الحمد لله القائل:{أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتـاب أفلا تعقلون }أي أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم فتتنبهوا من رقدتكم
وتتبصروا من عمايتكم . والصلاة والسلام على نبيه محمد القائل ((مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار قال قلت من هؤلاء؟ قالوا خطباء أمتك من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ((و يعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله؟ )) أفلا يعقلون
أما بعد:فيا سبحان الله ! ما أقسى قلوبنا وما أكثر غفلتنا وما أهوننا على الشيطان (نعوذ بالله منة) إذا فرطنا بما يصمنه، وأعرضنا عما يعيننا عليه، وتجاهلنا عداوته لنا { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا،}الآية
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلفنا الصالح من بعدهم كـالجبال الراسيات أمام فتن الدنيا وشهواتها وزينتها (أموال، نساء) وغيرهما وبعضنا يسقط في أقل شهوة دنيوية وربما انتكس أو تقهقر عن الالتزام بدينه لأدنى فتنة فاللهم أيقظ قلوبنا واحفظ جوارحنا واكفنا شر أنفسنا وارزقنا الإخلاص في القول والعمل.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((الصبر صبران، صبر عند المصيبة حسن وأحسن منه الصبر عن محارم الله)) نعم الصبر عن محارم الله صغيرها وكبيرها فتلك هي التقوى وما أحوجنا إليها في زمن قسوة القلوب قال ابن القيم- رحمه الله- مفسدات القلب خمسة: الخلطة (بغير الصالحين) والتمني، والتعلق بغير الله والشبع، المنام)
ولك أن تتساءل كيف أعرف أن قلبي لم يتأثر أو يقسو بسبب ما قد يمر به من شهوات وشبهات؟والجواب يسير(فقط حاسب نفسك وانظر إليها عند الطاعات والواجبات وكذلك راقبها عند النواهي والمحرمات) فإن وجـدتها مسارعة إلى فعل الطاعات سباقة لميادين الخيرات نافرة من المحرمات والسيئات فراقبها عندما يأتي خبر الله وتواجه بحكم من أحكام الله أهي تستسلم له أم تتردد في قبوله، فإن استسلمت لحكم الله وانقادت لأوامر الله فهنيئاً لك على صحة قلبك وأبشر بعاقبة ذلك {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.
أخي في الله كن دائم المحاسبة لنفسك إستجابه لأمر ربك {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } أتدري ما هو غد؟إنه يوم القيامة! نعم يوم القيامة قريب أما قال الله {إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا} أما علمت أن من مات قامت قيامته ؟، دفن النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة ثم قال اسألوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل! الله أكبر يسأل ولما يخرج من دفنوه من المقبرة بعد؟ نعم هذا خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي زكاه ربه فقال:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.
فيا أخي الحبيب لا تتساهل بالذنب مهما كان في نفسك صغيراً ولا تحتقره مهما كان في عينك يسيرا ((وانظر إلى عظم من عصيت )) إنه الجبار جل جلاله قال عليه الصلاة والسلام (( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه ))، واعلم أن الواجب عليك أن تقارن نفسك في أمور الدين بقدوتك وبمن أمرت بالاهتداء بهديه {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} حتى تتهم نفسك وترى تقصيرك ويتضح تفريطك فتسمو نفسك وتشتاق لمتابعـة نبيك وتدرك خطر مقارنتك لنفسك بمن هم أسوأ منك حالاً!!
أما في أمور دنياك ((مالك، منزلك، سيارتك،. )) فانظر إلى من هو دونك حتى تحمد الله على ما أنت فيه من نعمة قال عليه الصلاة والسلام ((لا تنظروا إلى من فوقكم )) ((أي في أمور الدنيا)) وانظروا إلى من دونكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعم الله (( أي تحتقروها)).
أخي على طريق الحق: إن من العدل أن ترى نعم الله عليك وترى بالمقابل تقصيرك في طاعته وفتورك في الاستجابة لأمره فإن ذلك يبعث فيك حياءً من ربك يعقبه ندم وتوبة.
يا من آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا ماذا تقول في رجل يحمل سلاحاً فإذا اقترب من ساحة المعركة نسي سلاحه وتقدم برجله إلى المعركة متعاظما نفسه! محتقرا عدوه!! تاركا زاده!! سبحان الله! وهل يحدث ذلك؟نعم، ستقول إنه لم يأخذ بالأسباب وقد تحكم عليه بأنه قد ألقى بنفسه إلى التهلكة! أليس كذلك؟
فما رأيك إذن فيمن لديه سلاح العلم الذي يورث الخوف من الله والصبر عن محارم الله فيعرض عن العلم ويتجاهل أمر ربه ثم يقدم بطوعه ورضا نفسه إلى ساحة شبهة يضل بها فكره أو تنحرف بسببها عقيدته وقد يزج بنفسه إلى ساحة شهوة وفتنة زينها الشيطان له أو سولت له نفسه عظم إيمانه ثم إذا به قد تعلقت نفسه بها وزلت قدم بعد ثبوتها! فاحذر أخي أشد الحذر من فتن الدنيا وشهواتها ((أموال، نساء ونحوهما)) فحري بكل مسلم أن يستحي من الله ويخشى عقوبته ويأنس بطاعته ولا يتلذذ بمعصيته فإن الحياء من الله والأنس بطاعته يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع وإلا رحلا .
ختاماً هاأنت ترى يا عبد الله قطار الحياة يجري وهاهي الأيام تمضي وهاهما الليل والنهار مطايا تحملنا إلى الدار الآخرة وهاهم الخلق سائرون كل إلى ما قدم فترى منهم الغافل عن أوامر ربه الذي همه شهوات بطنه وفرجه ومنهم من همه دين الله يدعو الناس إليه. فريق بذل ماله وضيع وقته وأفنى عمره فيما يسخط ربه ويثمر قسوة قلبه ويذهب صحته وفريق بذل ماله وأمضى وقته واستنفد جهده فيما يرضي ربه ويصلح آخرته.
صنف أشغله ماله وولده وزوجته ومنصبه عن العمل لآخرته وصنف جند أهله وأنفق ماله وسخر منصبه لخدمة دينه فمن أي الفريقين أنت؟ وهل يستوي الفريقان ؟ قال تعالى:{أ فمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون، أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون، وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون }.
جعلني الله وإياك والمسلمين والمسلمات دعاة خير ومشاعل حق ورزقنا الإخلاص في القول والعمل آمين والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد