صور من ثبات النبي ما أشد حاجتنا إليه


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الثبات خلق من الأخلاق الإسلامية، فالمؤمن مطمئن الإيمان، ثابت الجنان، لا تهزه الرياح، ولا تحركه العواصف، ولا تغيره نوائب الدهر، لأنه واثق بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما أنه على يقين من أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعت على أن يضروه بشيء لن يضرره إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف.

هذا بالنسبة للمؤمنين من أتباع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -فما بالنا بمعلم هذه الحقائق، وبمن هو قدوة لغيره بقوله - تعالى -: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21) (الأحزاب)، هذا النبي الذي أنزل عليه قوله - تعالى -: قتل أصحاب الأخدود (4) النار ذات الوقود (5) إذ هم عليها قعود (6) وهم على\" ما يفعلون بالمؤمنين شهود (7) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (8) الذي له ملك السموات والأرض والله على\" كل شيء شهيد (9) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق 10 (البروج).

وهو الذي قصَّ قصة الغلام والساحر والراهب كما ورد في الصحيح من قول الغلام لأمه: \"قعي ولا تقاعسي، فإنك على الحق يا أماه\".

وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -الذي خاطبه ربه بقوله: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى\" للمؤمنين 120 (هود). وبقوله: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا 32 (الفرقان).

فهذه الآيات تدل على أن الله ربى محمداً تربية خاصة تتناسب مع العبء الذي سيتحمله، والمشاق التي ستواجهه من أهل مكة إيذاء لا نظير له، ومن أهل الطائف، بسبب أنه يقول: ربي الله، مما جعله يدعو ربه: \"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى مَن تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملَّكته أمري؟، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك\". ويمضي على ثباته واستعانته بالله - تعالى - حتى يأتي فرج الله ونصره لدينه.

وإليك بعض صور ثبات النبي - صلى الله عليه وسلم -في دعوته:

 

أولاً: اشتد إيذاء الكفار للنبي - صلى الله عليه وسلم -بعد موت عمه أبي طالب وزوجته خديجة أم المؤمنين - رضي الله عنها - فكان يستهزئ به السفهاء، ويؤذونه بألوان شتى من الإيذاء، وكان يتحمل ويصبر وينشر كلمة التوحيد، بالليل والنهار، ولم يزده إيذاء المشركين إلا ثباتاً وبذلاً لمزيد من الجهد في تبليغ الدعوة، وهو في كل ذلك يُسفه آلهتهم، ويفضح سفاهة عقولهم.

 

ثانياً: حصار النبي وصحبه في شعب من أبي طالب:

تعاهد أهل مكة على أن يقوموا بحصار النبي وصحبه، فكانوا لا يبيعون ولا يشترون ولا ينكحون ممن آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -أو حتى لو بقي على كفره، واستمر ذلك ثلاث سنوات، فما زاد ذلك النبي إلا ثباتاً على الحق الذي يدعو إليه، والهدى الذي يجب أن يسير في ظلاله كل عاقل، إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم -واثقاً بنصر الله له، ولدينه.

 

ثالثاً: ثباته يوم حنين:

أخرج الإمام مسلم من حديث أبي إسحاق السبيعي قال: \"جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم -ما ولَّى،... الحديث.. \" وفي آخره: \"فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وأبو سفيان يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر، وهو يقول:

أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب

اللهم نزِّل نصرك، قال البراء: كنا والله إذا احمرَّ البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -(صحيح مسلم، الجهاد 1776، والبخاري، 4317).

هذا الثبات في الجهاد ناتج من إيمان راسخ ويقين عميق ملأ أقطار نفسه - صلى الله عليه وسلم -وكان لذلك أكبر الأثر في انطلاق والتفاف الناس حوله، وإيمانهم بأنه رسول الله، فقد كان شعاره في هذه المعركة: أنا النبي لا كذب.

وما أكثر المواقف والمعارك والابتلاءات التي ثبت فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فكانت العاقبة نصر الله وتأييده وفرجه.. وما أحوجنا الآن إلى ذلك الخلق الذي يعد أهم أسباب النصر مهما كانت قوة الباطل وجبروته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply