فرسان يمتطون صهوة الحروف
تسعة نصوص ما بين القصيدة والقصة القصصية والمقالة كانت حصاد ملتقى الأدباء الشباب لشهر ربيع الأول 1427هـ بالمكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الرباط الذي حضره جمهور من المثقفين والمهتمين بالصحافة الأدبية.
حين تأسرنا نجد: بدأ الملتقى بقصيدة الشاعر السعودي الشاب حمد بن دخيل الله الذي يشكو صبابته إلى نجد، فجاء العنوان \"ذكرى الأطلال\" يكتحل بالهموم واللوعة أمام أطلال تجدد فينا ألفة المكان وشموخه وأمجاده بلغة قريبة إلى دفء أرواحنا، وهي قصيدة تحلق في فضاء خصب من الشاعرية في قافيتها وإيقاعها، وحميمية العاطفة المتدفقة فيها، فلا نملك إلا أن نردد مع الشاعر نبض أشجانه:
يا نجد لي فيك أطلال أناجيها * * * وأذرف الدمع من عيني فأسقيها
القلب من وجده يا نجد يذكرها * * * دوماً ويبدي هموماً كان يخفيها
جارة الغربة
أما قصيدة \"يا جارتي\" للشاعر عماد الدين دحدوح فهي تستثمر عنصري القص والحوار، من خلال تشخيص الحيوان \"القطة\" وإنطاقها، وهي تلتحف الرمزية الشفيفة في معظم مقاطعها، ولعلنا نوافق الناقد د. صابر عبد الدايم فيما ذهب إليه في هذا الشأن حين قال: لو أبقى الشاعر الرمز دون تصريح لا سيما في البيت الأخير لأكسب القصيدة نضارة، كذلك نرى أن القافية تفرض سطوتها على الشاعر أحياناً كما ألمح الناقد د. حسين علي محمد، وقد وفق الشاعر في استهلال القصيدة، إذ جاء في المطلع:
جلست بقربي في حياً ووقار * * * شقراء ترقب حظها من جار
جلست وترمقني بطرف ناعس * * * في ليلة قمراء ذات نضار
يا جارتي إني ضعيف منهك * * * من أين جئت اليوم في الأسحار!
يا جارتي في غربتي كم أنعشت * * * عيناك روحي فالصفاء إزاري
يا قطتي لا تذهبي ودعي الدلا * * * ل فإنني في حاجة الزوار
بين الحقول
ويوظف الشاعر بدر محمد الحسين السرد في قصيدته \"بين الحقول\" مما فتح له الآفاق الذهبية على حد تعبير الناقد د. حسين علي محمد، ولعلي أجد أن خصوصية القصيدة لا تنبع من نزعتها القصصية فقط، ولكنها تتألف من فضاء الطبيعة ومعانيها وقبساتها الحانية الساجدة في جمالها لخالقها:
كنت أمشي ذات يوم
في روابي قريتي
بين الحقول
أنشق العطر وربا الزهر
في الكرم الظليل
ويتجدد معجم الطبيعة لفظاً ومعنى في معظم مقاطع القصيدة مثل قوله:
وتموجات سنابل القمح المليئة
في فضاءات السهول
وشجون أسراب الحمام
تفوح
من شوق الهديل
الفارس والحرف الأخضر
وفي قصيدة: \"الفارس والحرف الأخضر\" للشاعر المبدع محمد عبد الله عبد الباري يرثي أحد دعاتنا الكبار في العصر الحاضر، وهي تعبر عن مفارقات موجعة بين حالنا وحاله، بين هواننا وإبائه، وبين الصغار والشموخ، بل بين الظلام والنور، والحياة والموت، فنقف مع الشاعر نقطف زهر اليقين بكل ثقة وحب وإعجاب بالفارس الشهيد:
هنا على صفحات الزمان * * * حروفك تهمي سنا وافتنان
وذكراك في عالم الأمنيات * * * لها بالربيع الوريف اقتران
رحلت إلى الفجر في موكب* * * يفيض شموخاً ويسخو حنان
وفدت ولليل ألف يد * * * تشيد في كل شبر كيان
وكل العيون ارتوت بالظلام * * * وبالنور أصبحت أنت المدان
أغلى طفلة
ويمضي الشاعر شيخموس العلي إلى حدائق الطفولة وأناشيدها وأفراحها في قصيدته \"هي ثروتي\" ليشدو لطفلته إيقاعاً عذباً بلغة سهلة ومعان قريبة إلى نفوسنا، فيحرك المشاعر، وتهفو القلوب إلى فلذات أكبادنا في مشهد أخاذ:
أهلاً بأغلى طفلة
جلست على سجادتي
مسكت بأذني فجأة
ويح لها من مسكة
عبثت هنا وهناك نا
لت من هدوء الغرفة
قلبي تحرك نحوها
فحملتها في لحظة
ويمعن شاعرنا العلي في اقتناص الأفعال الحركية، وأفعال المشاركة في قصيدته مما جعل السامع أكثر إنصاتاً لنبض وجدانه.
ويختم الشاعر بقصيدة \"يا بدر\" للشاعر نبيل الزبير، وبداية تراه يشكو همه وحزنه للبدر بلغة تموج بالكآبة والضجر إذ يقول:
مللت يا بدر إن القلب مكتئب * * * وأصبح القلب عشباً ما رأى مطرا
وزورق القلب بين الموج مرتعد * * * يواجه الموت والأهوال والخطرا
ورغم هذا الحزن الذي تزخر به القصيدة، إلا أن شاعرنا يسلمنا لنفحات من التفاؤل والأمل في آخر أبياته، فتصغي له:
وجرَّت الشمس ثوب العرس في فرح * * * وعانق الأرض نهر للحياة جرى
ألا ترى ذاك طفل ملؤه أمل * * * بين الزهور يناجي الطير والشجرا
ألا ترى ذاك طير راح يرسلها * * * عبر النسيم لحونا فاقت الصورا
هموم الطفولة
وفي مجال السرد لم يخرج القاص محمد أحمد الصوان عن هموم الطفولة فيحكي في قصته \"سارق الأبقار وسارق الفخار\" هم الطفل \"نبيه\" إذ يرى في منامه أنه يدافع عن أبيه الذي كاد الشرطي أن يقبض عليه متهمه إياه بالسرقة، ولكنه ينجو بإيقاظ أخيه وليد، والقصة سهلة التراكيب ناصعة في مضمونها.
أما الكاتب محمد الشلبي ففي مقالته: \"القراءة: الخطوة الأولى في أدب الأطفال\" نعيش معه في وجبات للغذاء الروحي، فتبين لنا أهمية القراءة للأطفال في إكسابهم المهارات اللغوية، وفي إثراء حياتهم، وتطوير علاقاتهم الاجتماعية، والألفة مع أقرانهم كما تزودهم بالترفيه والمتعة، وفي المقالة نضج في العرض والمعالجة، نال إعجاب الحضور، وهو من المشاركين لأول مرة في ملتقى الإبداع للشباب.
وأخيراً، تأتي مقالة \"عودة الكتاتيب\" للكاتب أيمن ذو الغنى لتعالج موضوعاً ذا أهمية عظيمة، وهو ضرورة جذب أطفالنا لحفظ القرآن الكريم من خلال أسلوب التشويق والتشجيع، بعيداً عن التنفير والتعقيد، أما أسلوب المقالة فجاء جزلاً فصيحاً مازجاً بين الصور الأدبية الحديثة، والصور التراثية كما عودنا الكاتب في كثير من مقالاته
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد