بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله - تعالى -: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون: 1 – 2).
هذه شهادة من الله تعالي بفلاح المؤمنين الذين إذا قاموا بين يدي ربهم - عز وجل - لأداء تلك الفريضة العظيمة، قاموا بقلوب ساكنة مقبلة خاشعة لا يلتفتون إلى الوساوس والخطرات التي لا يمكن للمصلي أن يسلم منها، ولكنهم لا يسترسلون معها، فبمجرد أن يأتيهم الشيطان ليخرب عليهم صلاتهم وعبادتهم وتذكيرهم بأمور لم تكن على بالهم، وقد يذكرهم بأمر قد مر عليهم منذ سنوات طويلة، فيأتي الشيطان ويضعه أمام أعينهم لكي يصرف قلوبهم عن ربهم وعن خشوعهم في صلاتهم، ولكن سرعان ما يتذكر ذلك العبد المؤمن أنه واقف بين يدي ربه مقبل عليه وأن ليس له من هذه الصلاة إلا ما كان قلبه حاضراً فيه، فتجده يقبل على ربه - عز وجل - إقبالاً تاماً قد نسي بالله كل شيء سواه، وهذا من أتم وأكمل النعم على العبد، فإن أعظم نعمة ينعمها الله على عبده بعد نعمة الإسلام والإيمان هي نعمة العبادة، وأعظم نعمة في العبادة أن يصيب المرء فيها أمران، وهما صواب العبادة وإتمامها على الوجه الذي يرضي الله - عز وجل -، والإخلاص والخشوع فيها.
ولقد جعل الله - تعالى -فلاح العبد الموجب لدخول الجنة وفوزه في الدنيا والآخرة أو صفات المفلحين الخشوع في الصلاة، فهي حال أهل الفضل، وقد ذكر الله - تعالى -الخاشعين في الصلاة بأنهم أعرف الناس بالآخرة وأصدقهم إيماناً بها، فقال - تعالى -: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون) ولذلك لا خشوع إلا بذكر عظمة الله ومعرفته من خلال أسمائه وصفاته ولا خشوع إلا بذكر الآخرة والخوف من المآل والمصير، ولذلك كانت هذه النعمة العظيمة والمنة الجليلة الكريمة من الله - تعالى -على عباده المؤمنين، وقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يجعله من أهل الخشوع، فقال: اللهم إني أسألك قلباً خاشعاً، وقال: اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع.
فقد استعاذ بالله - تعالى -من حرمان الخشوع، لأن من رزق الخشوع رزق الخير الكثير في دينه ودنياه، فإنك قد تجد العبد يصلي بجوار العبد والكتف بالكتف ويكون بينهما من الأجر والثواب كما بين السماء والأرض، هذا مقبل على ربه خاشعاً بين يديه متذلل متضرع يسأل الله من فضله ويرجو رحمته ويخشى عذابه، والآخر ساه لاه لا يدري كم صلى من صلاته، فهو عهده بالصلاة إذا كبر وعهده بها إذا سلم والمحروم من حرم نعوذ بالله من الحرمان والخذلان، وهاهم أئمة السلف الأخيار من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين كانوا إذا كبروا ودخلوا بين يدي ربهم في الصلاة خشعوا وخضعوا وتمسكوا وتذللوا، فقد كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إذا كبر في الصلاة أصبح كالعود أي يثبت فلا يتحرك منه شيء كأنه عود قائم في الأرض، وكان عبدالله بن الزبير - رضي الله عنهما - من أخشع الناس في الصلاة، كان إذا صلى لا يلتفت إلى شيء حتى ولو رأى الموت بين عينيه، ولكن لو تأملنا في بعض المصلين اليوم لوجدناه قائماً بين يدي ربه بلا خشوع ولا تضرع، تجد أحدهم قد التفت بقلبه وجوارحه عن الله - تعالى -غير مبال بعظم ذلك الموقف وتلك المناجاة، ولكن لو دعي للوقوف بين يدي مخلوق لا يملك له نفعاً ولا ضراً ولا رزقاً ولا حياة ولا نشورا، فقد يعظمه والله أعظم من كل شيء، ويقف بين يدي هذا المخلوق خاشعاً ذليلاً متفنناً بالعبارات الجميلة وتجده أيضاً يغلق جميع السبل التي قد تؤدي إلى إزعاج هذا الشخص من تلفونات وغيرها، وهذا لأنه واقف متم للوقوف هيبته وتوقيره واحترامه، فأقول لمن كانت هذه حاله انتبه ونج نفسك من مكائد الشيطان لتفوز في الدنيا والآخرة، واقبل على ربك الذي لا غنى لك إلا به واعرض عمن سواه لعلك تدخل في قوله - تعالى -: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون).
جعلنا الله وإياكم منهم..-آمين-.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد