والله - سبحانه وتعالى - عليم خبير بصير بعباده يعلم أمرهم ويقدر لكل منهم ما فيه صلاحه، يقول رسول الله في الحديث القدسي يقول الحق - تبارك وتعالى -: (إن من عبادي من صلاحه في الغنى فلو أفقرته لفسد حاله ومن عبادي من صلاحه في الفقر فلو أغنيته لفسد حاله ومن عبادي من صلاحه في العافية فلو أمرضته لفسد حاله ومن عبادي من صلاحه في المرض فلو عافيته لفسد حاله) سنن النسائي.
لو علم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فقد خلق الله - تعالى - الموت والحياة، والسموات والأرض، وزين الأرض بما عليها، لابتلاء واختبار خلقه قال - تعالى -: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (سورة الملك آية 2) وقال {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (سورة هود آية 7) وقال: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا} (سورة الكهف آية 7) ويبتلى الله - سبحانه وتعالى - العباد بالنعم كما يبتليهم بالمصائب، قال ابن عباس: (بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام وكلها بلاء)، قال - تعالى -: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} (سورة الأنبياء آية 53) وقال {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعّمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن} (سورة الفجر آية 51-61) والكل مبتلى قال - تعالى -: {آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} (سورة العنكبوت الآيات 1-3) وقال: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} (سورة آل عمران آية041) تشير الآية الكريمة إلى أننا لسنا أول العباد ولا أخرهم نصاب بالضراء فكثير من قبلنا أصابهم البلاء. وقال في الحديث الصحيح: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) ومن هذا الحديث الشريف نفهم أن أصحاب البلاء هم أهل الإيمان وكلما زاد الإيمان زاد البلاء.
وعن أبي هريرة قال أن رسول الله قال: (من يرد الله به خيراً يصب منه) رواه البخاري.
ولله في ابتلاء عباده حكم منها ليعلم الله المجاهدين والصابرين قال - تعالى -: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} (سورة آل عمران آية 241) وقد يكون هذا البلاء تكفيراً لذنوب وخطايا أقترفها الإنسان يقول: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه البخاري.
ومن تعب هنا ارتاح هناك، وأعقل الناس هم الذين يعملون للآخرة لأنها خير وأبقى، وإن أحمق وأبله هذه الخليقة هم الذين يرون أن هذه الدنيا هي قرارهم ودارهم ومنتهى أمانيهم، هؤلاء المتعلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها، أشد ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها وتنغيص راحتهم فيها، فلذلك تعظم عليهم المصائب وتكبر عندهم النكبات، فتجدهم أجزع الناس عند المصائب، وأندمهم عند الحوادث، ولو أنهم خلعوا حجاب الران عن قلوبهم، وغطاء الجهل عن عيونهم لحدثوا أنفسهم بدار الخلد ونعيمها ودورها وقصورها، ولسمعوا وأنصتوا لخطاب الوحي في وصفها، أنها والله الدار التى تستحق الاهتمام والكد والجهد، هل تأملنا طويلاً وصف أهل الجنة بأنهم لا يمرضون ولا يحزنون ولا يموتون، ولا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم، في غرف يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يسير الراكب في شجرة من أشجارها مائة عام لا يقطعها، طول الخيمة فيها ستون ميلا، أنهارها مطردة، قصورها منيفة، قطوفها دانية، عيونها جارية، سررها مرفوعة، أكوابها موضوعة، نمارقها مصفوفة، زرابيها مبثوثة، تم سرورها، عظم حبورها فاح عرفها، عظم وصفها، منتهى الأماني فيها، فأين عقولنا لا تفكر؟ ومالنا لا نتدبر؟
____________________________
المراجع
1- عدة الصابرين، للإمام ابن قيم.
2- لا تحزن، للشيخ عائض القرني.
3- أدب الدنيا والدين، للإمام الماوردي.
4- كيف تنال السعادة الحقيقية، لسعيد عبد العظيم.
5- المبشرات بانتصار الإسلام، والإيمان والحياة، للقرضاوي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد