التعليم الإلكتروني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يتزايد معدل الإنفاق في العالم العربي على التعليم الإلكتروني بشكل ملحوظ خلال الأعوام الماضية. فمن المتوقع وفق الإحصاءات المحلية ـ على سبيل المثال ـ أن يرتفع الإنفاق على التعليم الإلكتروني في الإمارات من 14 مليون دولار في هذا العام، إلى أكثر من 56 مليون دولار مع مقدم عام 2008. ولذلك أولى مؤتمر أونلاين إيديوكا اهتماماً كبيراً بالشرق الأوسط هذا العام، وظهر ذلك من خلال عقد منتدى الشرق الأوسط الذي سيقام في اليوم الأول من أيام المؤتمر. وفي حوار مع مدير المنتدى الدكتور باسم خفاجي، رئيس جامعة النهضة للتعليم الإلكتروني في مصر (أول جامعة من نوعها في الوطن العربي) ومدير التخطيط والتطوير في مؤسسة وسائط، تحدث عن مستقبل التعليم الإلكتروني في المنطقة، وأهمية التعليم في التطور الاجتماعي في المنطقة.

 

س: ما هو واقع التعليم الإلكتروني في المنطقة العربية؟

ج: لا بد أن نتفق ابتداء على أن العالم العربي ليس كيانا واحداً متماثلا، رغم ما يربطه من وحدة اللغة والدين والحدود الجغرافية. فالعالم العربي متنوع من ناحية الثقافات المحلية والقدرات الاقتصادية ودرجة الاهتمام بالتعليم، وتنوع الخصائص الاجتماعية والسكانية. ولذلك فنحن سنتحدث عن ملامح عامة، وليس تحليلاً دقيقاً لواقع قد يختلف من دولة لأخرى.

لا شك أن التعليم والتدريب الإلكتروني ظاهرة حديثة نسبياً في العالم العربي، مقارنة بدول العالم الغربي، فلم يظهر الحديث الجاد عن التعليم الإلكتروني إلا في الأعوام القليلة الماضية، واهتم الجانب التجاري بهذا الموضوع أكثر من الاهتمام الأكاديمي في بداية الأمر.

لقد كان التدريب الإلكتروني إحدى الوسائل التي ظهرت من خلالها أهمية التعليم الإلكتروني في العالم العربي، من خلال الشركات العالمية التي جاءت إلى المنطقة ومعها برامج تدريب متكاملة تعتمد بشكل رئيس على الحاسبات الإلكترونية وشبكة الإنترنت. ولكن مع الوقت ظهر اهتمام متزايد بالتعليم الإلكتروني من قبل القائمين على التعليم الأكاديمي، سواء في الجامعات أو في المدارس العامة أو الخاصة.

وحيث إن التعليم الجامعي في معظم العالم العربي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحكومات، فإن الاهتمام بالتعليم الإلكتروني قد بدأ يظهر بشكل واضح من خلال كلمات المسؤولين عن التعليم في العالم العربي، وسيوفر ذلك في الغالب الميزانيات اللازمة لتطوير هذا النظام الجديد من أنظمة التعليم المتقدم. وتظهر كل من: مصر، الإمارات، السعودية، والأردن على قائمة الدول التي بدأت تولي اهتماماً ملحوظاً لبرامج التعليم الإلكتروني في المنطقة.

 

س: ما أهم التحديات التي تواجه التعليم الإلكتروني، سواء من النواحي التقنية أو التعليمية؟

ج: لا شك أن العائق الأساسي في بداية الأمر كان يتمحور حول الوصول إلى شبكة الإنترنت. فالعالم العربي لا يزال متأخرا عن كثير من دول العالم في سرعة وكفاءة البنية التحتية لشبكة الإنترنت، ما يؤثر على أفكار وبرامج التدريب والتعليم الإلكتروني التي تحتاج إلى شبكات ذات كفاءة وسرعة عالية. كما أن العالم العربي لا يزال يعاني من ارتفاع تكلفة الدخول على الإنترنت، وإن كانت بعض الدول العربية قد خطت خطوات مهمة في هذا المجال، ومن بينها مصر التي قامت بدعم تكلفة دخول المواطنين والشركات إلى شبكة الإنترنت، وكذلك دعم تكلفة خطوط الإنترنت فائق السرعة، وهي خطوة رائدة ومهمة في المنطقة العربية. وأتمنى أن تتكرر في باقي الدول لإتاحة الدخول إلى الشبكة إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين الجادين بالاستفادة من الإنترنت كوسيلة معرفة وتعليم، وليس فقط تسلية.

أما المشكلة الثانية التي تواجه التعليم والتدريب الإلكتروني في العالم العربي ـ في نظري ـ فهي المتعلقة بالجوانب الاجتماعية، وأساليب التلقي والتعلم في الثقافة العربية. فمن المعروف لدى المهتمين بأساليب التعلم في العالم العربي أن الشخصية العربية تميل إلى ثقافة المشافهة والاستماع كأفضل وسائل التعلم مقارنة بالقراءة والكتابة. ولذلك فإن أسلوب التلقي والتعلم للمواطن العربي له خصوصيته مقارنة بأساليب التعلم الشائعة في الثقافة الغربية. ولذلك فالكثير من الحلول التقنية المرتبطة بالتعليم الإلكتروني، والتي أنتجتها الشركات العالمية الكبرى تستند إلى ثقافة التعلم والمعرفة الغربية، وهي مختلفة كثيراً عن الثقافة العربية في ذلك. ولذلك فهناك حاجة ماسة إلى تطويع الحلول العالمية لتتناسب مع الثقافة العربية وليس العكس، إن أردنا للتعليم الإلكتروني النجاح والاستمرار في المنطقة العربية.

وكنت دائماً أضرب لبعض الأصدقاء مثلاً عن الفارق الأساسي في أسلوب التعامل مع المعلومة بين الثقافتين العربية والغربية، فقد احتككت بشكل مباشر مع كل منهما. فعندما تعطي ورقة مكتوبة لشخص غربي وشخص عربي..تجد في الغالب أن كلا منهما يتعامل معها بشكل مختلف عن الآخر.الشخص الغربي يقرأ الورقة أولاً ثم يناقشك في محتواها.أما الشخص العربي فيسألك أولاً عن محتواها ليقرر هل يقرؤها أم لا؟ ورغم بساطة المثال إلا أنه يبين اختلافاً جوهرياً في أسلوب التعلم. ويلاحظ من يكثرون السفر بين الغرب وبين بلدان العالم العربي أن معظم ركاب الطائرة من الغربيين يقرؤون شيئا ما.. ومعظم الركاب العرب يتحدثون في أمر ما.. وليس هناك ما يدل على أن العربي أقل ثقافة من الغربي بهموم العالم، ولكن أسلوب التلقي مختلف، وكذلك أساليب التعلم والتعليم.

وبما أن التعليم الإلكتروني يعتمد بشكل كبير على التواصل المرئي والمسموع مع المتعلم، فمن المتوقع أن يكون مقبولاً لدى المواطن العربي في حال تجاوز المشكلات التقنية والمالية المتعلقة بالدخول على شبكة الإنترنت.

كما أن إحدى المشكلات الاجتماعية المرتبطة بالتعليم الإلكتروني في هذه المرحلة في الشرق الأوسط أن الإنترنت ينظر لها من قبل الأسرة العربية حتى الآن على أنها وسيلة ترفيه وليست وسيلة تعليم. ولذلك فقد يحتاج العالم العربي إلى حملات توعية ترعاها الدول والمنظمات الأهلية والمؤسسات الأكاديمية لتغيير هذه الصورة النمطية التي استقرت لدى الأسرة العربية حول الإنترنت.

أما العائق الأخير فهو الاعتراف الرسمي للقطاع الأكاديمي. فنحن بحاجة ماسة إلى تطوير نظام اعتراف ومعايير للتعليم الإلكتروني، بشكل أساسي لزيادة قبول التدريب المعزز إلكترونياً في القطاعين الأكاديمي والعام.

 

س: باعتقادك ما هو الحافز الأساسي للحكومات كي تدعم التعليم الإلكتروني؟

ج: إن هناك اهتماماً جدياً برفع مستويات التعليم لجميع فئات السكان. بما في ذلك تعليم النساء، حتى عندما يفضل المحافظون والتقليديون في المجتمع بقاء المرأة في محيطها المحلي. والتعليم الإلكتروني يلبي بشكل ممتاز هذه الشروط الخاصة للثقافة العربية لأنه يمكن المرأة من التعلم في المنزل.

ولا يخفى عنا أن للتعليم أهمية قصوى في الدول العربية لأن الموارد الطبيعية، مثل النفط، ستنضب عاجلاً أم آجلاً. وفي سياق العولمة الجارية يبحث الشرق الأوسط عن فرص للتعاون مع الثقافة الغربية. ونحن ببساطة نحتاج إلى تعليم جيد وقوي على أسس اجتماعية عريضة لإنجاح مثل هذا التعاون.

 

س: ما الذي يقوم به قطاع الصناعة لدعم هذه الجهود؟

ج: ما زالت الشركات التي تتعامل مع التعليم الإلكتروني قليلة. فعدد مقدمي المحتويات الرقمية العرب من مزودي التعليم الإلكتروني قليل، وتواجه الشركات الدولية صعوبات معينة عندما تحاول دخول أسواقنا. حيث أن ثقافتنا تستخدم أنماط تعليم مختلفة كما ذكرت سابقاً. وبرامج التعليم وLMS المقدمة من قبل شركات التعليم الإلكتروني الدولية الكبرى لا تنسجم دائماً مع ثقافتنا، إن تصميم البرامج بالروح والثقافة المحليتان هام جداً.

 

س: ما هي نظرتك الشخصية لمستقبل التعليم الإلكتروني؟

ج: إنني أتوقع سوقاً سريع النمو في العالم العربي. إن معدل الأموال التي تنفق على التعليم في الدول العربية أعلى بكثير من المعدل العالمي. إن هناك اهتماماً قوياً بالتعليم، يحفزه التغييرات الواسعة في الأنظمة الاقتصادية المحلية والعالمية.

وفي القطاع الخاص وقطاع الشركات نجد أن الاهتمام بالتعليم الإلكتروني هائل جداً لأن الشركات تنظر للتدريب الإلكتروني كخيار أقل تكلفة من التدريب التقليدي. كما أن الدعم الحكومي هام ومؤثر وكذلك دعم الهيئات الدولية المهتمة بالتعليم. ويعتبر التعليم من المتطلبات الرئيسية للتبادل الثقافي بين العرب والعالم الغربي.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply