هل أتاكم نبأ الحصالة؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي الأعلى خلق فسوى وقدر فهدى وربك يخلق ما يشاء ويختار، وصلى الله وسلم على الهادي البشير والسراج المنير خير متبوع، وبعـد:

الحصالة صندوق صغير، أو قل علبة يجمع الصغير فيها درهما إلى درهم فعند امتلائها يغدو هذا الصندوق وتلك العلبة في عين الصغير الدنيا كلها.

 

إنها ليست علبة مثل علب الدنيا إنها الحصالة.

الحصالة في عيني الصغير كل أمنياته.

الحصالة في عيني الصغير مجموع أحلامه.

لقد ظل يجمع فيها طوال فترة لا بأس بها كلما أودع فيها القليل كانت كلمات الأهل حافزا ً له على الجمع أكثر وأكثر.

لكم ترددت تلك العبارة: القليل بالقليل يكثر.

نعم ضع أيها الصغير ثم ضع، فإذا كثر المال فأبشر.. أبشر لقد آن أوان فتح الحصالة وعندها ستفتح لك الدنيا فأحضر ثم أحضر أغلى أمانيك لنشتريها لك من هذا المال الوفير.

وماذا عسى أن تكون أمنية تلك النفس الصغيرة الرقيقة؟

لعبة تمناها أو لعبة تمناها، فهل هناك فرق بين الأمنيتين؟!

نفس تعودت البراءة منذ صغرها.

اللعب ثم اللعب ثم اللعب، وهكذا.

 

اسمح لي أخي:

اسمح لي بهذه النقلة السريعة إلى الحصالة التي أريد أن أحدثك عنها الآن.

إنها حصالة صبي من صبيان المسلمين جمع كما يجمعون وتمنى كما يتمنون، وآن أوان فتح حصالته، فأقبل الوالد.. هيا يا فلان نفتح الحصالة لكي نشتري لك اللعبة التي وعدتك بها، فأقبل الولد يحتضن الحصالة ويصرخ لا.. لا.. لا.

هذا المال جمعته لأخواني على أرض فلسطين.

الله أكبر

أي طفل هذا ويا ترى أي تربية تلقاها حتى صنعت منه نوعا مختلفا؟.

ثم إنه لدرس للأمة كلها في البذل.

صبي يضحي بكل أمانيه وبأغلى أحلامه فبالله علينا كيف بأصحاب الملايين!!.

 

أخي إن أنت لم تملك درهما واحدا الآن، فهل تعجز أن تجعل لك حصالة كحصالة هذا الصبي، ولكن أين همة كهمة الصبي.

لا شك أنك تعي أكثر منه وتفقه قوله – تعالى -: \" مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم \".

فهو درهم كحبة تبذرها في الأرض فانظر إليها لقد نمت فأخرجت سبع سنابل ويال جمال السنبلة الواحدة  وما أكثر ما تحمل إن بها مئة حبة، فاضرب السبع في المئة لتجمع سبعمائة من حبة واحدة، ولكن هناك مضاعفة أكثر والله يضاعف لمن يشاء، فلعل عقلي وعقلك لا يحتمل ذلك لذا جاء الخطاب القرآني: \" من ذا الذي يقرض الله قرضا ً حسنا ً فيضاعفه له أضعافا ً كثيرة\".

فهي أضاعف أكثر من السبعمائة ولكن أكثر بماذا؟ فالجواب أكثر بكثير.

ثم افترض أنا بخلنا فلم ننفق فهل ترانا نخلد لهذا المال؟

فإن أيقنا بالرحيل، فلا إذا ليس هذا مالنا بل هو مال الورثة من بعدنا.

أما مالنا فما قدمنا من أجل الله.

جاء في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر.

واسمح لي أن أسأل بكل صراحة:هل الصدقة تنقص المال؟

والجواب قطعا لا، ولكن لماذا؟ لأن الله تكفل بتعويض المنفق على نفقته، فقال - جل في علاه -: \" وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه \".

 وكلمة شيء في هذه الآية عجيبة جدا فأي شيء تنفقه يعوضك ربي عنه، فأنفق درهما تجد عوضه، وانفق مليون تجد عوضه، وهو خير الرازقين.

ولذا أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى بقوله كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ما نقصت صدقة من مال. وعند الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري: ثلاثة أقسم عليهن ما نقص مال عبد ٍ, من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة، ولا فتح عبد باب مسألة.

 

وأخيرا فإن قلت ما عندي إلا القليل:

فأقول لك انفق منها بقدر استطاعتك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وتأمل في هذا القصة:

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله – صلى الله عليه و سلم - فقال: \"إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار\". رواها مسلم في صحيحه.

فهذه أم المؤمنين - رضي الله عنها - تتصدق بالقليل ثلاث تمرات، وهذه فقيرة تجود بتمرة تقسمها نصفين بين بنتيها فيوجب الله لها الجنة ويعتقها بها من النار، فلنعم التمرة تلك التمرة.

في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال  - صلى الله عليه وسلم -: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل. متفق عليه.

وإني لآمل بعد كلماتي هذه أن نجد أكوام الحصالات قد جمع فيها القليل إلا القليل لنشهد الصرح الكبير.

فيال عظم هذا الطفل الذي علمنا هذا الدرس، وكم من الحسنات في ميزان من جراء العاملين بتلك السنة الحسنة أسأل الله ألا يحرمنا الأجر.

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply