تخيل نفسك ميتا


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

أكثر ما نخشاه في حياتنا الدنيا هو الموتº فهو هادم اللذات ومفرّق الجماعات، وتذكّر الموت ربما يعني بالنسبة لبعضنا الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة، وأن التسليم بهذه الحقيقة والاستعداد الجيد لمواجهتها هو أنسب وسيلة للتأقلم والتكيف معها، وفي هذه الحالة تجد أن الإيمان التام بهذه الحقيقة، وتذكّرها بصفة مستمرة يجعل الإنسان أكثر سعياً نحو إرضاء الخالق - عز وجل - في حياته الدنيا طلباً للسعادة في مرحلة ما بعد الموت.

 

بينما قد يعني الموت للبعض الآخر منغّصاً لسعادة الإنسان ومقلقاً لراحته ومهدّداً لطموحاته وآماله في هذه الحياة، ومن ثم فإن الوسيلة الملائمة لمواجهته من وجهة نظر هؤلاء الناس هو تجاهله وعدم التفكير فيه وسرعة الخلاص من أية أفكار أو وساوس أو مواقف تُذكّر بالموت، بالطبع هؤلاء البعض يخسرون كثيراً بتبنيهم هذا النهج في التفكيرº لأنهم في الواقع يهربون من المصير المحتوم، ومن ثم يفقدون فرصة تعديل سلوكيّاتهم وأخلاقهم ونظرتهم للحياة بما يدعم موقفهم في مواجهة هذا المصير.

 

إن الله - سبحانه وتعالى - إذا أحب العبد ذكّره بالموت، وكل إنسان منا ربما يقبل على الطاعة والعبادة وفعل الخيرات بكل حماس عندما يتذكر الموت أو يعيش موقفاً يصنعه الموت.

دعونا نفكّر في هذا الأمر من زاوية معينة بالتحديد، تلك الزاوية ترتبط بعلاقاتنا الإنسانية والاجتماعية في هذه الحياة. بمعنى أدق كيف تؤثر فكرة تخيّل الموت على علاقات الإنسان بمن حوله في هذه الحياة؟ تخيل نفسك وقد متّ بالفعل، ماذا ستكون مشاعر الناس نحوك؟ هل سيفرحون لموتك؟ هل سيحزنون؟ هل سيلتزمون الحياد في مشاعرهم، هل سيتذكرونك بالخير؟ هل سيتذكّرونك بالشر؟ هل سيدعون لك؟ هل سيدعون عليك؟ هل سيتذكّرونك طويلاً؟ هل سينسونك سريعاً؟ هل سيصلون أهلك من بعدك؟ هل سيفتقدهم أهلك من بعدك؟ وأهلك هل سيتذكّرونك دائماً بصالح الدعاء أم سيذكُرونك بأخطائك في حقهم وتقصيرك معهم؟

 

عزيزي القارئ التفكير بهذا المنطق في حد ذاته ربما يثير عاصفة التغيير في حياة الإنسان وطريقة إدارته لعلاقته الأسرية والاجتماعية. فالإنسان عندما يحبه الله فإنه يحبب فيه خلقه، وحب الناس أمر لا ينبغي أبداً تجاهله أو التقليل من شأنهº لأنه يعكس إلى حد كبير سلوك الإنسان وطباعه في هذه الحياة. فأنت عندما ترجو أن يدعو لك الناس بعد وفاتك ستبادر بفعل كل ما يعود عليهم وعليك بالخير والثواب.

وعندما تريد أن يتذكرك الناس بطيبة قلبك ووجهك البشوش ستحرص على تنقية قلبك بصفة مستمرة، وستحرص على الابتسام في وجه كل من تتعامل معه ولهذا كان تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وعندما ترغب في أن يدعو لك أولادك بالخير ستفعل معهم كل ما من شأنه يعود عليهم بخير الدنيا والآخرة، وعندما ترغب في أن يكون لديك ولد صالح يدعو لك في موتك ستبذل أقصى ما في وسعك كي يكون أبناؤك جميعاً من الصالحين. وعندما ترغب في أن يتواصل أحباؤك وأقرباؤك وأصدقاؤك مع أهلك وأبنائك ستحرص على أن تصلهم في حياتك.

أما إذا كان كل هذا لا يعنيك، وتنظر فقط تحت قدميك وتعيش بمبدأ \"أنا ومن بعدي الطوفان\" بالتأكيد في هذه الحالة أنت لست بحاجة إلى تخيّل أنك ميت، فأنت ميّت بالفعلº لأن قلبك في الواقع لا ينبض بحبّ مَن حولك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply