أبناؤنا فلذات أكبادنا، نعمة الله التي منَّ بها علينا، وأقرَّ بها أعيننا، وأسعدَ بها قلوبَنا، وهم- مِثلُ كلِّ نعم الله علينا- اختبار وامتحان لنا.. هل نؤدي شكر هذه النعم أم نضيعها ونجحد فضل الله علينا؟! وشكر لله - تعالى - على نعمة يَحفظها ويُزيدها ويُبارك فيها، أمَّا الجحود والنكران، فيمحقُ النِّعم ويحولها إلى نِقَمٍ,.
ولتعلم - أخي الفاضل أختي الفاضلة - أن تربيتك لأولادك هي جزء كبير من أداء حق الله، وحفظ أمانته التي استودعها عندنا، وبقدر ما تغرس فيهم من قيم دينية وأخلاق إسلامية بقدر ما تجني من برٍّ, وطاعة وبهجة، تسعد قلبك بفلاحهم وتفوقهم في أمور الدين والدنيا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"كلكم راعٍ, وكلٌّكم مسئولٌ عن رعيته\" (رواه البخاري).
والصلاة عماد الدين، وهي أول ما يُحاسَب عليه المرء يوم القيامةº فهي أول ما يجب أن نغرسه فيهم، ونعوِّدَهم عليه في الصِّغر ليسهل عليهم أداؤها في الكبر، ونسعى جميعًا إلى أن يكون أبناؤنا من أهل الصلاة.. (وَكَانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا) (مريم: 55)º ليفوزوا في دنياهم وأخراهم، ويكونوا فوزًا لنا.
كيف نستطيع أن نجعل أبناءنا مقيمي الصلاة؟
(رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّل دُعَاءِ) (إبراهيم: 40)
1- اعلموا أنكم إن أردتم غرس أمرٍ, معيَّن في نفوس أبنائكم فعليكم أن تستشعروه أولاً، ويملأ قلوبكمº ليسهل نقله إلى الأبناء، واعلموا أن صغاركم يرون الحياة بعيونكم، وتتعلق أبصارهم وأسماعهم وعقولهم بما تقولونه وتفعلونه.. فاتقوا الله وكونوا قدوةً صالحةً.
فلا يُعقل أن تأمرَ الطِّفل بالصلاة، وتطالبَه بحسن أدائها، وهو يراك تقصر في الأداء فتؤديها على عجل أو تؤخرها عن وقتها، ولا تعطيها حقها من الحرص والاهتمام، ولا تنسَوا – إخواني - أنها آخر ما وصَّى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمته عند وفاته: \"الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم\" (رواه أحمد)، وهي أول ما يُحاسَب عليه العبدُ، فعليكم استشعار هذه الأمور، ومحاولة إشعار الأبناء بمنزلتها العالية، وقيمتها الرفيعة، والتحدث عمَّا تجلبه للنفس من راحة، وللوقت من بركة، وعن أثرها الفعَّال في قضاء الحاجات وتيسير الأمور، واحذروا كثرة الأوامر والنصائح حتى لا يملَّ الابن أو يعاند، فالتعوٌّد على الصلاة يكون بتحببها إليه وإشعاره فضلها.
2- شجِّع ابنك وأثنِ عليه وامدحه وقدِّم له بعض الهدايا من حين لآخر عند استجابته لداعي الصلاة، وعند حرصه عليها، وحُسن أدائها، ويجب أن تحرص على هذا الأمر حتى بعد بلوغ الابن، وحفاظه على أدائها، فتمتدحه بأنه من المصلين، وتذكر ذلك أمام أهله وأصدقائهº ليثبت الأمر في نفسه، ويتعلق به أكثر.
3- يمر الطفل بمراحل مختلفة في فترة تعويده على الصلاة:
أ- فمن نعومة أظافره، وعند بداية وعيه يؤمر بالصلاة، قال- صلى الله عليه وسلم -: \"إذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة\"، فيؤمر بالتشجيع وبالرفق واللين أن يقف للصلاة، وتجاوز عن بعض ما يفعله من كثرة حركة أو غيرها أثناء ذلك، مع إفهامه ما يجب أن يكون عليه المصلى من طهارة ووقارº لأنه يقف أمام الخالق - سبحانه وتعالى-، ويجب الحرص على عدم نهر الطفل بشدة إذا مرَّ من أمام المصلين أو جلَسَ أمامهم وغير ذلكº حتى لا ينفر من الصلاة، كما يجب تشجيعه والثناء عليه عند وقوفه للصلاة وأداء حركاتها.
ب- مرحلة ما قبل السابعة، والتي يكون الطفل فيها مدركًا لأهمية الصلاة، وأنها فرض على المسلمين، فيجب إعداده وتزويده ببعض المعلومات التي تفيده في المرحلة التالية، وهي الحرص على أدائها بانتظام، فقبل أن يبلغ الطفل السابعة يجب أن يعرف بعض أحكام الطهارة والوضوء، والعلاقة بين الطهارة والصلاة وكيفية التطهر، وآداب قضاء الحاجة وغيرها، وتعليمه الوضوء وتدريبه على ذلك عمليًّا حتى يتقنه، ويعلم الطفل الفاتحة وبعض قصار الصورº ليسهل عليه أداء الصلاة فيما بعد، ويشجَّع على أداء بعض الفرائض مرةً أو أكثر يوميًّا، ولا يطالَب بالفرائض جملةً واحدةً مع اصطحابه إلى صلاة الجمعة، وإلى أداء بعض الفرائض بالمسجد ليتعوَّد على إقامة الصلاة، ويألف دخول المسجد والصلاة فيه.
ج- مرحلة ما بين السابعة والعاشرة، وهي مرحلة التدريب والمواظبة على الصلاة، ويُنصح بأن يميز يوم بلوغ الطفل السابعة، ويجعله الوالدان حدثًا سعيدًا وحبَّذا لو أهديا ابنهما ثوبًا أو سجادةً للصلاةº ليرتبط الابن بالأمر أكثر بحب وسعادة، ويُذكَّر بأنه من الآن سيبدأ بالمواظبة على كل الصلوات، وخلال هذه الفترة يدعو الوالدان أبناءهما للصلاة دومًا بالبشاشة والرفق والحب واللين.. \"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم وهم أبناء عشر، وفر ِّقوا بينهم في المضاجع\"، فيتعلم أهميتها، وأحكامه وصفة صلاة النبي، وبعض الأدعية المرتبطة بها، ويجب على المربِّي أن يصطبر على تعويده الصلاة.. (وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا) (طه: 132)، فلا يضجر أو يملº فالأخلاق تُكتسب بالتعوٌّد، مع تعليمه حديث رسول الله: \"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم وهم أبناء عشر\".
د- وعندما يبلغ الطفل العاشرة مع ما سبق من تحبيب في الصلاة، وتشجيع عليها، وتعويد على أدائها، ووجود القدوة الصالحة له يكون الطفل قد ارتبط بالصلاة، واعتاد على المحافظة عليها، خاصةً مع وجود التشجيع المادي والمعنوي، وعلى الوالد والوالدة في هذه المرحلة أن يعلموه أحكام صلاة الجماعة والسنن والوتر، ويجب أن يهتموا بصلاة الفجر والعشاء، وأن يعودوا الطفل على أداء الفرائض كلها مهما كانت الظروف والأحوال.
كذلك يعوَّد على قضاء الصلاة إذا فاتته ناسيًا، أما إذا فاتته تكاسلاً فإنه يعلَّم أن العلاج هو المسارعة بالقضاء والاستغفار وعمل الكثير من الحسنات.. كالصدقة والتسبيح أو التقرب إلى الله بأي عمل صالح يحبه اللهº كي يتجاوز عنه ويغفر هذا الذنب.
انتبه..!!
عليكم- إخواني- ربط شعور الطفل وفكره بالصلاة، فربط المواعيد يكون بأوقات الصلاة: قبل المغرب، وبعد العشاء... وهكذا، وعدم السماح بتأخير الصلاة لأي سبب، فلا يسمع الطفل منك إلا \"نصلي أولاً، ثم نفعل كذا إن شاء الله.. \" فيتعوَّد على تقديم الصلاة على كل الأعمال.
علم ابنك وبنتك
رخصة القصر والجمع في السفر، وتشجيعه على النوافل بعد اعتياده صلاة الفرائض، وحثَّه على أن يكون شجاعًا في دعوة زملائه للصلاة، وعلِّمه ألا يترك الصلاة مهما كان حاله، وعلى قدر استطاعته، فلا عذرَ في تركها حتى وإن كان مريضًا- لا قدَّر الله.
احرص على..
اصطحاب الأبناء لصلاة الجمعة والعيدين، وتعليمهم صلاة الاستخارة قبل أن يقدموا على أمرٍ, ما، وصلاة قضاء الحاجة لييسر الله له الخير، وأكثِر من قيامك بهذه الصلوات أمامهم، فتذكر ما قمت به من صالح الأعمال أمامهمº ليقتدوا بك فإذا استخرت الله في شيء قلت: لقد صليت الاستخارة، ووفقني الله لكذا أو سجدتُ لله شكرًا عندما حدث كذا، وبهذا يُغرس حبٌّ الصلاة والاعتياد عليها في وجدان الطفل، وبإمكانكم- إخواني- استخدام المساطر وجداول الحصص والمجسمات التي تحث على الصلاة في وقتها، وغيرها من الأشياء التي تذكِّر الطفل بالصلاة، كما أن بالإمكان تعليم الطفل الجمع والضرب والحساب باستخدام عدد الركعات أو المسافة إلى المسجد أو عدد الحسنات التي تُعطَى على المشي إلى المسجد، وغير ذلك من الأمور التي تُحبِّب في الصلاة وتشجِّع على أدائها.
لا تنس..
الاستعانةَ بالله، وإخلاصَ النية له، ودعاءَه في كل وقت وحينº ليجعل أبناءنا من الصالحين- إن شاء الله- وأكثر من دعاء \"رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء\".. \"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا\".
ولا تنس الرفق واللين والإثابة والتشجيع في تعويد الطفل الصلاة وغيرها من القيم الإسلامية، ولا تنس أن القدوة الصالحة خيرُ وسيلة للتربية، فحافظ على الصلاة، ولا تهمل تعويد أبنائك عليها، وفقنا الله وإياكم في تربية أبنائنا، وجعلهم قرة أعين لنا وذخرًا وقوةً لأمتنا..اللهم آمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد