روِّحوا القلوب ساعةً


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يدخل السرور على عبادة يوم يلقونه: (وَلَقَّاهُم نَضرَةً وَسُرُورًا) (الإنسان: 11)، والصلاة والسلام على رسوله، أبشِّ الناس وجهًا، وأكرم الناس خُلقًا، وأصدق الناس حديثًا، ثم أما بعد..

 

فإن ديننا الإسلاميَّ الحنيفَ وتعاليمَه السمحةَ تزرع في قلوب المؤمنين الرأفة والرحمة.. فما جاء هذا الدين إلا بالبِشر والتيسير والبهجة والسرور.. فلا يوجد في الإسلام حزن دائم، ولا همُّ داهم، ولا غمُّ لازم.. فعن حنظلة قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فذكَّرَنا الجنةَ والنارَ حتى كأنَّا رأي عينٍ,، فقمت إلى أهلي فضحكت ولعبت مع أهلي وولدي، فذكرت ما كنت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فخرجت فلقيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر، نافَقَ حنظلة.. قال: وما ذاك؟ قلت: كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فذكَّرَنا الجنة والنار حتى كأنا رأيَ عين، فذهبت إلى أهلي فضحكت ولعبت مع ولدي وأهلي، فقال إنا لنفعل ذاك.. قال فذهبت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال: \"يا حنظلة، لو كنتم تكونون في بيوتكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة وأنتم على فرشكم وبالطرق.. يا حنظلة، ساعة وساعة\" (مسند الإمام أحمد).

 

 ولقد كان معلمنا الأول ونبينا الأعظم خيرَ قدوة لنا في هذا الشأن، فلقد كان- صلوات ربي وسلامه عليه- كما تقول السيدة عائشة- رضي الله عنها-: \"إذا خلا بنسائه ألينَ الناس، وأكرم الناس، ضحَّاكًا بسَّامًا\" (رواه الترمذي في الجامع الصغير)، ولقد وردَ عن نبيِّ الله موسى- عليه السلام - أنه قال للخضر: أوصني. فقال الخضر: \"كن بسَّامًا ولا تكن غضَّابًا، وكن نفَّاعًا ولا تكن ضرَّارًا، وانزع عن اللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، ولا تعيِّر الخطَّائين بخطاياهم، وابكِ على خطيئتك\".

 

وإن الفرد منَّا ليحتاج إلى بعض الوقت كي يرفِّه عن نفسه حتى يقدِم على أعمال دينه ودنياه بصدرٍ, رحبٍ, وقلبٍ, مقبلٍ,، فلا سأم ولا ملل.. فلقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: \"روِّحوا القلوب ساعة فساعة\" (الجامع الصغير للسيوطي)º أي أريحوها بعض الأوقات من مكابدة العبادات بمباح لا عقاب فيه ولا ثواب.. قال أبو الدرداء: \"إني لأجِمٌّ فؤادي ببعض الباطل (أي اللهو الجائز) لأنشط للحق\"، وذكر عند المصطفى- صلى الله عليه وسلم - القرآن والشعر، فجاء أبو بكر فقال: \"قراءة وشعر؟! \" فقال: \"نعم.. ساعة وساعة\".

 

وإن المزاح الصادق والحديث العفيف لهو عين اللهو المباح، فلا كذب ولا فحش، ولا بذاءة ولا سخريةº وإنما مزاح صادق ولهو بريءٌ، ولقد كان هذا دأب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين- رضوان الله عليهم أجمعين- ففيما ورد عن مزاحه- صلى الله عليه وسلم - أن زاهر بن حرام: أتاه النبي- صلى الله عليه وسلم - يومًا وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه، وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني.. من هذا؟! فالتفت، فعرف النبي- صلى الله عليه وسلم - فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي- صلى الله عليه وسلم - حين عرفه، وجعل النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: \"من يشتري العبد؟ \" فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: \"لكن عند الله لست بكاسد\"، أو قال: \"لكن عند الله أنت غال\" (مسند الإمام أحمد)، وذلك كقوله لامرأة: \"زوجك الذي في عينيه بياض\"، وقوله في أخرى: \"لا يدخل الجنة عجوز\"، وقوله لآخر: \"لأحملنَّك على ولد الناقة\"، فقد كان- صلوات ربي وسلامه عليه- بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، هينًا لينًا.. \"إنما أنا بشر مثلكم، خصَّني اللَّه بالوحي والرسالة، ومع ذلك أمازحكم\"º أي أداعبكم وأباسطكم.. إذا مازح كانت له مهابة، فكان ينبسط للناس بالدعابة، وكان لا يقول إلا حقًّا- صلى الله عليه وسلم -.

 

وقال سعيد بن العاص لابنه: \"اقتصد في مزاحكº فالإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرِّئ عليك السفهاء، وتركه يقبض المؤانسين، ويوحش المخالطين\".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply