فريضة طلب العلم ومسؤولية المسلم الذاتية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمـد الله الذي علّم الإِنسان ما لم يعلم، وميّز بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى أله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين: (... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكّر أولوا الألباب) [الزمر: 9].

 

الحمد الله الذي جعل العلم فريضة على كلّ مسلم. ففي الحديث الصحيح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرويه عدد من الصحابة - رضي الله عنهم -: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صحيح الجامع الصغير وزيادته /3913.

الحمد الله الذي أَنزَلَ الكِتابَ على عَبدِه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعل أساس العلم كله كتاب الله و سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر عبده - صلى الله عليه وسلم - أن يذكّر بالقرآن، فهـو النور والهداية في الدنيا، وهو أساس الحساب والنجاة في الآخرة: (... فذكِّـر بالقرآن من يخاف وعيـد) [ق: 45].

 

أخي المسلم! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إليك يا أخي المسلم أسوق هذه الكلمات، لأُذكِّرك وأُذكِّر نفسي قبل أن نغادر هذه الدنيا ونلقى الله - سبحانه وتعالى-. نذكر أنفسنا اليوم، فقد سبقت كلمة الله لتكون الحياة الدنيا هي الفرصة الوحيدة أمام الإنسان ليفكر ويصلح من أمره، ويتوب ويستغفر، ثم يمضي على الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه.

 

هل سألت نفسك: أتؤثر الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، فتجعل حياتك الدنيا وفاء بأمانة وعبادة، وعمارة للأرض بالإيمان، كما يأمرك الله؟!

 

هل تؤمن أن الموت حقُّ وأن الساعـة لا ريب فيها، وأن البعث حق والحساب حق، وأن الجـنَّـة حق والنَّـار حق، وهل هذه حقيقة مستقرة في نفسك تضبط مسيرتك؟!

 

هل تعرف الأمانة التي خلقـك الله للوفاء بها، وهل تعرف على ضوء ذلك مسؤولياتك الفردية التي سيحاسبك الله عليها؟!

 

هل تحب حقاً أن تنصر الله ورسوله، وأن تنصر دينه؟! فإن كنت حقا تحب ذلك فماذا فعلت وقدمت؟!

 

اعلم يا أخي المسلم أن الله الذي فرض علينا التكاليف الربانية وفَّـر لنا سبيل الوفاء بها، ويسَّر لنا ذلك بأن جعلها صراطاً مستقيما واحداً حتى لا يختلف عليه الناس ولا يضلَّ عنه أحد. وجعله منهجاً متكاملاً ميسَّـراً للفهم والتدبر والتطبيق.

 

1 ـ واقع المسلمين اليوم:

في هذه اللحظات الحرجة التي يمر بها المسلمون اليوم أحداث مروعة وفواجع كبيرة، يكاد المسلم يقف أمامها حائراً. وإذا عاد إلى نفسه ليحاسبها، وردَّ الأمور إلى منهاج الله، وجد أن كلَّ ما يجري في هذا الكون من أمر صغير أو كبير لا يجري إلا بقضاء الله وقدره:

 

(إنا كل شيء خلقناه بقدر. وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر.) [القمر: 50، 49]

ويجد كذلك أن قضاء الله وقدره حقُّ عادل لا يظلم أبداً:

(والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله سميع بصير) [غافر: 20]

(إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) [يونس: 44]

فمن هنا نستنتج بيسر أن الخلل هو في واقع المسامين اليوم، وأن ما ينزل بنا من بلاء هو بما كسبت أيدينا، فالله حق عادل لا يظلم!

(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) [الشورى: 30]

فلا بد أن نعود إلى أنفسنا، ونبحث عن نواحي الخلل، ونبدأ بمعالجة أخطائنا وتقصيرنا، حتى نكون أقرب إلى طاعة الله وأقرب إلى النجاة والنصر من عند الله.

 

ولا بد أن تكون دراسة الخلل منهجية تخضع لمنهج محدَّد واضح وميزان أمين ثابت، وأن يكون العلاج أيضا يخضع إلى منهج واضح، بعيدا عن الارتجال وردود الفعل الآنية، منهج نابع من الكتاب والسنة، متَّـبعين النهج الذي أمرنا الله أن نعضَّ عليه بالنواجذ.

 

لا نستطيع هنا أن نستعرض التكاليف الربانية كلها، ولا مظاهر الخلل كلها، ولا وسائل العلاج كلها، ولكننا نشير إشارات سريعة لمعظم ذلك، ونتناول في هذه الكلمة قضية واحدة من هذا النهج.

 

أن من أبرز مظاهر الخلل في واقع المسلمين اليوم هجر الملايين من المسلمين كتاب الله وسنة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، حتى غلب الجهل عليهم. وامتد الجهل بالملايين من المسلمين إلى الجهل باللغة العربية، واستبدل الملايين من المنتـسبيـن إلى الإسلام بها لغات أخرى، فزاد ذلك من هجرهم للكتاب والسنة وجهلهم بهما. فوقع الانحراف عند الكثيرين، وأخذت المعاصي والآثام تزداد، وتسلل الأعداء إلى واقع المسلمين وإلى ديارهم ودلفوا بأفكارهم ومذاهبهم ولغاتهم، وبفجورهم وانحلالهم، وجيوشهم وعدَّتهم، فتفرقت الأمة أقطاراً ودياراً، وشيعاً وأحزاباً. وأخذت مذاهبهم تتسلل بين المسلمين، حتى ألف بعضهم تلك المذاهب ثم اتبعوها، ثم أصبحوا دعاتها. ولم ينتبه المسلمون ليواجهوا ذلك في حينه بنهج وخطة، وصف واحد، حتى زاد انتشار مذاهبهم ومبادئهم، وأخذت تتزايد أمراض الواقع ويزداد الخلل.

 

ونعتبر أن أخطر قضية من بين هذه القضايا هي قضية الإيمان والتوحيد، وقضية العلم الذي أمرنا الله بطلبه والسعي إليه. وأساس العلم كله منهاج الله: قرآناً وسنةً ولغة عربية. ولمعالجة هذا الخلل، هجر منهاج الله، وما يترتب على ذلك من خلل واضطراب في الإيمان والتوحيد، فلا بد أن تخضع المعالجة إلى منهج عمليٍّ, نابع من الكتاب والسنة وقواعد الإيمان والتوحيد، ومدرسة النبوة الخاتمة الخالدة.

 

2 ـ التكاليف الربانيّـة: ـ

وكان من رحمة الله - سبحانه وتعالى - أن جعل الكتاب والسنّة منهجـاً ربّانيّـاً متكاملاً مترابطـاً، لغته العربية التي اختارها الله - سبحانه وتعالى - لتكون لغة الوحي والنبوة و القرآن، ولغة الذكر ولغة الإسلام. فكان المنهاج الربّاني ـ قرآناً وسنّةً ولغة وعربيّة ـ معجزاً لا يقوى أحد من الجن والإنس على أن يأتي بمثله أو بعشر سور مفتريات أو بسورة واحدة. وكان من إعجازه أن جعله الله ميسَّراً للذكر على قلب كلِّ من آمن وعرف اللغة العربية. فالإيمان واللغة العربية مفتاحا تدبر كتاب الله وفهمه، وأساس اليسر فيه:

 

 (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر 17، 22، 32، 40]

وكان من رحمة الله - سبحانه وتعالى- أن فصّل في المنهاج الربّاني التكاليف التي وضعها في عنق كلّ مسلم، والتي سيحاسَبُ عليها يوم القيامة. وجعل هذه التكاليف مترابطة متماسكة متكاملة، تمضي كلها على صراط مستقيم واحد، وجعله الله مستقيماً وواحداً حتى لا يضلَّ عنه مؤمن ولا يُختلَفَ عليه، ليمضي المؤمنون صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص، كما يحبّ الله أن يكون عليه المؤمنون الذين يحملون رسالة الله ويجاهدون في سبيله:

(وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) [الأنعام: 153]

 

(إِنّ الله يحبٌّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيان مرصوص)[الصف: 4]

 

وكان من رحمته - سبحانه وتعالى- أن بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليبلّغ رسالة الله، ولتكون سيرته تطبيقاً عمليَّاً لمنهاج الله، وليكون النبيّ الخاتم أُسوةً حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر:

 

(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً) [الأحزاب: 21]

 

ومن هنا جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يرويه العرباض بن سارية - رضي الله عنه -:

 (... فعليكم بسنَّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضٌّوا عليها بالنواجذ) [أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة]

 

وفي الحديث الصحيح يرويه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. ) [صحيح الجامع الصغير وزيادته: 2938]

 

وكلمة السنّة هنا تعني: الطريق والنهج. فلقد علّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه نهجاً يتّبعونه ومنهاجاً يسيرون عليه، في صورته المترابطة المتكاملة، وليس مجرّد قواعد متناثرة أو أحداث متفرّقة.

 

إِلى هذا النهج أو المنهاج، إِلى هذه السنّة النبويّة الشريفة، ندعو أنفسنا وندعو كلّ مسلم ليتعلّمهـا وليَعضَّ عليها بنواجذه، لِنَنجُوَ من فتنة الدنيا ومن عذاب الآخرة، ولنُوفيَ بالأَمانَةَ التي خُلِقنا لها، والعهـد الذي أخذه الله من بني آدم، ولتصدُقَ منا العبادة لله وحده والخلافة في الأرض التي أَمَرَنا بها، عسى الله أن يُنزل نصره ويرفع بلاءه.

 

ولنجمع قواعد هذا النهج وهذه السنة النبوية في أسلوب ميسَّـر يلبي حاجة واقعنا اليوم، فإننا نقدم ما نسمِّـه \" المنهاج الفردي \" أو \" الذاتي \"، لكل مسلم، ولكل أسرة، ولكل جماعة وحركة.

 

ولو رجعنا إِلى مدرسة النبوّة الخاتمة، مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإلى الكتاب والسنّة بصفة عامة، لوجدنا أن هذا المنهاج الفرديّ خاضع لذلك كله مرَّتب على ضوء واقعنا اليوم معتمد على أسس ربانية.

 

فالتلاوة والتدبر والحفظ والمراجعة، والسنّة، واللغة العربيّة، ووعي الواقع، وممارسة منهاج الله في الواقع، كلّ ذلك مقرّر في الكتاب والسنّة، وممارس في مدرسة النبوة الخاتمة بالأسلوب الذي كان يتطلبه ذلك الواقع، حين لم يكن هنالك مصاحف بين أيدي الصحابة - رضي الله عنهم -، وإنما كان ذلك في صدورهم. وكانوا يلتقون ويتفقّهون بالكتاب والسنَّة في المساجد والبيوت وسائر الميادين.

 

عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال: اقرأه في كل شهر. قال قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال: \" اقرأه في خمس وعشرين \". قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال: \" اقرأه في عشرين \". قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال \" اقرأه في خمس عشر \". قلت: إني أقوى على أكثر مـن ذلك. قال: \" اقرأه في سبع \". قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال: لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث. [أحمد: الفتح الرباني: 18/18/19]

 

تدريب على العمل المنهجي، وعلى التلاوة والتدبر والتفقه، وعلى المتابعة والاستمرار صحبة عمر وحياة.

 

والأدلة من الكتاب والسنة كثيرة على كل ما أوردناه، نجد معظمها متوافرة في كتاب: \" حتى نتدبر منهاج الله \".

 

إننا نؤمن أنّ هذه القضية ملازمة للقضية الأولى، القضيّة الأخطر في حياة الإنسان، والحقيقـة الكبرى في الكون والحياة، قضيّة الإِيمان والتوحيد قضيّتان متلازمتان، تدفع كلُّ منهما المسلم إِلى القضيّـة الأُخرى، حتى يظلّ التأثير بينهما متبادلاً، ينمو الإيمان بذلك بفضل الله، وينمو العلم، وتزكو حياة المسلم، ويلتقي المؤمنون.

 

إِن المسلم الذي هجر كتاب الله زمناً، حين يعود إليه يجد مع اللحظات الأولى بعض الصعوبة. فإن ثابر وعزم ومضى يتفتح الخير أمامه، ويزداد النور وينشرح الصـدر. فمثله في ذلك مثل رجل دخل باب دار ظنّها مظلمة، فوجد أمامه شمعة تضيء. فإذا تابع المسيرة وجد مصباحاً، فإذا تابع وجد مصباحين، فإذا تابع وجد المصابيح تتزايد والنور أمامه يموج، فيخرج بإذن ربه من الظلمات إلى النور.

 

3ـ الخطوات الأولى على الدرب: ـ

إن الخطوة الأولى هي أن يدرك المسلم نفسه أن هذه مسؤوليّته الفرديّة، وتكليف ربّانيّ عليه، سيحاسَبُ عليه، ويمكنه الاستعانة بإمكانات الواقع للوفاء بهذه المسؤوليّة، ولكن لا يحلٌّ له أن يقعد تاركاً لهذه المسؤولية أو لا هياً عنها بأعذار واهية غير مقبولة في دين الله.

 

والخطوة الثانية أن يدرك أن هذه المسؤولية يجب أن تأخذ وسعه الصادق الذي وهبه الله إياه، ولا وسعه الكاذب الذي يسوّغ تفلّته وإدباره.

 

والخطوة الثالثة أن يُقَدَّم للمسلم في واقعنا اليوم منهجا عملياً ميـسَّراًً يستطيع المسلم أَن يَمضِيَ عليه بجهد ميسور أمين عادل، مستعيناً بما يتيسر له من إمكانات المجتمع، وهي كثيرة بعون الله وفضله ونعمه، وعون العلماء والأئمة الصالحين. وإنما على المسلم أن يصدق الله في نيّته وعزيمته، حتى ينطلق بمبادرة ذاتيّة وحوافز إيمانية.

 

إِن هذا العمل المنهجي المستوفي للشروط السابقة نسميه (المنهاجَ الفرديّ أو الذاتي)، يحمل معه منهجا عملياً، ويحمل معه اليسر للمسيرة والتطبيق، ليضع هذا النهج الأساس الذي تلتقي عليه عزائم المؤمنين، وقلوب المتقين، على صراط مستقيم يحمل الأهداف الربّانيّة الثابتة في الحياة الدنيا، ممتداً إلى الهدف الأكبر والأسمى: الدار الآخرة ورضوان الله والجنّة.

 

إن اتِّباع النَّهج مسؤوليّة فرديّة من ناحية، ومسؤولية الأُمة كلها، ومسؤوليّة البشريّة، لا يُعفى من ذلك فردٌ أو جماعة. فإلى هذا المنهج التطبيقي ندعوك أيها المسلم لتتدبر منهاج الله وتتدرب على ممارسته.

 

4-المهاج الفردي (الذاتي) مسئوليتك الذاتية أيها المسلم:

 

إن هذا المنهاج الفردي (الذاتي) يتـألَّف من قسمين: النظري للدراسة والعلم، والتطبيقي للعمل والممارسة والتدريب.

 

أما النظري فيتألف من أربعة بنود:

1-المنهاج الرباني- قرآناً وسنة ولغة عربية، مع تلاوة يومية لقدر محدَّد من القرآن الكريم مع أحكام التلاوة والتدبر والممارسة، ومع الحفظ والتدبر والمراجعة والممارسة، كل قدر وسعه وطاقته، ومع منهج محدد للغة العربية.

 

2-دراسة الواقع من خلال منهاج الله: وفق منهج مبسط محدَّد.

 

3-فقه الدعوة: فهو فقه ممارسة منهاج الله وتطبيقه في واقع الحياة: في البيت، والعمل، والتجارة، وغيرها. وذلك في حدود مسؤوليّـاته الفرديَّـة التي كلفه الله بها.

 

4-العلوم المساعدة: وهي العلوم التي تساعد المسلم على تدبر منهاج الله، كالسيرة وغيرها.

 

أما القسم التطبيقي فيتألف من: قواعد إيمانيـة للتذكيـر الدوري بها، وقضـايا للتدريب.

 

الشعائر والأذكار.

 

الدعوة والبيان والبلاغ.

 

أنشطة إيمانية محددة

 

إن تطبيق هذا المنهاج الفردي يطبقه المسلم بيسر حين يجعل لكل بند يوماً في الأسبوع، باستثناء التلاوة التي يجب أن يلتزم بها يومياً قدر وسعه وطاقته، مع التدبر والتزام ممارسة ما تعلمه، ومتابعة الواقع الآني كذلك.

 

وليس من الضروري أن يبدأ المسلم بالتزام جميع البنود والفقرات، ولكن يأخذ قدر وسعه ابتداء، ثم ينمو مع المنهج تدريجياً. ويتضح يسر المنهاج الفردي من البند التالي.

 

5ـ اليسّر والمرونة المتوافران في تطبيق المنهاج الفردي: ـ

 

ربما يحسـب بعضهم أن تطبيق هذا المنهاج الفرديّ (الذاتي) صعب للوهلة الأولى. ولكنه في الحقيقة سهل ميسّر إذا صدقت النيّة وصحت العزيمة واتٌّبِع النهج المقرَّر الذي يُسهِّل الاتبـاع والتطبيق. ولكن لا غناء عن صدق النيّة والعزيمة وبذل الجهد. إنه للمسلم الذي آمن أن هذا تكليف رباني، وأنه محاسب عليه يوم القيامة، وأنه نابع من منهاج الله مرتبط به.

 

ولتدبر كتاب الله مفتاحان رئيسان هما: صفاء الإيمان والتوحيد، واللغة العربية. فبهما تتفتح المعاني على قلب المسلم.

 

فمن اليُسر أن هذا المنهاج الفردي، وبخاصة المنهاج الربّاني، يجب أن يُصاحَبَ صحبة عمر وحياة، صحبة منهجيّة، يأخذ كل مسلم منه قدر وسعه الصادق دون أن يتفلَّـت بأعذار واهية يدفعها الوهم والوسع الكاذب وحب اللهو والاسترخاء.

 

ومن اليُسـر أن التزام المنهاج الفرديّ يخضع لخطة أُسبوعية، تجعل لكل موضوع يوماً محدَّداً. فلا يحتاج التزام المنهاج الفردي أكثر من ساعة يوميّاً، وللمسلم أن يبذل وقتاً أكثر وجهداً أكبر كلُّ حسب واقعه ووسعه. ولا يوجد من العناصر إلا التلاوة والواقع الآني، العنصران اللذان يجب ممارستهما يومياً. وللمسلم أن يزيد في ذلك ما يشاء، وأن يلتزم يومياً ببنود أكثر.

 

ومن اليُسرِ كذلك أنّ هذا المنهاج مرن ليناسب كلّ مسلم وكل واقع، وليتحمَّل المسلم مسؤوليّته في ذلك، ويأخذ في كل مرحلة ما يطيقه، على أن يستمَّر في ذلك عمره كله، عبادة لله وطاعة.

 

ومع نموِّ الزاد والخبرة يمكن تعديل المنهاج الفرديّ ليطابق الزاد الجديد والوسع الجديد. فيمكن أن تصبح التلاوة والتدبر والحفظ والمراجعة عنصراً واحداً هو التلاوة أو المراجعة مع التدبر، لمن حفظ كتاب الله وتدبّره في مسيرة عمره. ويمكن تأجيل العلوم المساعدة أو بعضها في مرحلة خاصة.

 

إن هذا المنهاج الفردي يُدرّب المسلم على تنظيم وقته اليومي. فتنظيم الوقت من أهم قضايا المسلم اليوم، ومن أكثر ما يضيِّـعه المسلمون اليوم. وهو يدرّبه على حسن التخطيط وترك الارتجال. وهو يدرّبه على ردّ الواقع كله إِلى منهاج الله ردّاً أميناً، ويضعه أمام مسؤوليته الحقيقية، ويعرّفه، مع الاستمرار والمتابعة، بالتكاليف الربانيّة كلها ومسؤوليته الفرديّة كلها: أمام ربّه وخالقه، وأمام نفسه، وأمام أسرته وأرحامه، وأمام مجتمعه، وأمام أمّته كلها.

 

وهـذا المنهاج الفرديّ جزء من النهج العام والخطة العامة التي يجب أن تتوافر في ميدان العمل الإسلامي، والتي تشمل الميادين الأخرى، حيث تتعاون أسس هذا النهج والخطة كلها لتوفّر للمسلم حسن التدريب. ويُشرح هذا المنهاج الفردي بتفصيله وعرض جميع مراحله في كتاب \" منهج المؤمن بين العلم والتطبيق \" ودراسات أخرى يمكن الرجوع إليها.

 

ويتبع هذا المنهاج الفردي وسائل تعين المسلم على محاسبة نفسه، وعلى حسن الإشراف والتوجيه.

 

ويدعم المنهاجَ الفرديَّ \" منهجُ لقاءِ المؤمنين \" الذي يقوم حين يتعاون اثنان أو أكثـر على حسن الالتزام، تعاوناً منهجيّاً يخضع إلى خُطَّة ونهج، ويوفِّر التدريب الضروري.

 

6-موجز ذلك كله:

واجب كل مسـلم أن يوفي بالتكاليـف الربانيـة التالية وفاء منهجياً يمتد مع عمره كله:

ا- أن يصاحب كتاب الله صحبة دراسة منهجية وتدبر، صحبة عمر وحياة لا تتوقف، كل قدر وسعه وطاقته.

 

2- أن تقوم هذه الصحبة على التلاوة اليومية المنهجية مع التدبر، وعلى التفسير المبسط، وعلى الحفظ مع حسن التدبر، كل قدر وسعه الصادق.

 

3- أن يرافق هذه الصحبة دراسة السنة دراسة منهجية، صحبة عمر وحياة، مبتدئا بكتاب مبسط.

 

4- أن يرافق هذه الصحبة دراسة اللغة العربية دراسة منهجية كذلك.

 

5- أن يتابع دراسة الواقع وأحداثه من خلال منهاج الله.

 

6- أن يرافق ذلك كله ممارسة منهاج الله في الواقع: في بيته، في عمـله ووظيفته، في تعامله مع الناس، ومختلف شؤون حياته، وفي الوفاء بالأمانة التي خلق للوفاء بها، والتي سيحاسَب عنها بين يدي الله - سبحانه وتعالى- يوم القيامة.

 

أيها المسلم! هذه تكاليف ربانية جاءت مفصلة بالكتاب والسنة، وقد غفل عنها الملايين من المسلمين زمنا طويلا. وإنك محاسب عليها يوم القيامة، فانهض للوفاء بها، ولا تكن من الغافلين.

 

والحمد لله رب العالمين (وإن لكم في الأنعام لعبره نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) [النحل 65]

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply