كيف تنمي رصيدك العاطفي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 تنمية الرصيد العاطفي

الكثير من الناس يهتم بالرصيد المادي ويغفل عن الرصيد العاطفي وهو أهم وأعظم ، بدلالة أنه إذا فقد الرصيد العاطفي بذل ماله للوصول إليه والحصول عليه . سواء في زواج يبذل ماله فيه ، أو سياحة ، فإن سألته قال أريد أن أتنفس أنا وأولادي . ولو قلت له تنفق مالك لقال نعم من أجل أن نفرح جميعا ، ليبني رصيدا عاطفيا مع أولاده ، ويهدي ليبني رصيدا عاطفيا مع من أهدى إليه الخ .


لو استعرضت الكتاب والسنة النبوية لوجدت النصوص الكثيرة التي يصب العمل بها في الرصيد العاطفي لدى المسلمين إذا تعاملوا بها فيما بينهم وقد علق الثواب عليها والأجر في الآخرة ضمانا لدوامها وثباتها . وقد شرعت هذه الخصال لمقاصد شرعية كثيرة جدا ومنها زيادة الرصيد العاطفي بين أهل الإسلام : أفردا وأسرا وجماعات ، ومن هذه الخصال ما يلي  :

الاحترام ، التوقير ، الإيثار ، إفشاء السلام ورد السلام ، تشميت العاطس ، الإصلاح بين الناس ،  البشاشة ، التبسم ، طلاقة الوجه ، التواضع ، حفظ السر ، سلامة الصدر ، السماحة ، الكرم ، النصيحة ، الأمانة  ، التودد ، التيسير ، التبشير ، الجود ، حسن الظن ، حسن العشرة ، حسن الجوار ، الرأفة ، الرحمة ، الرفق ، الستر ، السماحة ، الشفاعة ، الشفقة ، الشكر ، الشورى ، الصدقة ، الصفح ، العدل ، العطف ، العفة ، العفو ، عيادة المريض ، اتباع الجنازة ، كظم الغيظ ، اللين ، المواساة ،  التواصي ، الإحسان ، إيفاء الكيل والميزان ، الصبر على آذى الناس .حتى أمرك بتنمية الرصيد مع الخادم \" فيطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس .. \"

وجاء النهي عن سحوبات ومستخرجات كثيرة من الرصيد العاطفي مثل :

الربا ، النجش ، الغش ، التطفيف ، بيع الأخ على بيع أخيه ، تلقي الركبان ، المزابنة ، المحاقلة ، الخطبة على خطبة أخيه ، التحسس ، التجسس ، الخداع ، الرشوة ، الشح والبخل ، الاستكبار ، الاعتداء ، الخيانة ، الشماتة ، سوء الظن ، التنابز بالألقاب ، التناجي ، الغيبة ، النميمة ، الحسد  ، الحقد ، البغي ، البغضاء ، البهتان ، السباب ، السخرية ، الغدر ، نقض العهد ، إخلاف الوعد ، ، التغيير ، القذف ، الأثرة ، إفشاء السر ، البذاءة ، البغي ، الجفاء ، الهجر ، الهجاء ، الخيلاء والفخر ، الطعن في الأنساب ، ذو الوجهين ، قول الزور ، الكذب ، المكر ، إشاعة الفاحشة ، الفضول .

وهذه الخصال تستنـزف كل الرصيد العاطفي مهما كان .

لو تأملت القرآن الكريم في خطابه لوجدته يجمع بين مدخلات ومستخرجات ثم مدخلات في آية واحدة مثل : ] يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين [

 وقال تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون[

   ·   إن في تعاملك مع الناس بمثل الكلمة الطيبة والتلطف ، وحسن الاستماع ، والاحترام لوجهات النظر ، والتقدير وحسن الأدب تبني بهذا رصيدا كبيرا معهم ، فإذا ارتفع رصيدك عندهم تحملوا منك الخطأ والزلة .

أما إن كنت تعاملهم بالغلظة والفظاظة والشدة ، وسوء الأدب ، وقلة الاعتبار بهم ، وعدم الإنصات لحديثهم .. فإنك تعيش معهم حياة متوترة وكأنك تعيش في ألغام تحاسب نفسك على كل كلمة ، ويفسرون كل حركة تصدر منك ، وكل التفاتة تقوم بها .

 

·   ارتفاع الرصيد                  انكشاف الرصيد
   
النتيجة
      تحمل الخطأ                   تعيش دائما في ألغام

 

 

   ·  الرصيد مهما كان كبيرا إن لم يدعم باستمرار فسوف يستنزف ويتبخر ، هذا مع من تقابلهم دائما أو تعيش معهم . وينطبق هذا على الزوجة والأولاد والزملاء والأصدقاء الملاصقين لك .

   ·  قد تأتي سحوبات آليه بسبب تعاملك اليومي ولا تحس بها ، فتحتاج إلى تعويض وتغطية رصيد . مثال ذلك بالنسبة للولد : اذهب ، البس ، ادخل ، أبعد النفيات فكل هذا سحب من الرصيد

   ·   على العكس من شخص صحبته مدة معينة ثم انقطعت الصحبة فإن الرصيد عنده باق نظرا لبعده عنك ، ومن هنا تأتي أخطاء الناس في تقويم أصحابهم : فتجد بعضهم يقول : إن فلانا أحسنت إليه مرة في العمر ومع ذلك محتفظ بها ، بينما فلان أحسنت إليه كذا وكذا ويتنكر لي أو لا يرى ذلك ، أو لم يقع منه موقعا ، بينما الأول كانت الصحبة مدة يسيرة وانقطعت ، والآخر كل يوم يراه وتحدث سحوبات آلية من رصيده العاطفي وهو لا يشعر بسبب التعامل اليوم ، فهذه فلتة كلمة ، وهذه زلة ، وهذه حركة الخ .

تطبيقات تزيد في الإيداعات

       · فهم كل شخص على حدة .

وهو أن تدرس كل فرد على حدة وتعرف عنه ما يحب وما يكره ، فقد تكون معاملة أو عمل يزيد في الرصيد عندك لكنه ينقص من الرصيد عنده ولا يعتبره بل يراه من التنقص له ، وهذا ينطبق على الوالدين ، والأبناء ، والمشايخ ، والزملاء ، ويتضح أيضا في اختلاف البلدان والعادات والتقاليد بينما يرى أهل بلد أن هذا من الكرم ، يراه الآخرون أنه من التنقص لهم .

ولهذا يقال : يجب أن تعدل بين أولادك بأن تعامل كل شخص بشكل مختلف أي بما يصلح له ، وإذا أردت معرفة التباين حتى بين أبنائك فاخرج بهم إلى محل ألعاب ليختار كل واحد منهم لعبة ، تجد أن كل واجد خرج بشكل غير الآخر .

ولهذا جاءت هذه المقولة : الناس صناديق وكل صندوق يحتاج إلى مفتاح خاص .

إنما هو مهم بالنسبة للشخص المقابل لك يجب أن يكون مهما عندك بقدر أهمية الشخص عندك ، ولهذا جاءت المقولة : صاحب الحاجة أعمى حتى تقضى حاجته .

فأنت افرض أنك منهمك بعمل مهم ثم جاءك أخوك الصغير او ابنك يطلب منك حاجة فلكي تبني رصيدا لك عنده يجب أن تترك حاجتك وتنتبه له ، وإن كنت تريد سحب الرصيد فتنهره وتبعده عن وجهك ، وتقول أنا مشغول عنك . وينطبق هذا تماما على أصحاب الحاجات ممن يطلب منك الفزعة.

وعند العمل على تنمية الرصيد العاطفي لدى الأبناء ، ينبغي أن يكون هذا موجها آخذا بالمربع رقم1

       · الانتباه للصغائر.

المجاملات والملاطفات وحسن الاستقبال والبشاشة في الوجه مهمة جدا في بناء العلاقات والرصيد العاطفي ، وهي أمور صغيرة لكنها لا تعجز أحدا ولا يستغني عنها أحد ولا تأخذ وقتا ولا جهدا

تجد الكثير يعير اهتماما أكبر بكثير للأمور الكبيرة ويدقق فيها راجيا أن تنال رصيدا كبيرا عند أصحابه أو أهله أو أولاده ، ولكنه لا ينتبه إلى الصغيرة والتي قد تسحب كل ما سبق من رصيد ، مثال ذلك : شخص سافر بأولاده في إجازة الصيف لمدة شهر مثلا وأنفق عليهم وزار بهم مواقع كثيرة ولكنه في آخر يوم من الرحلة غضب عليهم وأتعبهم في المسير حتى قطع مسافات طويلة بيوم واجد حتى وصل بهم إلى البيت وهم منصتون قد تعبت نفوسهم وأجسادهم ، فما ذا يحصل لقد سحب هذا التصرف كل الايداعات السابقة .

وهكذا بالنسبة للكلمة النابية ، أو الحركة غير المسؤولة مع من قد أحسنت إليه قد تفعل ذلك .

وهكذا بالنسبة للأولاد الصغار لو خرجت واشتريت لهم وعملت وفرجتهم ولكنك ميزت واجدا على آخر بغطاء وهو نائم بالسيارة نظرا للبرد فإن الثاني يشعر بالحزن ولا يلتفت إلى ما عملت سابقا.

وأيضا الصغائر من الأعمال فإنهن سحوبات عظيمة لا يشعر بها صاحبها ، كما ضرب لهن رسول الله مثلا بتجميع الأعواد حتى تكون نارا عظيمة .

       · الوفاء بالوعود .

حاول أن لا تقطع وعدا محددا يلزمك الوفاء به في وقت محدد قد لا تستطيع الوفاء به فإن هذا من أكبر عوامل سحب الرصيد العاطفي . وقد ذكر النبي e أن من صفات المنافقين : \" وإذا وعد أخلف \" فإذا وعدت أحدا كبيرا أوصغيرا ، وبخاصة الأبناء بشئ فابذل قصارى جهدك في إتمامه وتنفيذه في موعده .

وقد أعجبني سلوك بعض الناس إذا قدم من سفر ولم يحضر ما وعده به أولاده فلا يدخل بيته حتى يذهب إلى السوق ويشتري لهم ما ينتظرونه منه .

وكذا إذا واعدت زميلا أو أخا لك في وقت معين ثم تأخرت عنه ساعة فما ذا يحدث : تجده يقوم ويجلس ويدخل ويخرج وينظر في الساعة ويتأفف وكل هذه الحركات بهذه المدة سحب آلي من رصيدك العاطفي عنده وأنت لا تشعر .

       · كن حسب التوقعات واعمل على إيضاح التوقعات أيضا .

إذا سافرت ما ذا يتوقع منك أهلك وأولادك ؟ هل إذا جئتهم خالي اليدين وقالوا لك : أين الهدية ؟ تقول : لم أعدكم بشئ ، أو تقول سلامتي هي هديتكم ، قد تنفع هذه مع الأم لكنها لا تنفع مع غيرها أبدا .

إذا كنت غنيا وزرت أقاربك ما ذا يتوقعون منك ؟ إذا سافرت وزرت زميلا لك في بلد بعيد ما ذا تتوقع منه ؟ إذا حصل لك خير وربح في زواج أو عمل أو شهادة ما ذا تتوقع من أصحابك ، إذا سكنت في حي وأنت طالب علم أو ذو منصب ما ذا يتوقع منك أهل الحي ؟

إذا دعاك أناس للإلقاء درس أو محاضرة ما ذا يتوقعون منك ؟

إذا اشتكى إليك تلميذ أو زميل أو قريب ما ذا يتوقع منك ؟

توضيح التوقعات أمر ضروري جدا ، وكثيرا من الخلافات بين الناس بسبب عدم وضوح التوقعات ، تعمل عندي ولا نختلف ، فإذا العامل ينتظر مبلغا ويتوقع صاحب العمل مبلغا آخر ، نشترك في تجارة والعمل بيننا ، فإذا أحدهم ينتظر أن يعمل زميلة كذا بينما الآخر يتوقع غير ذلك ، أثناء المبايعات خذ هذه السلعة ويكفي ما تجود به نفسك ، فإذا صاحب السلعة يتوقع سعرا كذا بينما المشتري يتوقع أنه دفع أكثر من قيمتها ، وكذا في التهادي مع بعض الناس ، وأيضا في استئجار محل أو سيارة أو منزل أو آلة أو غير ذلك . أو ما يقول بعض الناس افعل هذا وأرضيك ؟ ومن المعلوم اختلاف وتباين التوقعات.
وحين لا تكون التوقعات واضحة ومشتركة يصبح الناس متورطين بشكل عاطفي ويصبح سوء الفهم البسيط مركبا ، ويتحول فيما بعد إلى صدامات وقطع للاتصال .
وفي بعض الأحيان يتطلب إيضاح التوقعات قدرا عظيما من الشجاعة º لهذا يرجع الناس إلى الأسهل في التصرف على أساس أن الخلافات غير موجودة .

ولهذا جاء شرعنا بالوضوح في كل ذلك وأمر المتبايعين بالصدق والبيان \" فإن صدقا وبينا \"

       · الورع والاستقامة .

يقول الله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [

من الأخطاء محاولة بناء رصيد عاطفي من الغيبة ، والحقيقة إذا دافعت عن غائب أما الحاضرين فإنك تبني لك رصيدا عند جميع الحاضرين ، لأنهم سيقولون إننا بمأمن من هذا الشخص ولن يستطيع أحد أن يغتابنا عنده .

إذا جلست أنت وصاحبك تتحدثون في شخص خلف ظهره وتسبونه ، فإذا لقيكم أظهرتم له الحفاوة والاحترام ، قد يكون مديرا لكم أو زميلا أو غير ذلك ، فأنت في هذه الحالة قد هدمت رصيدك من زميلك الذي تحدثه لأنه سيقول في نفسه : إذا اختلفت أنا وإياه في شئ فيستحدث بمعسول الكلام في وجهي وقبيح الكلام في  ظهري فقد رآك تفعل ذلك .

ولهذا يقول السلف : من نقل لك نقل عنك ، ويقولون : من نقل لك كذبا رجع منك بصدق ، لأنك ستتجاوب مع كلماته فينقل هذا الشعور والتجاوب عنك .

بعض الناس يتصور أن يبني رصيدا في إفشاء سر ، كأن يقول لأخيه هنا سرا لم أخبر به أحدا غيرك ولولا منزلتك عندي ما أخبرتك ، إن فلانا يقول كذا وعمل كذا ، فما النتيجة : يشعر محدثك أنه بالإمكان أن تفشي سره أيضا فلا يأمنك بعد ذلك . فهل ترى أن هذه الخيانة ستبني ثقة عند صاحبك.

       · الاعتذار المباشر عند السحب .

الإنسان بطبيعته معرض للخطأ والنسيان ، ولكي تحافظ على رصيدك يجب أن تعتذر مباشرة عند وقوع خطأ منك تجاه شخص ما ، ولا تؤخر الاعتذار فإن في تأخيره تعميق لجذوره في النفس ويصعب اقتلاعه بعد ذلك . ولهذا كره العلماء المحققون طلب المسامحة ممن قمت بغيبته . وإذا تأخرت عن الاعتذار فقد يتطلب الاعتذار عن طريق الكتابة وقد يتطلب أن تصحبه هدية .

 والناس حيال هذا صنفان : شجاع واثق بنفسه فيعتذر مباشرة فيزيد رصيده وتبقى مكانته ويرتفع شأنه،وآخر ضعيف فيضن أن الاعتذار من ضعف الشخصية وأنه سيسقطه أو أن هذا من الذلة ، أو كما يقول بعضهم لا أريد أن أكذب نفسي ، فيتحول هذا إلى تبرير خطأه من أن فلا هو الذي ابتدأ وهو الذي قال ، وأنه يقصد كذا وهو يقصد كذا الخ . فهذا لن يبقى له رصيد عند أحد .

اقتراف الخطأ شئ ، وعدم الاعتراف به شئ لا يغفر .

       · حسن الاستماع ومشاركة المتحدث في وجدانه .

قد تبني من مشكلة يدلي بها محدثك سواء كان ابنك أم زوجتك أو صديقك ـ رصيدا عاطفيا كبيرا إذا أحسنت الاستماع إليه وشاركته عواطفه في مشكلته ودخلت في ثنايها لتنبيهه أو نصيحته وأظهرت  التعاطف معه .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply