بين الرحمة التربوية والعنف التربوي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

دخل نصراني على أبي عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله - فقال له: إني لأشتهي أن أراك منذ سنتين، ما بقاؤك صلاح للإسلام وحده، بل للخلق جميعاً، وليس من أصحابنا أحد عَلِيَ وقد رضي بك.

عبارة جميلة قرأتها في سيرة أعلام النبلاء للإمام الذهبي، وجلست أتأمل بعدها كيف رَضِيَ النصارى بالإمام أحمد بن حنبل، وما هو المنهج الذي اتبعه ليرضوا به، وكيف كانت علاقته مع الآخرين؟ وكيف استوعبهم وتعامل معهم حتى يرضوا عنه؟ كل هذه الأسئلة دارت في نفسي وأنا يومياً أسمع قصصاً تربوية كثيرة فيها معاناة من الأبناء والبنات من ظلم الآباء والأمهات لهم، ونحن نتحدث عن بيوتنا وبيوت المسلمين، فكيف نتوقع طريقة تعامل أبنائنا مع المسلم وغيره عندما يكبرون؟!

إن بعض الوالدين أحياناً يمارسون (العنف التربوي) على أبنائهم، وقليل من البيوت تجد فيها (الرحمة التربوية).

وبالمناسبة فإني تحاورت يوماً مع (متشدد بالدين)، وممن يرى أنه على الحق دائماً وكل من في الأرض غيره على باطل، وحاولت مراراً أن أعرفه بحقيقة نفسه، ولكنه كان عنيفاً حتى في تعامله معي وهو لم يتجاوز العشرين عاماً، فاستغربت من نظرته (العنيفة) إلى البشر كلهم وإلى المقصرين في الإسلام، وعندما بحثت عن سبب ذلك اكتشفت أن تربيته في البيت كانت قائمة على منهج (العنف التربوي) لا (الرحمة التربوية)، وكان والده دكتاتوراً ووالدته عصبية ومتسلطة.

إن المتأمل في الآيات القرآنية يلاحظ أن الله - تعالى -لم يصف نفسه (بالعنف) أبداً، وإنما ذكر وصف الله (بالجبار) مرة واحدة بالقرآن، ووصفه (بالمنتقم) لم يرد، وإنما ورد (ذي انتقام) في حالات خاصة.

بينما مثلاً وصف الرحمة في (الرحمن) ورد في البسملة بمائة وثلاث عشرة آية في مقدمة السور، بالإضافة إلى وروده عشرات المرات داخل السور.

فالأصل في الإسلام أنه دين رحمة، وبعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين حتى كان - عليه السلام - يكره اسم (حرب)، فقد قال: أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأقبح الأسماء (حرب) و(مرة).

وما نريده اليوم أن نربي أبناءنا على منهج الرحمة والرفق، لا الشدة والعنف، وأن نشيع ثقافة السلام في بيوتنا، فإن مما يميز أمة محمد عن غيرها من الأمم أن عندنا اسم (عبد السلام)، وهذا الاسم لا يوجد في أمة غيرنا، ولهذا لا نعجب الآن مما قاله النصراني عن الإمام أحمد بن حنبل في تعامله معه على منهج الرحمة في كسبه ودعوته.

فالعنف لا يولد إلا عنفاً، والتطرف لا يولد إلا تطرفاً، ومن جميل ما عرفت أن الجماعة الإسلامية في مصر أصدرت ستة كتب في تخليهم عن الجهاد المسلح للأنظمة العربية والذي كانوا يتبنونه ويعتقدون أنه أمر واجب شرعي، ولم يعد اليوم واجباً عليهم لوجود موانع عدة، وكان كتابهم الأول بعنوان (مبادرة وقف العنف: رؤية واقعية ونظرة شرعية).وأنا أعتبر أن هذا الموقف شجاعة منهم، ونريد نحن من كل والد ووالدة أن يؤلف كتاباً يعلن فيه وقف (العنف التربوي) واستبداله (بالرحمة التربوية).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply