الموقف بين قضايا الساعة وتربية الناشئة


 بسم الله الرحمن الرحيم

في غمرة الأحداث الجارية سواء على الصعيد الدولي أو المحلي تكثر التحليلات والأحاديث ويشتغل كثير من أهل العلم والفضل عن أمور كثيرة، ومشاريع مهمة، ومنها اشتغالهم عن العناية بالشباب، ودعوتهم، وإنقاذهم من سيل الشهوات العارم.

 

فما العلاج لمثل هذه الظاهرة التي تؤذن بخروج جيل مهزوز مهزوم؟.

كان مما شارك في الإجابة على هذا:

 

(د. ناصر سليمان العمر)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

فلا شك أن الأحداث تتوالى، والفتن يتبع بعضها بعضاً، وهذا الواقع المرير الذي تعيشه الأمة، لا يمكن أن تخرج منه بردود الأفعال، وكذلك المد التغريبي والغزو الصليبي، لا يمكن أن يقوم له أهل الشهوات، ولهذا كان إعداد العدة، وتهيئة الشباب للنهضة بالأمة، في كافة المجالات من أحد المهمات، فعملية بناء أجيال الغد وتنشئتهم التنشأة الصحيحة، عملية حيوية لا ينبغي أن يُشتغل عنها بالعوارض التي لا تنتهي.

 

والله - عز وجل - عندما ذكر الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، وذكر الأجر العظيم المرتب عليه (ذَلِكَ بِأَنَّهُم لا يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ, نَيلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ) التوبة: 121.

 

بعد كل هذا الترغيب، وبعد أن ذكر هذا الأجر العظيم يعقب فيقول: (وَمَا كَانَ المُؤمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ, مِنهُم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ (122).

 

فانظر كيف أمر طائفة بملازمة العلماء الربانيين للتفقه في الدين، بينما يقاتل إخوانهم الكافرين، أي نازلة وأي قضية أعظم من هذه؟ ومع ذلك لم تشغل المجتمع عن البناء والتربية والتعليم.

 

إذاً تربية الأجيال وظيفة مهمة، واستراتيجية أساسية في بناء الأمة، لا ينبغي أن تشغل عنها الشواغل أو تصرف عنها الصوارف مهما عظمت.

 

ولا يعني هذا إهمال الأمة وأحداثها العظام، بل ينبغي أن يتصدى لمعالجة قضايا الأمة العلماء الراسخون، والأئمة المرضيون، والدعاة المخلصون، وينبغي كذلك أن يُحَمَّل همها النشء لينؤ برفعه إذا اشتد ساعده، وليحل بعضهم محل بعض من خرمتهم أيدي المنون من العلماء والمصلحين.

 

فعلى العلماء والدعاة معالجة القضايا وتولي الردود وعلى المربين والقادة، استثمار الأحداث في التربية والتوجيه، لا أن تشغلهم عن المشاريع المهمة، وتصرفهم عن العناية بالشباب.

 

والعلماء الكبار، والأئمة الهداة على مر التاريخ، هم من يجمع بين الأمرين بتوازن واطراد، دون طغيان جانب على آخر، يستمدون من كل حدث دروساً وعبراً، ويخضعون الأحداث للشريعة حكماً ووصفاً.

 

والناس حيال واقع الأحداث طرفان ووسط، فطرف يتعامل بردود الأفعال، فكلما وقع حدث اشتغل به وجعله همه ومقصده، وانجر معه إلى حيث ساقه، وطرف آخر معرض عنها كأنها لا تعنيه، وكأن من أصيب لا ينتمي إلى أمته أو ملته، وقليل من يستثمر الحدث لخدمة أهداف استراتيجية، ويستفيد منه في تربية الناشئة والذرية.

 

أسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

(د. عبدالله بن محمد الطيار)

الحديث في الفتن له ضوابط بل إن العمل ومن الفتن له ضوابط خاصة فليس كل قول حسن للشخص ينبغي أن يشيعه زمن الفتن وليس كل فعل حسن ينبغي أن يفعله زمن الفتن والسبب في ذلك أن القول والعمل يترتب عليه أشياء عظيمة زمن الفتن قد لا يحسب لها الشخص حساباً وفي هذا السياق يستدل بما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: \"حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين أما أحدهما فبثثة وأما الآخر فلو فبثثته لقطع هذا الحلقوم\" والسبب والله أعلم أن الإنسان إذا كثر كلامه زمن الفتن وخاض في أمور عظيمة قد لا يتصورها العامة وبالتالي قد يترتب على ذلك محاذير شرعية عظيمة لا يحسب لها المتكلم حساباً ولذا كثرة الخوض في التحليلات وإبداء الرأي في كل حدث والنقاش الطويل في أحداث قد لا يكون الكلام فيها له الأثر النافع كل هذا مما ينبغي الابتعاد عنه لأن الناس أعداء لما يجهلون ثم إن المسلم الواعي الحصيف ينبغي أن يصدر عن رأي أهل العلم والفضل والتجربة الذين عركتهم الحياة وسبروا حلوها ومرها.

 

ولذا أنكر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- على ابنه إنكاراً شديداً فقال: \"يا هذا أتريد أن أكون رأساً في الفتنة لا والله\" فالسلف - رحمهم الله - أحبوا السلامة في الفتن وعدم الخوض في كثير من الأمور.

 

فسكتوا وآثروا السلامة وانشغلوا بالأهم وتركوا ما لا يعني وهكذا ينبغي أن يكون أهل الفضل والعقل في كل عصر ومصر يعتنون بأنفسهم في عباداتهم وأخلاقهم ويهتمون بالدعوة وإيصالها للآخرين ويجتهدون في سد المنافذ على البدع والمبتدعة وأهل الفسق والغواية الذين من ضمن مخططاتهم إشغال أهل الخير بمثل هذه التحليلات التي لا تؤدي إلى نتائج عملية بل كثيراً ما تكون عاقبتها الخلافات الحادة والمخاصمة والقطعية والجميع لا يقدم في هذه القضية أو تلك شيئاً، والمتأمل في واقع الشباب الذين يتابعون القنوات الإخبارية وغيرها مما يشغل الفكر والعقل ويأخذ بالعاطفة يلحظ قصوراً كبيراً في العمل وقعوداً عن التفاعل فيما ينفع المجتمع ولا زلت أذكر ذلك المدرس الذي كان شعلة في مدرسته في الفصل الأول وفي الفصل الثاني اعتذر عن جميع المناشط ولما تابع مدير المدرسة سلوكه خارج المدرسة تبين له أنه لا يكاد يخرج من الاستراحة إلا عندما يأتي للمدرسة لأداء واجبه الوظيفي وتبين له أن أهله مستاؤون جداً من صنيعه وأن ما حصل من انتكاس في مدرسته حصل أضعافه في بيته ومع أهله وأولاده فهل من وقفة حازمة راشدة للعقلاء الغيورين لملئ أوقات الناس بالخير وإبعادهم عن مزالق الهوى والشهوات والترفع بهم عن الخوض في كل ماله آثار سلبية عليهم وعلى أهليهم وأعمالهم نتمنى ذلك ونسأل الله تحقيقه وصلى الله على نبينا محمد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply