الرياء في العمل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أَي عَملٍ, لا يُرادُ بِه وجهُ اللهِ فهُو رِياء، وعَلينَا أَن نَّعلمَ أَنَّ للرِّياءِ أَقسَاماً مُختلفة، فَتارةً يَكونُ رِياءً مَحضاً لا يُرادُ بِهِ سِوى مُراءَاةِ المَخلوقينَ لغرضٍ, دُنيويٍّ, كَحالِ الذِي يُصلي بَين النَّاس، ولَو انفردَ لَم يُصل، وهُمُ المُنَافقون الذِينَ قَالَ اللهُ فِيهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}، ولقد وصَفَ اللهُ الكُفارَ بِالرياءِ فِي قَولهِ - تعالى -:{وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدٌّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ}، وهَذا الرِّياءُ المَحضُ لا يَكادُ يَصدرُ عَن مُوافَقةٍ, في غَرضِ الصَّلاة والصِّيام خاصة، ويصدُر فِي الصَّدقةِ والحَجِّ أو غَيرِهما من الأَعمالِ الظَّاهرةِ، أو التِي يَتَعدى نَفعها بِأنَّ الإِخلاصَ فيها عَزيز، وهَذَا العَملُ لا يَشكٌّ مُسلمٌ أَنَّهُ حَابط، وأَنَّ صَاحبهُ يَستحقٌّ المَقتَ مِن اللهِ والعُقوبةَ على فِعلِه.

 

وتَارةً يَكونُ العَملُ للهِ ويُشارِكُه الرِّياء، فَإن شَاركَهُ مِن أَصلِهِ فالنٌّصوصُ الصَّحيحةُ تَدلٌّ عَلى بُطلانِه، وأَمَّا إِن شَاركهُ مِن أَصلِ العَملِ لله، ثُمَّ طَرأت عَليهِ نِيةُ الرِّياء، فإِن كانَ طَرأَ ثُمَّ دَفعهُ فلا يَضرهُ بِغيرِ خِلاف، وإِن استمرّ َمَعهُ قِيل: يُحبطُ عَمله، وقِيل: لا يَضرهُ ذَلك ويُجَازَى بأصلِ نِيتِه، وهَذا إِنَّمَا هُو فِي العَملِ المُرتبطِ آخِرهُ بِأولهِ كَالصلاةِ والصِّيامِ والحَج، وأَمَّا مَالا ارتِباطَ فِيهِ كَالقرَاءةِ والذِّكرِ وإِنفاقِ المَالِ ونَشرِ العِلم، فَإِنَّهُ يَنقطعُ بِنيةِ الرِّياءِ الطَارئةٍ, عَليه، ويَحتاجُ إِلى تَجديدِ النِّية، وقَد يَكونُ قَصدُهُ مِن العَملِ خَالصاً لله، لكنَّ اطِّلاعَ النَّاسِ عَليهِ يَكونُ قَوياً لنَشاطه، ولَو لَم يَطلع عَليهِ أَحدٌ لم يَترك العِبادة، فَهَذَا يُثابُ عَلى قَصدهِ الصَّحيح، ويُعاقبُ عَلى قصدهِ الفَاسد، وقَد يكونُ واردَ الرِّياءِ عَليهِ بَعدَ فَراغهِ مِن العِبادةِ كَأن يُسرَّ بِظهورِ عَملهِ مِن غَيرِ إظهارٍ, مِنهُ لَه، فَهذَا لا يُحبط العَملº لأَنهُ قَد تَمَّ عَلى الإِخلاص، وهَذاَ إِذا لم يَتكلف إِظهارهُ والتَّحدثَ بِه، فَأمَّا إِن تَحدثَ بِه بَعد تَمامهِ وأَظهرهُ فَهذَا مُخوف، والغَالبُ عَليهِ أَنَّه كانَ فِي قَلبهِ وقَت مُباشرةِ العَملِ نَوعٌ مِن الرِّياء، فَإِن سَلمَ من الرِّياءِ أَصلاً وأَظهرهُ بَعد ذَلك نَقص أَجره، فإِنَّ عَملَ السِّرِّ فَوقَ عَملِ العَلانيةِ بدَرجَات. ومِن النَّاسِ مَن يُخفي عَملهُ بِحيث لا يُريد أَن يَطلعَ علَيهِ أَحد، ولكِنَّهُ إِذا رَأَى النَّاسَ أَحبَّ في نفسِه أَن يَبدؤُهُ بِالسَّلام، وأَن يُقَابلوهُ بِالبشاشةِ والتَّوقير، ويَنشطُوا فِي قَضاءِ حَوائجهِ، ويُسامحوهُ فِي المُعاملةِ، ويُوسعُوا لَه في المَكان، فَإِن قَصَّر في ذلكَ أحدٌ ثَقل ذلكَ على قَلبهِ، وكأنَّ نَفسهُ تَتقاضى الإِحرامَ عَلى الطَّاعةِ التِي أَخطاهَا، وقَد كانَ أحدُ الصَّالحينَ أتَى ومَعهُ غُلامُه يَشتري حَاجةً من دُكان، فَقال رَجلٌ لِصاحبِ الدٌّكانِ: رَاعِ الشَّيخ، فَأَخذَ بِيد غُلامهِ وقَال: هَيَّا يَا بُني فإنَّمَا جِئنا لنشتريَ بِأَموالنَا لا بِأديَانِنَا. وحَكى وهبُ بنُ مُنبه: أَنَّ رَجلاً مِن العِبادِ قَال لأَصحابه: إِنَّا قَد فَارقنَا الأَموالَ والأَولادَ مَخافةَ الطٌّغيان، وإِنَّا نَخاف أن يكونَ قد دخلَ علينَا في أَمرنَا من هذَا الطٌّغيانِ أكثرَ مما دَخلَ على أَهلِ الأَموالِ في أَموالهم، إِنَّ أحدنَا إذا لقِي أَحبَّ أَن يُعظمَ لمكان دِينه، وإِن كَان لَه حَاجةٌ أَحبَّ أَن يُرخصَ لَهُ لمَكانِ دينه، فَبلغَ ذَلكَ ملِكَهم فَركبَ في موكِبهِ، فَإذا السَّهل والجبلُ قَد امتلأَ مِن النَّاس، فَقالَ الصَّاحب: مَا هَذا؟ قِيل هَذَا المَلك: فقالَ لصاحِبهِ ائتِني بِطَعام، فَأتَاهُ بِبَقلٍ, وزَبيب، فجَعل يَحشو شِدقَيهِ، ويَأكلُ أكلاً عنِيفاً: فَقالَ المَلك: أَينَ صاحِبُكم؟ فَقَالوا: هَذَا: فَقالَ كَيف أنت؟: قَال: كالنَّاس: فَقَال المَلكُ:مَا عِندَ هَذا خَبر، وانصرفَ عنه: فَقالَ الحمدُ للهِ الذي صرفَهُ عنِّي وهُو لِي لائِم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply