها قدرة على العطاء والعمل والجد والمثابرة، توجه كل طاقاتها للبناء، تفكيرها منظم مواقفها إيجابية، تمتلئ نفسها بالخير فيفيض على من حولها وكأن في داخلها نبعاً لا ينضب من المحبة·

حجر الزاوية في بناء هذه الشخصية هو الإيمان بالله والامتثال لأمر الله ورسوله، والهدف العبادات التي قصد منها تزكية النفس وتدريبها على الخير والعطاء·

مثل هذه الإنسانة مهما عانت من كدر الحياة وابتلاءاتها فإن نفسها لا تنكسر ولا تيأس وإنما تخرج من المحنة وقد صقلتها نارها واستضاءت بنورها فصارت أصلب عوداً وأقوى نفسا ينطبق عليها قول رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -:  عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له(3)·

وقال - تعالى -: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة -257)·

 

مصادر السعادة

1 - المصدر الأول هو التدين والاستقامة، حيث يشعر المرء أنه عبدلله ترعاه عين من لا يغفل ولا ينام فيتوكل عليه ويدعوه ويسأله فيفرج كربه ويعينه ويهديه دائماً إلى الخير·

قال - تعالى -: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة آية 186·

وجاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي عمرو بن سفيان بن عبدالله- رضي الله عنه-  قال: قلت يارسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك قال  قل آمنت بالله ثم استقم  رواه مسلم·

الإيمان بالله يشيع الطمأنينة في النفس، أما الاستقامة فتظهر في السلوك فلا ينجرف الإنسان إلى المعاصي والخطايا ولايبدد قواه الروحية في العبث فيكسب السمعة الطيبة والاحترام والإحساس بالرضا عن النفس وتقدير الذات·

2- العلاقات الاجتماعية الناجحة·

أ- أهمها الزواج قال  - صلى الله عليه وسلم - (من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح(4)·

فالعلاقة الزوجية الناجحة تشبع الكثير من الحاجات النفسية بل إنها من الممكن أن تعيد تأهيل الإنسان وتسد جوانب النقص في شخصيته وتعوضه عما سبق وعاناه في سنوات عمره الأولى·

كما أن الحديث المتبادل والتفاهم بين الزوجين يخلق بينهما عالماً معرفياً مشتركاً يدعم في كل منهما نظرة الآخر إلى العالم ويجعله يشعر بالرضا عن النفس ويشيع في نفسه البهجة·

2- الأصدقاء، إن الصديق المخلص هو موضع سر المرء وشريكه في أفراحه وأتراحه يعينه دائما بنفسه وماله ويدعو له بظهر الغيب·

لقاء الأصدقاء يحسِّن الحال المعنوية ويتيح لنا الفرص لمناقشة مشكلاتنا واقتراح حلول لها، ويجعلنا نشعر أن الدنيا بخير بما يحمله لنا هذا الصديق من مشاعر المودة والحب الخالص بل إن الصديق الوفي يغني عن المعالج النفسي·

3- الأبناء·

على الرغم من أعبائهم إلا أنهم قرة العين، في صغرهم يشيعون الحيوية والمرح والتجدد في حياتنا، نستمتع برؤيتهم يكبرون ويدفعوننا إلى النضج والرشاد وعندما يتقدم بنا العمر يلتفون حولنا ويمتعوننا بحبهم وصحبتهم·

4- الأقارب وزملاء العمل والجيران·

يقول علماء النفس

تعد العلاقات الاجتماعية واحداً من أهم مصادر السعادة والصحة كما أنها تخفف الشعور بالمعاناة، وتستمد أعلى الفوائد في هذا الصدد من الزواج والعلاقات الوثيقة الأخرى التي تتصف بدرجة عالية من الدعم، وتزيد العلاقات الاجتماعية الإنسان سعادة بتوليد البهجة وتوافر المساعدة، من خلال الأنشطة المشتركة والممتعة، وهي تحمي من تأثير المشقة بزيادة تقدير الذات وكف الانفعالات السلبية وتوفر المساعدة على حل المشكلات (5)·

كذلك فإن العمل وشغل وقت الفراغ كلاهما من الأمور المهمة في الإحساس بالسعادة، فالنجاح في العمل الذي يسند للإنسان ويتولى مسؤوليته وقدرته على شغل وقت فراغه في النافع المفيد من الهوايات التي تثري حياته وتنمي قدراته بشكل مستمر· ومن المثير للدهشة أن المال والثروة - كما أثبتت الدراسات والبحوث التجريبية- لم يكونا سببا للسعادة· صحيح إن المرء يحتاج إلى يكفيه شر العوز والفاقة ويفي بحاجاته ولكن الثراء الفاحش له ضريبته الفادحة من المشكلات والقلق ولا يجلب السعادة لصاحبه، إن السعادة في قلبك وعقلك وشخصيتك الطيبة وعونك الصادق لمن حولك فاستمتع بها ولا تفلتها من بين يديك·

 

----------------------------------------------------------

 هوامش ومراجع

1 - سيكولوجية السعادة- مايكل أرحايل ترجمة د· فيصل عبد القادر يونس سلسة عالم المعرفة الكويت - رقم 175 - يوليو 1993 م ·

2- عذابك له علاج - د· أحمد عكاشة - كتاب اليوم الطبي - القاهرة- ديسمبر 1992 م

3- الحديث: عن أبي يحيى صهيب بن سنان- رضي الله عنه- ·· رواه مسلم·

4- الحديث رواه أحمد بإسناد صحيح من حديث سعد بن أبي وقاص·

5- سيكلوجية السعادة مرجع سابق·

6- انظر أيضاً كيمياء السعادة - حسين أحمد أمين - سلسلة أقرأ- دار المعارف - القاهرة - 1998م·

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply