بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن الجوزي:
\"إخواني: اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر: أنه بقدر إجلالكم لله ـ عز وجل ـ يجلكم، وبقدر تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم .
ولقد رأيت والله من انفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه، ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق، وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه وقوة مجاهدته .
ولقد رأيت من كان يراقب الله ـ عز وجل ـ في صبوته مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم، فعظم الله قدره في القلوب، حتى علقته النفوس ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير . ورأيت من كان يرى الاستقامة إذا استقام، فإذا زاغ مال عنه اللطف، ولولا عموم الستر وشمول رحمة الكريم لافتضح هؤلاء المذكورون غير أنه في الأغلب تأديب، أو تلطف في العقاب كما قيل:
ومن كان في سخطه محســناً فكيف يكون إذا ما رضـــي
غير أن العدل لا يحابي، وحاكم الجزاء لا يجور، وما يضيع عند الأمين شيء\".
* * *
إن الإنسان مهما عمل من عمل، خيراً كان أو شراً فلسوف يجازى على عمله ذلك، عاجلاً أو آجلاً .
اذكر أن شاباً من الفساق كان يأتي الفواحش مع أصحاب له، من قرناء السوء، وفي ذات يوم وبينما كان يعزم هو وأصحابه على إتيان الفاحشة، جاء الدور عليه فدخل على المرأة، وقرب منها، فلما نظر في عينيها إذا بها أخته!!
فيا للعار ...
ويا للشنار ...
تصور الحالة التي سيكون عليها هذا الرجل الشاب وقد رأى هذا المنظر الشنيع الذي لم يكن يتوقعه.
إنه ولاشك يتمنى أن الأرض ابتلعته قبل أن يشاهد ذلك المنظر الفظيع، ولله در الإمام الشافعي عندما قال:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبو ما لا يليق بمســلم
إن الزنى دين فان أقرضـتـه *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعـا *** سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حرا من سلالة ماجـد *** ما كنت هتاكا لحرمة مســلم
من يزن يزن به ولو بجـــداره *** إن كنت يا هذا لبيبا فافهــم
* * *
وها هو رجل كان له عبد يعمل بمزرعته، فقال له سيده ذات يوم: ازرع القطن براً، ثم ذهب وتركه، وكان هذا العبد لبيباً عاقلا فما كان منه إلا أن زرع القطن شعيراً بدل البر، ولم يأت ذلك الرجل إلا بعد أن استوى، وحان وقت حصاده، فجاء فإذا هي قد زرعت شعيرا، فقال الرجل: قلت لك ازرعها برا فلم زرعتها شعيراً؟!!
قال العبد: رجوت من الشعير أن ينتج براً .
قال الرجل: يا أحمق، أو ترجو من الشعير أن ينتج براً؟!
قال العبد: يا سيدي أفتعصي الله وترجو رحمته وجنته؟!
عند ذلك ذعر الرجل وخاف واندهش، وتذكر أنه إلى الله - تعالى - قادم، قوال: تبت إلى الله، وإنك حر لوجه الله .
* * *
وها هم أهل قرية من القرى قبل وقت الزمن نقص عددهم نتيجة الحروب التي كانت تقوم بين القبائل لأتفه الأسباب، فما كان منهم إلا أن حاولوا زيادة العدد لمواجهة العدو، فاجتمعوا وعقدوا مؤتمرا لهم، واتفقوا ـ عياذا بالله - تعالى - أن يقع كل واحد من القرية على محارمه، فمنهم من نفذ ما اجتمعوا عليه، منه من رضي ذلك ولم يفعل، والراضي كالفاعل، فماذا كانت النتيجة؟
أرسل الله ـ تعالى ـ عليهم جزاء عملهم الخبيث جنديا من جنوده، أرسل الله ـ تعالى ـ عليهم النمل، فكانت النملة تقوم فتلدغ الواحد منهم، فيذبل ثم يذبل ثم يموت، وهكذا الشأن في الجميع الواحد تلو الأخر .
وأراد واحد منهم أن يهرب، فسرق من أموالهم ما شاء، وجمع من الذهب والفضة ما جمع ثم أخذه في وعاء معين، ثم حفر له تحت صخرة من الصخرات، ثم فر هاربا إلى مكة، وبقى فيها ردحا من الزمن، قيل إنها عشرون سنة أو أكثر من ذلك، ثم تذكر ذلك الذي حصل، فأرسل واحدا من أهل مكة، وما استطاع أن يرجع بنفسه إلى هناك، قال للرجل: اذهب إلى ذاك المكان وستجد في المكان الفلاني تحت الصخرة الفلانية وعاء فيه كذا وكذا، خذه وائتنا به، ولك كذا وكذا .
وذهب الرجل على الوصف، وسأل عن المكان واستخرج الكنز، وجاء به إليه في مكة، ويوم وصل به إلى مكة جاء صاحب الكنز ليفتحه فإذا بالنملة على ظهره، تأتي فتقفز إلى أنفه فتلدغه، فيذبل، ثم يذبل ثم يموت، فنسأل الله ـ تعالى ـ السلامة والعافية .
* * *
ذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير امتدت به الحياة فتأفف من خدمته والقيام بأمره، فأخذه في يوم من الأيام على دابة إلى الصحراء ليذبحه، فلما وصل بوالده إلى صخرة هناك انزله، قال الوالد: يا بني ماذا تريد أن تفعل بي، قال: أريد أن أذبحك، قال الوالد: أهذا جزاء الإحسان؟ قال: لابد أتعبتني، قال الوالد: إن أبيت الا ذبحي، فاذبحني عند الصخرة الثانية، قال الولد: ولم يا أبت؟ ماذا يضرك لو ذبحتك عند هذه أو تلك؟ قال: أنا كنت قبلك عاقا لوالدي، وذبحته عند تلك الصخرة، فإذا كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند الصخرة الثانية، ولك يا بني مثلها إن امتدت بك الحياة ..
وكان رجل عنده حانوت في السوق وهو من الصالحين، وكان يبيع ويشتري، وكانوا يستقون الماء باجرة، فكان رجل يحمل لبيته كل يوم قربتين من الماء، فيطرق الباب، يولي ظهره للباب وللأهل، فتخرج الأهل، وتأخذ القربتين، وتفرغهما ثم تضعهما، فيأخذ هذا الرجل قربتيه .
وذا يوم وبينما كان زوج هذه المرأة يبيع ويشتري إذ أغواه الشيطان عندما اشترت امرأة منه شيئاً فمد يده إليها، والسقاء لما جاء لبيت هذا الرجل وطرق الباب ليضع القربتين، مدت المرأة يدها لتأخذ القربتين، فمسكها من يديها، قالت المرأة: سبحان الله! ماذا حصل؟!! هذا ليس من عاداته، وبعدما وقع الرجل ـ زوج هذه المرأة ـ فيما وقع فيه عاد إلى بيته وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فسألته امرأته عن السبب في كون وجهه متغيراً، فمازالت به حتى اخبرها أنه مسك يد امرأة بغير حق عن طريق الحرام والشهوة، فقالت: جازاك الله في اهلك .
وصدق الله إذ يقول: (لَيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلا أَمَانِيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَل سُوءاً يُجزَ بِهِ وَلا يَجِد لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (النساء:123).
وهاهو الطاغية حمزة البسيوني الذي كان يقول للمؤمنين وهو يعذبهم، وهم يستغيثون الله ـ تعالى ـ: أين إلهكم الذي تستغيثون، لأضعنه معكم في الحديد - تعالى - الله عما يقول هذا الطاغية علواً كبيراً ـ لقد قال هذا الكلامº لأنه ما عرف الله، وما راقبه، وما علم أنه له بالمرصاد، فماذا كان جزاؤه؟
خرج وظن انه بعيد عن قبضة الله، فإذا هو يصطدم بشاحنة ليدخل الحديد في جسده فيما يخرجونه منه إلا قطعة قطعة .
وصدق الله: (فَلا يُجزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)(القصص: من الآية84).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد