على طريق المجد توالت نبوات ورسالات، وانتصبت قدوات، وسالت دماء، وتناثرت أشلاء، ومضى إلى الله شهداء.
وفي طريق المجد عقاب وصعاب، وعلى حافتيه شبهات وشهوات، وفي بعض مراحله منعطفات ومنزلقات.
وفي أول طريق المجد سائرون كثيرون، وفي أثنائه مستمرون ومتعثرون، وفي آخره فائزون قليلون.
وليس للمجد سوى طريق واحد، لا يؤدي إليه سواه وينبغي لك أن:
لا تحسب المجد ثمراً أنت آكله **** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
نعم في الطريق طول، لكنه وحده الجادة الموصلة إلى الغاية فانظر إلى موطئ قدمك، واشخص إلى الأفق البعيد ببصرك، واشحذ للسير عزمك، وجهز للسفر عدتك، وأعد للمخاطر أهبتك، وأخلص لله نيتك، واجعل رضاه غايتك، واملأ قلبك بمحبته وخشيته، وأنطق لسانك بذكره وشكره، وسخر جوارحك في طاعته وعبادته، واهتف قائلاً:
لأستسهلن الصعب أو أبلغ المنى **** ولا بد دون الشهد من إبر النحل
وكن واثق الخطى، مطمئن القلب، وتزود بالركون إلى وعود ربانية لا تخلف، وسنن إلهية لا تتبدل:{ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً }، { ولينصرن الله من ينصره } وكما ازدادت الصعاب فزد من الزاد .. {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب }، وإذا حزبك أمر فافزع – مَثَلَك رسولك صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، واذرف دموعك في محراب المناجاة: {ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة }.
وكن طوداً شامخاً، جبلاً راسخاً، فأنت ممن وصفوك بأنه:
ولا يُرى من فزع رهن أسى **** يقينه كالطود في القلب رسا
يبصر في غور الخطوب قبسا **** من نصرة الله إذا ما استيأسا
وكن محلقاً لا يرضى بما دون الذرى، ولا يرى دون الثريا مقعداً:-
فكن رجلاً رجله في الثرى **** وهامة همته في الثريا
اجعل المجد عشقاً، واجعل النصب في بلوغ راحة ولذة، ولا ترضى بأن يسبقك العاشقون، إذ يبرهنون بالأعمال والأقوال أن كل شيء في سبيل العشق يهون:
إذا قيل للمجنون ليلى تريد أم **** الدنيـا وما فـي طواياهـا
لقال غبـارٌ من تراب نعالهـا **** أحب لنفسي وأشفى لبلواها
كلا! أنت أعظم حباً وعشقاً من هؤلاء، لكن حبك لله، وعشقك للمعالي والمكارم، فتذكر يوسف الصديق - عليه السلام - يوم قال: {رب السجن أحب مما يدعونني إليه} فيا لله لما دعته امرأة العزيز، ونسوة المدينة.. الجمال الباهر، والجاه العريض، والفتنة المغرية، وكل ما تميل إليه النفوس، وتحبه القلوب، لكنه رأى مع كل هذا العزاء السجن أحب إليه، لئلا ينقطع في الطريق، أو تتعثر خطاه في أثناء المسير.
ولك قدوات سالفة من عشاق المجد منهم علي –رضي الله عنه - حين جعل أمنياته ولذته في الضرب بالسيف، والصوم بالصيف، وإكرام الضيف\"، وليس آخرهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد – رضي الله عنه - حين قال: \"ما من ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب أحب إلي من ليلة شديد البرد، كثيرة الجليد في سرية أصبح فيها العدو\".
الله أكبر، أية لذة هذه؟ وأية متعة تلك؟ وأي عشق ذاك؟ إنه عشق فريد يفوق أثره ما يتعاطاه الناس من لذة ومتعة، وما يجدونه – أحياناً – من سعادة وفرحة.
ألم تتصور ذلك وأنت تقرأ كلام الكيلاني يصف حالته إذا قضى الله هداية رجل على يديه، إنه يقول: \"إذا رأيت وجه مريد صادق قد أفلح على يدي، شبعت وارتويت، واكتسيت وفرحت كيف خرج مثله من تحت يدي\".
وقدوة الجميع في ذلك من جعل الصلاة قرة عينيه، ونادى بلالاً: ( أرحنا بالصلاة يابلال). ولنا فيه - صلى الله عليه وسلم - قدوة وأسوة ، فلتكن يا أخي إذن من ..[ عشاق المجد ].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد