إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد
أيها الناس اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
أيها الإخوة:!
حديثي مع الشباب، ومن سار على نهج الشباب، فاسمعوا يا معاشر الأحباب لقول ناصح مشفق يرجو لكم الفلاح، ويخشى عليكم مغبة الانحراف.
أيها الشاب: إنني أخاطب فيك عقلك، الذي فضلك الله به على الحيوانات والعجماوات. (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً).
نعم أيها الشاب أخاطب فيك إيمانك وعقيدتك في حين يخاطب فيك أعداؤك الغريزة الجنسية، والشهوة الحسية فأنزلوك من الرفعة البشرية والكرامة الربانية، إلى منازل البهائم والحشرات، وأشر المخلوقات لأنها لا تدعى بإيمانها ولا بعقولها وإنما تدعى ببطونها وفروجها.
أيها الشاب: أين عزة الإيمان وأنفة الإسلام؟ كيف ترضى لنفسك تقليد شر الدواب، ألا تسمع قول الباري عز وجل: (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) هذا كلام الله عنهم، وهذا حكمه فيهم أشر ما يدب على الأرض، هم جثا جهنم وحطبها ووقودها (ناراً وقودها الناس والحجارة). فكيف ترضى أن تكون شبيههم أو جليسهم أو أكيلهم وهم ملعونون بلعنة الله لهم. ألا تقرأ في القرآن (ألا لعنة الله على الكافرين) ألا تقرأ (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) وقوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)
ألا تعلم أن من أحب قوماً حشر معهم فهل تحب ذلك؟ ألا تعلم أن محاكاتهم في عاداتهم وملابسهم وأمورهم الظاهرة تقود إلى محبة قلبية لهم وتلك ردة عن الدين. وإن مما فشا في الشباب بشكل ملفت أنهم تركوا عادات البلاد المسلمة من لبس الشماغ والعمامة، ونحوهما واستبدلوا ذلك بالقبعة التي هي من لبوس الإفرنج، وليست من عادات الإسلام في شيء.
أيها الشاب: قل لي بربك هل تحب مرافقة هؤلاء القوم يوم القيامة، فتساق معهم إلى ذلك السجن الرهيب الذي لا خروج لهم منه أبداً. هم والله أحقر المخلوقات وأدنى البريات هانوا على الله فكفروا به، ولو عزوا عنده لآمنوا به وصدقوا رسله فلا تحسبنهم على شيء فجانبهم وخالفهم ولو في الطريق الذي يمشون فيه.
واسمع ما قاله ابن القيم عن اليهود: هم الأمة الغضبية، أهل الكذب والبهت والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت -وهو الربا والرشوة- أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السحر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم -في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء- حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفه، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم أعقلهم، وأحذقهم أغشُهم، أضيق الخلق صدوراً، وأظلمهم بيوتاً، وأنتنهم أفنية، تحيتهم لعنة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت.
وقال عن النصارى أمة الصليب: هم المثلثة، أمة الضلال، وعباد الصليب، الذين سبوا الله الخالق مسبة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وقالوا فيه: ما ( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) وقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه سبحانه نزل عن كرسي عظمته، والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن. فدينهم -أي النصارى- عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر، والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا، وارحمينا! فدينهم شرب الخمور، وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله القس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير ا.هـ من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى .
فهل مثل هؤلاء يصلحون للقدوة والاتباع؟ حاشا والله وكلا.
أيها الشاب: لماذا الاعراض عن عبادة الله وطاعتة؟ لماذا تطيع الشيطان وتستجيب لوسوسته؟ ألا تعلم أنه عدوك المبين؟ ألا تعلم أنه يتبرأ يوم القيامة من أتباعه؟ (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلومني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم).
أيها الشاب لماذا لا تصلي؟ ألا تعلم أن الصلاة عماد الدين؟ وهي الفرق بين المسلم والكافر. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيجح. وقال: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال: (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف) رواه أحمد وابن حبان وغيرهما بإسناد صحيح.
فهل ترضى أن تحشر مع أئمة الكفر لأنك لم تحافظ على صلاتك؟
أيها الغافل تذكر:
تذكر الموت وشدته، وكربه وسكراته، تذكر وأنت طريح الفراش، تنظر إلى من حولك، ولا تستطيع كلاماً ولا ترد جواباً ، وهم عاجزون عن غوثك، ولا يستطيعون تخفيف روعك ولوعتك. واستمع إلى هذا الوصف القرآني العجيب لحال المحتضر
(فلولا إذا بلغت الحلقوم. وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون. فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين . فأما إن كان من المقربين. فروح وريحان وجنت نعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين. وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزل من حميم. وتصلية جحيم. إن هذا لهو حق اليقين).
وقال عن الظالمين خاصة: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون. ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون). وقال: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق). هذا وصف القرآن للاحتضار، فاسمع لهذا الوصف العملي لمن قاسى هذه الساعات الرهيبة والتي ستأتي عليّ وعليك يوماً من الدهر، ولابد والله المستعان.
عن عوانة بن الحكم قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فلما نزل به الموت قال له ابنه عبد الله فصف لنا الموت وعقلك معك فقال يا بني الموت أجل من أن يوصف ولكني سأصف لك منه شيئا: أجدني كأن على عنقي جبال رضوى وأجدني كأن في جوفي شوك السلاء وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة.
أيها الشاب: تذكر أول ليلة في القبر وقد قيل: أول ليلة في القبر تنسي ليلة العرس. فتوضع في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد فارقك الأحباب، وواجهتك الصعاب وقاسيت الحساب. أصبحت رهين الجنادل والثرى، فأين محاسن الأبدان، وأين العطور والريحان، وأين الثياب الجميلة، الروائح الزكية؟ أين أنت من يوم تنخسف فيه الوجنتان، وتسيل على الخدين العينان، وتعيث في الجوف الديدان، وليس مؤنس ولا جليس إلا الأعمال، فإن كانت صالحة فطبت وطاب مسعاك، وإن كانت فاسدة فخبت وخاب مثواك.
أما تسمع صوت القبر وهو ينادي كل يوم: أنا بيت الغربة أنا بيت الظلمة أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود، أنا الذي أُذهب محاسن الوجوه، وأذهب نضارة الخدود والجلود. وكل راحل إليّ مفقود، لا يعود، وسيعلم حقيقة الحال كل غافل وجحود، فأعد لي العدة، وأكثر من الصيام والسجود، وتزود لذلك اليوم الموعود.
أخي في الله: تذكر وقد دعاك الداعي للحشر والمعاد، فتقوم من قبرك وقد تشققت الأرض عن الخلائق، والكل قام لرب العالمين (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر). تذكر حضور الخلائق لأرض المحشر عارية أبدانهم، حافية أقدامهم ينتظرون الحساب، لاظل يستظلون، ولا ماء يشربون، وقد دنت الشمس على رؤوسهم مقدار ميل، وحصل لك من الهول ما ينخلع منه الفؤاد، وقد رأيت الغيب شهادة، فتجلي مان كان بالأمس عنك خافياً في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. فقرعت سنك حسرة وندامة، ومقت نفسك ولمتها غاية الملامة. عن سليم بن عامر قال: حدثني المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل قال سليم بن عامر: فوالله ما أدرى مايعنى بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين- قال فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما) قال وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. رواه مسلم. فويل لمن ظلم نفسه وتعدى.
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء. وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال. وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال. وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار. وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد. سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار. ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب)، وبينما الخلائق في ذلك الموقف الرهيب، على الحال التي وصف الله سبحانه وتعالى إذ حدث أمر رهيب، وياله من حدث ما أهوله. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) رواه مسلم.
نعم يؤتى بجهنم إلى أرض المحشر وهي تتغيض وتزفر على أعداء الله، ولو تركت لحالها لالتهمت أهل المحشر.
أخي في الله تذكر: والخلائق يدعون بأسمائهم، وقد وضعت الموازين، ونشرت صحف الأعمال، وأنت تنتظر اسمك أن ينادى به، كم يحل بك من الفزع والخوف والهلع لا تدري أي كفتي ميزانك ترجح. فبينا أنت في ذهولك وفزعك إذ باسمك يطير في الأسماع فتتقدم إلى كفة الميزان وقد نشرت لك الصحائف التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا حوتها من أعمال قد نسيتها، ومثاقيل الذر جيئ بها، (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) فلا تدري بعد ذلك أترجح الحسنات فتنجو أو ترجح السيئات فتهلك (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ما هيه. نار حامية) ويا له من هول وأنت تتقدم لاستلام صحيفة العمل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. إنه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين. فليس له اليوم هاهنا حميم. ولا طعام إلا من غسلين. لا يأكله إلا الخاطئون)
تذكر وقد أمر الخلائق بالعبور على الصراط، وأنت تضع أول قدم على حافته فلا تدري أتثبت أم تزل من أول خطوة، وكيف تثبت عليه قدم وهو دحض مزلة، أدق من الشعرة وأحد من السيف أو الموس، كيف تسير عليه وهو مظلم لا نور فيه، وكيف تنجو وعليه خطاطيف وكلاليب وحسك. عن أبي هريرة أن ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا لا يا رسول الله قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاءنا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم المؤمن يبقى بعمله أو الموبق بعمله أو الموثق بعمله ومنهم المخردل أو المجازى ثم يتجلى حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار بن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون تحته كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيدعو الله بما شاء أن يدعوه ثم يقول الله هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله ان يسكت ثم يقول أي رب قدمني إلى باب الجنة فيقول الله له ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدا ويلك يا بن آدم ما أغدرك فيقول أي رب ويدعو الله حتى يقول هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الحبرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب أدخلني الجنة فيقول الله ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت فيقول ويلك يا بن آدم ما أغدرك فيقول أي رب لا أكونن أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك منه قال له ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمنه فسأل ربه وتمنى حتى إن الله ليذكره يقول كذا وكذا حتى انقطعت به الأماني قال الله ذلك لك ومثله معه) زاد أبو سعيد الخدري في حديثه وعشرة أمثاله معه). قال أبو هريرة فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة) متفق عليه. قال القرطبي رحمه الله : فتفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيضها وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك واضطراب قلبك وتزلزل قدمك،وثقل ظهرك بالأوزار فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته، واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني، والخلائق بين يديك، يزلون ويعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف، والكلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون، فتسفل إلى جهة النار رؤوسهم، وتعلو أرجلهم، فياله من منظر ما أفظعه، ومرتقى ما أصعبه، ومجاز ما أضيقه.
وبعد هذا يا أخي هل فكرت في حالك ومآلك، وماذا سيكون مصيرك، فإما سعادة لا شقاء بعدها أبداً، وإما شقاءً لا سعادة بعده أبداً، واعلم أن دين الإسلام بشرائعه، وأحكامه وحدوده، هو الصراط المستقيم في هذه الدنيا فمن تعدى حدوده هنا فسيتعدى حدود الصراط يوم القيام، وبقدر ثباتك أيها العبد على هذا الصراط في الدنيا يكون ثباتك على الصراط يوم القيامة هذه بتلك جزاءً وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد، فاحرصوا على التمسك بدينكم والمحافظ على أركانه وواجباته وسننه، واحذروا من كل ما يخالفه
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد