لماذا كان جيل الصحابة جيلا فريدا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ).

 (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً).

(يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً).

 أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 الله ربنا والإسلام ديننا ومحمد نبينا وذلك من فضل ربنا.

فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

(رَبَّنَا لا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ).

سبحان من له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون.

سبحان الأول فليس قبله شيء والآخر فليس بعده شيء.

كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون.

من المعلوم الثابت أن جيل الصحابة رضوان الله عليهم كان جيلاً فريداً، لم يشهد الزمان مثله، لقد كان جيلاً تخرّج من مدرسة الدعوة الإسلامية، التى كان على رأسها المربى العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ولقد شهد الله ورسوله لأصحاب محمد بالخيرية فقال - تعالى -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله (. [آل عمران: 110].

وهذا الخطاب وإن كان عاماً للأمة كلها إلا أن أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم - هم أحق الناس به، فإنه لم يبلغ مبلغ إيمانهم أحد، ولم يقم فى مقام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مقامهم أحد، ثم إنهم أول من خوطبوا بهذه الآية وعليهم أنزلت، وهم أول من سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد مدحهم الله - تعالى - صراحة في أكثر من آية: ففي سورة التوبة يقول - عز وجل –: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم). [التوبة: 100]

وفى سورة الحشر يقول ربنا - سبحانه –: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). [الحشر: 8، 9].

ونحن اليوم ننظر ونتساءل:

* أين المسلمون من دينهم؟

* وأين المسلمون من كتاب ربهم وسنة نبيهم؟

* أين كرامة المسلمين وعزتهم؟

* أين مجدهم وشرفهم؟

* أين البلاد التى فتحها السلف الصالح ثم ضيعها الخلف الذين تنكروا لدينهم.

 ونبذوا كتاب ربهم وراء ظهورهم؟

* نتساءل وحال المسلمين اليوم لا يخفى على أحد، وتكاد القلوب تتقطع حسرات على ما وصل إليه حال المسلمين. نتساءل أليس في الإمكان أن يعود المسلمون اليوم عودة حميدة إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، ونرى جيلاً صالحاً كريماً كالجيل الأول؟ نتساءل هل يمكن هذا؟

* هل يمكن أن تتكرر الصورة المشرقة المضيئة التى أرها السلف الصالح للدنيا كلها؟

* أيمكن أن تعود صورة المسلمين الأولى بجمالها وبهائها؟

والجواب: أما من ناحية الإمكان فالإمكان حاصل، من الممكن بل من اليسير أن نرى جيلاً صالحاً ذا صورة مشرقة مضيئة كما كان السلف الصالح، فإن قرآن هذه الدعوة بين أيدينا، كما كان بين أيدي ذلك الجيل الأول الذي لم يتكرر في التاريخ، ولم يغب إلا شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهديه العملي، وسيرته الكريمة، كلها بين أيدينا، كما كانت بين أيدي ذلك الجيل الأول الذي لم يتكرر في التاريخ، ولم يغب إلا شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس وجوده - صلى الله عليه وسلم - حتمياً لقيام هذه الدعوة، وإتيانها ثمراتها، فإن الله - سبحانه - قد تكفل بحفظ هذا الدين، وعلم أن هذه الدعوة يمكن أن تقوم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويمكن أن تؤتى ثمارها، ولذا فقد اختار رسوله إلى جواره بعد ثلاثة وعشرين عاماً من الرسالة وأبقى هذا الدين من بعده إلى آخر الزمان.

فَغَيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست هي السرَّ في عدم تكرر مثل هذا الجيل الأول.

 وإذا بحثنا عن الأسباب الحقيقية وجدنا أننا نختلف مع السلف في نقطتين هامتين:

النقطة الأولى: مصدر التلقي.

النقطة الثانية : منهـج التلقي.

أما النقطة الأولى: فإن السلف رضوان الله عليهم كانوا يستقون من نبع واحد هو كتاب الله وهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما تطلعوا إلى حضارات الشرق ولا إلى حضارات الغرب، ولا خلطوا بين منهج الرب - عز وجل - وبين المنهج البشرى الأرضي، إنما اكتفوا واستغنوا بمنهج القرآن، والقرآن وحده.

ولم يكن ذلك عن فقر في الحضارات أو قلة في الثقافات والمعلومات يومئذٍ,، فلقد كانت هناك حضارةُ الرومان وثقافتها، وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوربا تعيش عليه، وكانت هناك مخلّفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم.

وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك. وحضارات أخرى قاضية ودانية: حضارة الهند وحضارة الصين وغيرهما. وكانت الحضارتان الرومانية والفارسية تحفان بالجزيرة العربية من شمالها ومن جنوبها، كما كانت اليهودية والنصرانية تعيشان في قلب الجزيرة، فلم يكن إذن اقتصار الصحابة على القرآن عن فقر في الثقافة والحضارة، وإنما كان نتيجة الجهد الذي بذله معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تربيتهم على الاكتفاء بالقرآن وعدم التطلع إلى سواه فضلاً عن الأخذ به.

ولقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً صحيفة من التوراة في يد عمر بن الخطاب فغضب - صلى الله عليه وسلم - وقال: \"أمتهوِ كِّون فيها يا ابن الخطاب، والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي\".

فلذلك اقتصروا رضوان الله عليهم على القرآن وحده، واستقوا من هذا النبع الصافي، وبذلك سبقوا.

فإذا نظرنا نحن في أنفسنا الآن: نتساءل: أين القرآن من مناهجنا؟ أين القرآن من ثقافتنا؟

الجواب: إن وُجد فهو نذر يسير جداً.

لقد ولينا وجوهَنا شطر الشرق والغرب لنأخذ من علومهم وثقافاتهم، بعد ما كانوا هم يأخذون من حضارتنا وثقافاتنا وعلومنا المختلفة.

ولذا فإنه لا بد من عودة المسلمين إلى مصدر الخير كله، ومصدر العلوم كلها، إلى القرآن والسنة، ولا بد من تنقية مناهج تربيتنا من الشوائب الشرقية والغربية، والاستغناء بما أتانا من رب العالمين، الذي خلق الخلق وعلم ما ينفعهم وما يضرهم، فأرسل رسله مبشرين ومنذرين، يبيّنون للناس ما فيه خيرهم، ويحذرونهم مما فيه شرهم وهلاكهم، وعلى علمائنا أن يعضّوا على الكتاب والسنة بالنواجذ، وعليهم أن ينبذوا القصص والأساطير، والخرافات والإسرائيليات، التى امتلأت بها بطون كثير من الكتب وما أنزل الله بها من سلطان، ولا صحَّت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

على العلماء أن يعضوا على الكتاب والسنة الصحيحة بالنواجذ، وعلى العوام إذا سألوا العلماء فأجابوهم أن يسألوا من سألوه: من أين لك هذا؟ ومن أين جئت به، وما الدليل عليه؟ فإن كان معه على ما قال إثارة من علم قُبِلَ منه وإلاَّ رُدَّ عليه، والعلم ليس إلا: قال الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الصحابة رضي الله عنهم. فإن نحن فعلنا ذلك أعنى عدنا بمناهجنا إلى المصدر العظيم الذي استقى منه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو القرآن والسنة، وصفيّنا مناهجنا من الشوائب الشرقية والغربية والإسرائيلية، فقد وضعنا أقدامنا على الطريق، وبدأنا الخطوة الأولى في العود إلى ما كان عليه الصحابة.

أما النقطة الثانية: فهي منهج التلقي. كيف كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلقون الوحي عن الله؟

نحن في هذا الزمان نقرأ القرآن ويُتلى علينا، ونقرأ الحديث ونستمع إليه، ولكن فقط لمجرد الثقافة، ولمجرد المعرفة والإطلاع.

أما سلفنا الصالح فقد كان الواحد منهم يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن الجماعة التى يعيش فيها، وشأن الحياة التى يحياها هو وجماعته، يتلقى ذلك الأمر ليعمل به فور سماعه، كما يتلقى الجندي في الميدان  \" الأمر اليومي \" ليعمل به فور تلقيه.

وهذا الشعور شعور التلقي للتنفيذ كان يفتح لهم من القرآن آفاقاً من المتاع وآفاقاً من المعرفة، لم تكن لتفتح عليهم لو أنهم قصدوا إليه بشعور البحث والدراسة والإطلاع، وكان ييسر لهم العمل، ويخفف عنهم ثقل التكاليف، ويخلط القرآن بذواتهم، ويحوّله في نفوسهم وفى حياتهم إلى منهج واقعي، وإلى ثقافة متحركة لا تبقى داخل الأذهان ولا في بطون الصحائف، إنما تتحول آثاراً وأحداثاً تحّول خط سير الحياة. إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يقبل عليه بهذه الروح: روح المعرفة المنشئة للعمل، إنه لم يجئ ليكون كتابَ متاعٍ, عقلي ولا كتابَ أدب ِ وفن ولا كتابَ قصةٍ, وتاريخ وإن كان هذا كله من محتوياته إنما جاء ليكون منهاجَ حياة، منهاجاً إلهياً خالصاً.

لقد كان السلف الصالح يعظمون شعائر الله، ويعظمون حرمات الله، وكانوا يعلمون أنه يجب عليهم سرعة التنفيذ لكل ما يأتيهم من عند الله، فإن أتاهم أمر فعلوه، وإن أتاهم نهى انتهوا، لأنهم علموا أنهم ليس لهم الخيرة من أمرهم إذا قضى الله ورسوله أمراً. هكذا كان منهجهم في التلقي، للتنفيذ والعمل، وأما نحن فمنهجنا في التلقي منهج التلقي للدراسة والمتاع، وهذا هو السبب في اختلاف الأجيال كلها عن ذلك الجيل المميز الفريد.

* كيف كان أصحاب رسول الله يتلقون الوحي عن الله؟

هذه نقطة تحتاج إلى إيضاح وتفصيل، وتحتاج إلى ذكر أكثر من مثال، لعل المسلمين أن يتبعوا سلفهم فيما كانوا عليه من منهج التلقي للتنفيذ، فيفوزوا بما فازوا به من خيري الدنيا والآخرة.

المثال الأول  : - كيف نتأدب مع الله ورسوله؟!

المثال الثاني : ـ زواج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة،   وطلاق بريرة من مغيث.

المثال الثـــالــــــــث: ـ الإنفاق في سبيل الله.

المثال الرابـــــــــــع: - تحريم الخمر.

المثال الخـــــــامـس: - الحلم.

المثال الســـــــــادس: - حجاب المرأة المسلمة.

المثال السـابــــــــــع: - قصة كعب بن مالك وصاحبيه.

المثال الثـــامــــــــن: - دروس من غزوة أحد والأحزاب.

المثال التـــاســــــــع: - الوصية.

المثال العــاشــــــــر: - الوضع عن المعسر.

المثال الحادي عشر: - هل تشهد النساء الجماعة؟.

المثال الثاني عشر: - أحكام زينة المرأة.

المثال الثـالــث عشر: - آداب الاستئذان.

المثال الرابـــع عشر: - تحويل القبلة.

المثال الخامس عشر: - من فقه المعاملات.

المثال السادس عشر: - آداب الحداد.

 ومن أراد المزيد فعليه بكتاب

منهج التلقي بين السلف والخلف

الدكتور عبد العظيم بن بدوى الخلفي

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply