التشخيص والطموح


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول المثل العام طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة وهكذا فإن حياة الإنسان والتي تتآلف من مراحل عديدة متتالية وتنطوي على آمال وأحلام ومتطلبات متنوعة، واحتياجات لابد من تحقيقها.. ولتلبية تلك الرغبات المادية والمعنوية في النفس الإنسانية، لابد من تخطيط مسبق لهذه الرغبات وتبويب وتصنيف لتلك الاحتياجات.

 

إن متطلبات الأسرة، أية أسرة في المجتمع، هي أن تنجح في أدائها الأسري والاجتماعي وتحافظ على مستقبل أبنائها بقدر ما تحرص عليهم أن ينجحوا في حياتهم الدراسية والعلمية والاجتماعية، ومن أولى مراحل التخطيط العائلي في هذا المجال وفيما يخص مستقبل الأبناء هو التشخيص.

 

التشخيص

هو فن معرفة ما يدور في أذهان الأبناء مما يخص ميولهم ورغباتهم وطموحهم، وكثير من الآباء من تتسلط على تفكيره تجربته الشخصية في الحياة وتستحوذ على مساحة كبيرة من فكره وأدائه وتصرفاته، بحيث تنعكس على تعامله الشخصي مع أبنائه فيحاول أن يسيرهم على النهج الذي سلكه هو نفسه، وما من شك في هذه الحالة في حرص الأب على أطفاله، ولكن الميكانيكية المتكررة من السلوك لدى كل إنسان تجعله أسير حالتين خاصتين أو تجربتين خاصتين مر بهما، إما تجربة النجاح أو حالة الفشل. ففي حالة النجاح يبقى الإنسان أسير نجاحه ويحب إعادة التجربة نفسها مع أبنائه، وتراه ميالاً لذكرها دوماً وتكرارها باستمرار، أما في حالة الفشل فيحاول الإنسان قدر المستطاع أن يبعد أولاده عما يدخلهم في هذا الطريق وكلتا الحالتين خطأ.

 

وعودة بسيطة إلى المربين الأوائل إلى الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والذي أشار إلينا أن لا نربي أولادنا ونوجههم نحو الميول والرغبات التي نختارها نحن لأنهم خلقوا لزمان غير زماننا، وفعلاً حتى أبناؤنا في الوقت الحاضر خلقوا لزمان غير زماننا، فالتشخيص هو المهارة في أن نعرف ما يدور في أذهان الأبناء ونحاول أن نتعرف على مقدرتهم وميولهم واحتياجات العائلة بشكل عام والفرص المتاحة أمامهم، فبعض الأبناء لديهم القدرات التي تؤهلهم لدخول أبواب وتخصصات ولا تسمح لغيرهم، فمثلاً بعض الأبناء لديهم ميول للرياضيات والعلوم والفيزياء الأمر الذي يؤهلهم لدخول الفرع العلمي في حين لا تتوفر هذه المقدرة للأخ الثاني فيصبح دخوله الفرع العلمي محفوفاً بالمخاطر ومهدداً بالفشل وهنا يأتي دور التخطيط العائلي في تشخيص مقدرة كل فرد من أفراد الأسرة من أجل توجيهه التوجيه الصحيح نحو الفرع العلمي أو المهني أو الفكري الذي يناسبه.

 

الحلم والطموح

الحلم الطموح: الحلم هو تخيل حدث أو مستقبل أو حالة فردية أو أسرية، اجتماعية كانت أو مادية أو معنوية يطمح الإنسان لتحقيق ذلك التخيل أو ذلك الحلم، والحلم والطموح موجودان في كل نفس بشرية ما وجدت الحياة ويختلف الأمر في تحديد الحلم، فهناك حلم جماعي لأسرة واحدة، مثلاً أن تبني بيتاً أو تكوّن مؤسسة تجارية أو تدير عملاً تجارياً أو مؤسسة تنموية أو تربوية وتسعى الأسرة مجتمعة لتحقيق ذلك الحلم وهنا يتوجب على رب الأسرة توزيع الأدوار لتحقيق ذلك الحلم من حيث تحديد الواجبات والمكاسب.

 

وهناك أحلام فردية على مستوى الأبناء كل على حدة. فالأحلام الدراسية عادة ما تبدأ بالتكون في المرحلة الثانوية وتساعده المرحلة الأولى التشخيص كثيراً في فهم أحلام الأبناء، كما يفيد الحوار المدروس والأحاديث الجانبية والاستشفاف والتقدير في تحديد ومعرفة حلم كل واحد من الأبناء.

 

أحلام العمل

أما الأحلام المهنية والتجارية وأحلام العمل فتأتي قرب انتهاء المرحلة الدراسية الأخيرة سواء أكانت جامعية أم غير جامعية.. الخ. وتأتي مرحلة الرسالة الأبوية في تحقيق ذلك الحلم فلو فرضنا أن حلم أحد الأبناء دراسة الطب مثلاً في جامعة راقية في إحدى الدول المتقدمة فيأتي دور الأب في تشخيص الإمكانيات العلمية الحقيقية لهذا الابن وإمكانية دخوله هذه الجامعة الراقية فيجب أن يكون هناك اتصال مبكر بالجامعة لمعرفة مناهج الطب فيها وميولها البحثية والعلمية والعملية ومستوى الدراسة والبحث فيها، لا سيما في الكلية التي يرغب الابن الانتساب إليها ثم معرفة المعدلات المطلوبة في الثانوية العامة والتي تؤهل الابن إلى دخول هذه الجامعة وتلك الكلية بالذات، وإذا كانت ظروف الوالد والأسرة تسمح بزيارة هذا البلد والتعرف عن قرب على الجامعة والدخول إلى الكلية المطلوبة وتحديد الهدف من دراسة الطب، هل ليحصل على شهادة من تلك الجامعة يتوظف بها أم ليصبح طبيباً ماهراً يعالج الناس ويخفف عنهم ويلات المرض.

 

وكثير من الأبناء يدفعهم إلى هذا المجال حوادث شخصية أسرية، فمثلاً ابن رأى والده يتعذب بسبب التهاب الكلى أو وجود الرمل فيها والحصيات الكلوية فيطمح لدراسة الطب لكي يخفف عن والده عناء المرض. بعدها يجب أن يخطط الوالد لكيفية إرسال ابنه، هل في بعثة دراسية وكيف يحصل على هذه البعثة، أم على حسابه الخاص وهل لديه المقدرة على تدريس ولده في البلاد الأجنبية، وبعد تحديد كيفية الدراسة يتم البحث عن الصحبة الصالحة التي ترافق الابن إلى بلاد الدراسة، وهل يتزوج أثناء الدراسة أم بعد الانتهاء منها وبعد التخرج، ولا يفوت الأب البحث في أدق التفاصيل مما يتعلق بسكن ولده. فقد يقوم بزيارة للبلاد ويتعرف على أسرة ليسكن ابنه عندها ويتعلم اللغة بسهولة من خلال المحادثة مع الأسرة. ويمكن التعرف على أشخاص ما زالوا يدرسون في الجامعة أو تخرجوا منها. وقد يختلف هذا البرنامج تماماً إذا كانت البنت هي التي ترغب الدراسة، فيبدأ التفكير لدى الأسر المحافظة من الذي سيرافقها في رحلة الدراسة، هل يرافقها الأب أم الأخ أم الزوج أم سترافقها الأسرة بكاملها؟!

 

كل ذلك يحتاج إلى تخطيط، وقد لا تسمح إمكانيات الأسرة للدراسة فيخطط الأب ويفكر بالبديل كي لا يصاب الابن أو البنت بالإحباط، كتسجيله في الجامعة المحلية أو إرساله إلى إحدى جامعات الدول العربية، وإذا فشل في الحصول على المعدل الدراسي المطلوب، يبدأ التفكير في إدخاله مهنة تساعده على العيش الكريم من المهن المتوفرة في البلد. وهكذا فإنّ التخطيط العائلي لا سيما المتعلق بالأبناء ومستقبلهم هام جداً وبحاجة إلى أسس ومنهجية معينة من التفكير وتصميم البرنامج الزمني المطلوب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply