بسم الله الرحمن الرحيم
قد يكون للمرء مال وفير، وولد كثير.
وقد يكون ذا رئاسة، وتحته من يأتمر بأمره، وينتهي عن نهيه.
وقد يكون لديه ممتلكات من مزارع وعقارات.
وقد يكون ذا علم، ولديه طلبة يتقلدون رأيه، ويصدرون عن قوله.
ولا ريب أن ذلك من النعم التي يستوجب شكرها، ويُستَنكر كُنودُها.
ولكن يحسن بمن كانت هذه حاله ألا يركن إلى ما تحت يده، ويجدر به أن يوطن نفسه على ذهابه وزوالهº ذلك أن هذه الأشياء التي تكون طوع يمينه وشماله، والتي يظن أنها سبيل سعادته - قد تكون سبب شقاوته، وقد يتعلق بهاº فَتَسترِقٌّه، وتذلهº فيكون أسيراً لها، مكبلاً في أغلالهاº لأنه يُرى في الظاهر أنه هو السيد، وهو المالك بينما الحقيقة تقول غير ذلكº إذ هو المَسُودُ المملوك من جهة أنه لا يستطيع الاستغناء عن هذه الأشياءº فيكون فيه وجهُ عبوديةٍ, لها من هذه الناحية.
ولهذا قال النبي- صلى الله عليه وسلم -في الحديث الذي رواه مسلم \"ليس الغنى عن كثرة العَرَض، وإنما الغنى غنى القلب \".
وجاء في حكمة الحكيم اليوناني ديوجونيس الكلبي قوله: \"ليس الغنى بكثرة ما تملك إنما الغنى بكثرة ما تستغني عنه\"
ولله در الإمام الشافعي إذ يقول:
رأيت القناعة كنز الغنى *** فصرت بأذيالها ممتسك
فلا ذا يراني على بابه *** ولا ذا يراني به منهمك
وصرت غنياً بلا درهم *** أمرٌّ على الناس شبه الملك
ولله در أبي فراس إذ يقول:
إن الغنيَّ هو الغنيٌّ بذاته *** وَلَوَ آنَّه عاري المناكب حافي
ما كل ما فوق البسيطة كافياً *** فإذا قنعت فكل شيء كافي
ولا سبيل إلى الوصول إلى هذا السر إلا بتجريد التوحيد لمن بيده ملكوت كل شيءº فذلك هو سر السعادة، وسبيل العزة، وطريق الحرية الأعظم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد