بسم الله الرحمن الرحيم
صفحة بيضاء \" نقية من الذنوب اللهم لا تعذب من دل عليك...وإن كنت يا خالقي معذبي فأخفي هذا عن أحبتي... والله لو أدخلتني النار سأهتف فيها أني أحبك يا غفار...
أنت الذي آويتني وحبوتني *** وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب محبة *** والعطف منك برحمة وحنان
ونشرت لي في العالمين محاسنا *** وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البرية شائعا *** حتى جعلت جميعهم إخواني
فلك المحامد والمدائح كلها *** بخواطري وجوارحي ولساني
كعب بن مالك وصفحة بيضاء تفيضِ دموعِهم حزناً أن لا يجدوا ما ينفقون. ويرجفُ المرجفون (لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدٌّ حَرّاً لَو كَانُوا يَفقَهُونَ) (التوبة: الآية81). (ومنهم من يَقُولُ ائذَن لِي وَلا تَفتِنِّي) وفِي الفِتنَةِ وقع، فر من الموت وفي الموت وقع. ومنهم رجالٌ تخلفوا عن ركب المؤمنين، لا عن شكٍ, ولا عن نفاقٍ, لكن غلبتُهم أنفسُهم، وأدركَهم ضعفَهم البشري مع سلامةِ إيمانهم ومعتقدِهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم. على رأسِ هؤلاء صحابيٌ جليل، إنه كعب بن مالك لنقفَ مع صفحةٍ, من صفحاتِ حياتِه، تتضمنُ قصةَ الخطيئةِ، وحقيقةَ التوبةِ أهيَ قولٌ باللسانِ أم هيَ الندمُ الدافعُ لعملِ الجوارحِ والأركان والتأثرُ البالغُ في النفسِ والجنان. راويها صاحب المعاناة فيها، فيقول: \"وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) في تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي راحلتان قبلها قط، ولم يكن رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزاة، في حر شديد واستقبل سفرا بعيد ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجه الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) كثير لا يكاد يجمعهم كتاب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى ما لم ينزل وحي الله. وغزا رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) والمسلمون معه، يقول فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقضي شيً، فأقولُ في نفسي أنا قادرٌ عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، وأصبح رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) والمسلمون معهم ولم أقضي من جهازي شيئا، فقلت أتجهز بعده بيومٍ, أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا. قال فلم يزل بي ذلك حتى أسرعوا وتـفارط الغزو وفات، وهممت أن ارتحل فأدركهم - وليتني فعلت - معاشر المؤمنين: هذه والله ليست مشكلةُ كعبٍ, فحسب، إنها مشكلةٌ كبيرةٌ في أمة الإسلام، مشكلةٌ التسويف، استطاع الشيطانُ أن يلج إلينا من هذا البابِ الواسع ونحنُ لا نشعرُ، حالَ بينَنا وبين كثيرِ من الأعمالِ قد عزمنا على فعلها، فقلنا سوف نعملها ثم لم نعمل: كم من غنى قال أتصدق وأخرج زكاة مالي وتجارتي حتى أدركه الموت ولم يتصدق. كم من مذنبٍ, قال سوف أتوب فداهمَه الموتُ وما تاب. كم من باغٍ, للخيرِ عازم عليه وأدركَه الموتُ ولم يستطع ذلك حال بينَه وبين الخيرِ سوفَ. كم من عازمٍ, على الحج وقد تيسر له حتى داهمه الموت ولم يحج. فالحزم الحزمَ بتداركِ الوقت وترك التسويف فإن سوف جنديٌ من جنودِ إبليس. فأطرح سوف وحتى.... فهما داء دخيل ولم يذكرني رسولَ الله (- صلى الله عليه وسلم -) حتى بلغَ تبوك فقال وهو جالسُ بين أصحابِه: ما فعلَ كعب؟ فقال رجلُ من بني سلَمة: يا رسول الله حبسَه برداه ونظره في عطفيه (أي إعجابه بنفسه). فقال معاذ وقد استنكرَ الأمرَ: بئس ما قلت، واللهِ يا رسولَ الله ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكتَ (- صلى الله عليه وسلم -). معاشر المؤمنين: إن معاذً - رضي الله عنه - لم يسَعَه السكوت وهو يرى من ينالُ من عرضِ أخيه المسلم فبادرَ بالإنكار، لم تغلبه المجاملة فيسكتَ كما يفعلُ البعض، كيف يسكت وهو يعلم قول رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -): (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وقال: \" من رد عن عرض أخيه رد الله عن عرضه وعن وجهه النار يوم القيامة). وهو يعلم أيضا أن الساكت كالراضي، والراضي كالفاعل فلينتبه. يقول كعب: فلما بلغني أنه توجَه قافلا (يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب وأقولُ: بماذا أخرج من سخط رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) غدا؟. واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلم قيل إن رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) قد أظل قادما، زاح عني الباطلَ وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيءٍ, في كذب فأجمعتُ صدقَه ويا له من رأي. وقدم (- صلى الله عليه وسلم -) ثم جلسَ للناسِ، وجاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له فقبلَ منهم علانَيتهم ووكل سرائرَهم إلى الله وهذا هو منهجنا. وجئته فلما سلمت عليه تبسمَ تبسم المُغضب ثم قال تعال، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال: ما خلفَك يا كعب، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلتُ يا رسولَ الله: والله لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطِه بعذر، واللهِ لقد أُعطيتُ جدلا، ولكني والله لقد علمتُ أني لإن حدثتُك اليومَ حديثِ كذبٍ, ترضى به عني، ليوشكَن اللهَ أن يسخطَك علي، ولأن حدثتُك حديث صدقٍ, تجد علي فيه إني لأرجُ فيه عفو الله، واللهِ يا رسولَ الله ما كان لي من عذر، والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفتُ عنك. فقال (- صلى الله عليه وسلم -) أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضيَ الله فيك. علم كعبُ أن نجاتَه في الدنيا والآخرةِ إنما هي في الصدق، وقد هدي ووفق للصواب، والموفق من وفقه الله. يقول كعب: فقمتُ وثار رجال من بني سلمة فأتبعوني وقالوا لي: واللهِ ما علمناك يا كعبُ قد أذنب ذنبا مثل هذا، أو قد عجزت أن لا تكونَ اعتذرتَ إلى رسولِ الله بما اعتذر إليه المخلفون، قد كان كافيك ذنبَك استغفارُ رسولُ الله (- صلى الله عليه وسلم -) لك. يقولُ فواللهِ ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجعَ فأكذبَ نفسي. ما أشد خطر صديق السوء، كاد يهلك بسبب بني عمومته الذين يظهرون بمظهر الناصح المشفق، وهم يدفعون به إلى واد سحيق من الهلاك هلك به جمع كبير من المنافقين. تجدهم يتهمون الصادق بأنه طيب القلب غر لا يحسن المراوغة ولا المخارج، ويصفون الكاذب بالذكي الألمعي العبقري، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم. أرأيت لهؤلاء عندما وصفوا الأمر لكعب بأنها أول كذبة ولا ضير منها، وسيعقبها استغفار رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) بعد ذلك، كل ذلك وسائل لتزيين الباطل يبهرجها قرين السوء من حيث شعر أو لم يشعر فلينتبه. فمن العداوة ما ينالك نفعه... ومن الصداقة ما يضر ويألم المقاطعة لكعب وصحبه، تربية وتصفية لهم يقول كعب: ونهى رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) المسلمين عن كلامنا من بين كل من تخلف عنه، قال فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي الأرضُ فما هي بالأرضِ التي أعرف، ولبثنا على ذلك خمسين ليلةً، وكنتُ أشد القوم وأجلَدَهم فكنتُ أخرجُ فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف الأسواق فلا يكلمني أحد،، وآتي رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) وهو في مجلسِه بعد الصلاة فأسلمَ عليه فأقولَ في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا. ثم أصلي قريباً منه فأسارقَه النظر فإذا أقبلتُ على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت إليه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيتُ حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابنُ عمي وأحبُ الناسَ إلي، قال فسلمت عليه، فواللهِ ما ردَ علي السلام. فقلتُ له نشدتُك الله هل تعلمني أحبُ اللهَ ورسولَه؟ فسكت. فنشدتهُ فسكت، فأعدتُ عليه فنشدته فقال اللهُ ورسولُه أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار أهيمُ على وجهي. وأنظر- يا رعاك الله- كيف تكاتف المجتمع المسلم بكاملة، وامتثل الأمر الموجه إليه، فلا أحد يكلمه، حتى ولو كان ذلك في غيبة أعين الرقباء، نعم إن الرقابة لله، حتى ولو كان ابن عمه، نعم إن المراقبة لله. أضر شيئا على المجتمع أن يجد أهل الفسق والفجور صدورا رحبة تحتضنهم وترضى عنهم وتبجلهم وتقدرهم، ولو أن العصاة والمنحرفين وجدوا مقاطعة وازدراء عاما لكان دافعا إلى أن يرشد الغاوي ويستقيم المعوج ويصلح الطالح. إنه الأسلوب التربوي العميق المتمثل في تلك المقاطعة النفسية والاجتماعية التي شملت مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، في الأسواق، في المساجد، مع الأصدقاء، بل حتى مع الزوجة. كان لذلك تأثير عميق على النفوس الخيرة التي تعودت أن تألف وتُألف وذلك عين الحكمة من رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) التي تقضي باللين في مكانه، والشدة في مكانها، وهذا ما يحتاجه الناس في دعوتهم، وتعاملهم وتربيتهم لمن تحت أيديهم. معاشر الفضلاء يقولُ كعبٌ: فبينا أنا أمشي في سوقِ المدينة إذ نبطي من أنباط أهلِ الشامِ يقول: من يدل على كعب؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع لي كتابا مِن مَن؟ من ملك غسان، فإذا فيه أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك (يعني رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) قد جفاك، ولم يجعلُك الله بدارِ هوانٍ, ولا مضيعة فألحق بنا نواسك. فلما قرأتها قلت أيضا هذا من البلاء، هذا من الامتحان فيممت بها التنور وسجرته بها أى أحرقتها معاشر المؤمنين: إن المسلم قد يخطأ ولكنه لا يعالج الخطأ بخطأ آخر، إن وسيلة المعصية يوم تكون قريبة فإنها تذكر بالمعصية، وتفتح للشيطان باب الوسوسة والمراودة الكرة بعد الكرة، أما كعب فقد تخلص من هذه الوسيلة فأحرقها حتى يغلق مثل هذا الباب - رضي الله عنه - وأرضاه وهذا هو الحل. إن آلة المعصية التي توجد في المنازل، في المكاتب، وفي غيرها، (من آلات موسيقية، مجلات ماجنة، خطابات غرامية، صور، أفلام، شرائط كاسيت) يوم تترك فإنها مدعاة لأن يضعف أمامها يوما ما، ويعاود القرب منها والممارسة لها إلا من عصم الله، فلينتبه وليتخلص منها كما فعل كعب بالرسالة. يقولُ كعب: فكنتُ إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) أحزنني أن لا أرى أسوة لي إلا رجلاً مغموصا علي النفاق، أو رجلا ممن عذره الله من الضعفاء واللذين لا يجدون ما ينفقون. استنفرِ رسولُ الله (- صلى الله عليه وسلم -) أصحابه لملاقاة الروم، في أيامٍ, قائظة وظروفٍ, قاسيةٍ,، ونفقاتٍ, باهظةٍ,، وعلى الجانب الآخر، طابت الثمار، واستوى الظلال، وعندها بدأ الامتحانِ يأتي المعذرون ليُؤذنَ لهم، ويقعدَ الذين كذبوا اللهَ ورسولَه، ويتولى الذين لم يجدوا ما يُحملونَ عليه ولا يزال البلاء والتمحيص بكعب، حتى أمر باعتزال زوجته فامتثل الأمر واعتزلها وطلب منها اللحاق بأهلها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. يقولُ كعب: وكملت لنا خمسون ليلةً وأنا على ظهرِ بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكرها الله في ما بعد قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرضُ بما رحبت، سمعتُ صوتَ صارخٍ, أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعبَ أبشر بخيرِ يومٍ, مر عليكَ منذُ ولدتكَ أمك. قال فخررتُ ساجداً شاكراً لله - عز وجل -، وعرفتُ أن قد جاء الفرج. فلما جاءني الذي بشرني، نزعت له ثوبيَ فكسوته إياهما، والله ما أملك غيريهما، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -)، ودخلتُ عليه في المسجد، فإذا هو جالس والناس حولَه جلوس فقام إلي طلحةُ فرحا مغتبطا يهرولُ حتى صافحني وهنأني، وللهِ ما قام إلي رجلٍ, من المهاجرينَ غيرَه و ولله ما أنساها لطلحةَ - رضي الله عنه -. الله أكبر ما أعظمَه من تعاملٍ, لصحابةِ مع أخيهم، بالأمسِ القريب لا يتحدثونَ معه، ولا يردون - عليه السلام -، واليوم يتنافسون في من يصلَ إليه أولاً ليبلغه نبأ التوبة. إنه حبُ الخيرِ لأخيهم كما يحبونَه لأنفسِهم ولكن تحت ضوابط الشرع وأوامرَ الشارع. قال كعب: فسلمت على رسولِ الله (- صلى الله عليه وسلم -)، فقال وهو يبرق سرورا وجهُه كأنه فلقة قمر: أبشر يا كعب بخير يومٍ, مر عليك منذ ولدتك أمك. فقلت أمن عندك يا رسولَ الله أم من عندِ الله؟ فقال بل من عندِ الله، فحمد الله وأثنى عليه. (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِمَا رَحُبَت وَضَاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنٌّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). (التوبة: 118) وفاز الصادقونَ بصدقهم، وحبطَ عملُ الكاذبين واللهُ لا يهدي القومَ الفاسقين، وظهر الاعتبارُ بكمالِ النهايةِ لا بنقصِ البداية. و جلسَ كعبُ بين يدي رسولِ الله (- صلى الله عليه وسلم -) قائلاً يا رسولَ الله: إن من توبتي أن أنخلعَ من مالي صدقةً إلى لله ورسولِه. فقال - عليه الصلاة والسلام -، أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. ثم يعلنُ - رضي الله عنه - فيقول يا رسول الله: إن الله إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدثّ إلا صدقاً ما بقيت. يقول كعبُ فواللهِ ما علمتُ أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدقِ الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسولِ الله (- صلى الله عليه وسلم -) أحسن مما أبلاني الله به. ولله ما تعمدتُ كذبةً منذ قلت ذلك لرسولَ الله (- صلى الله عليه وسلم -) إلى يومِ هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله في ما بقيت، ولله ما أنعمَ الله علي نعمةٍ, قط بعد أن هداني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي لرسولِ الله (- صلى الله عليه وسلم -). وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه-: «قد يبلغ الصادق بصدقه. ما لا يبلغه الكاذب باحتياله.
شيشاني في الستين يحج على متن دراجة هوائية
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي قال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه\" اذهب إلى الحج يا محمود.. كيف يا أماه؟ فأجابتني \"لديك دراجة والله معك\" كانت هذه الرؤيا المبرر الرئيسي الذي جعل المواطن الشيشاني \"دزانار محمود علي\" -63 عامًا- يقرر الذهاب بدراجته لأداء فريضة الحج هذا العام، قاطعًا 12 ألف كم، عبر خلالها 13 دولة حتى وصل إلى مكة. نصب خيمته أمام سفارة المملكة العربية السعودية للحصول على تأشيرة دخول للأراضي المقدسة.: \"تعجب موظفو القنصلية وظنوا أني مختلº لأنني خططت للذهاب إلى المملكة العربية السعودية بالدراجة\"، وبعد 18 يومًا من الإصرار منحوني التأشيرة وواصلت رحلتي إلى الجنوب إلى أن وصلت إلى إيران\". وقال: \"لم يكن بحوزتي تأشيرة لدخول العراقº لذا تعرض لي الجنود الأمريكيون بالضرب ودمروا دراجتي وألقوها على الأرض بقوة ووصفوني بـ(خنزير روسي)\". وحاول إقناعهم برحلته قائلاً: \"قلت لهم إنني لست روسيًّا، بل مسلمًا فأخذوا مني جواز سفري وصوَّروا علامة الصليب على غلافه\". وتم إجباره على العودة إلى إيران ليواصل رحلته إلى جورجيا عبر أرمينيا وبعدها غادر إلى تركيا، بيد أن تعرضه لهجوم من ذئبين في أحد الجبال التركية كان أكبر المصاعب التي تغلب عليها بإرادته القوية وبصبره وبدعواه إلى الله أن يحقق أمنيته بتأدية فريضة الحج وفقا لقوله. وكان إذا غلبه النعاس، كما يضيف، افترش الأرض متوجها إلى القبلة حتى إذا ما جاءته المنية \"مات على نيته\". بقي لمدة ثلاثة أيام دون طعام مكتفيا بالماء رغم قيام كل الأشخاص الذين قابلهم في رحلته بمساعدته، \"ولكن رحمة الله واسعة حيث منّ عليه بحبة جوز سقطت من فم طائر\" وجدها \"ألذ وجبة في حياته وأكثرها إشباعا على الإطلاق في حين رفض أي مساعدة مالية من أحد طلبا لمرضاة الله - عز وجل -\" بحسب قوله. ثم وصل إلى سوريا والأردن. وأخيرًا وصل إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج في رحلة قطع خلالها المسن الشيشاني 12 ألف كم بدلاً 5 آلاف كم، وهي المسافة بين مكة المكرمة ومدينة جروزني وبمجرد أن نزل الأراضي المقدسة نسي عناء السفر وانشغل بروحانيات الأراضي المقدسة، وقال لوكالة الأنباء الفرنسية: \"سألت الله المغفرة لأمي ولعائلتي والحرية لبلدي الشيشان\". مؤكدًا لهم أن الرحلة جاءت استجابة لرغبة أمه التي جاءته في المنام.
إذا هَبَّت رياحُـك فاغتنمها *** فإنّ لكـلِّ خافقـة سكـون
ولا تَغفُل عن الإحسان فيها *** فما تدري السكون متى يكون؟
من غرب إفريقيا إلى الكعبة سيرا
الشيخ الحاج عثمان دابو - رحمة الله من جمهورية جامبيا في أقصى الغرب الإفريقي، تجاوز الثمانين من عمره، يحدثنا عن رحلته الطويلة قبل خمسين عاماً إلى البيت العتيق، ماشياً على قدميه مع أربعة من صحبه من بانجول إلى مكة قاطعين قارة إفريقيا من غربها إلى شرقها، لم يركبوا فيها إلا فترات يسيرة متقطعة على بعض الدواب، إلى أن وصلوا إلى البحر الأحمر ثم ركبوا السفينة إلى ميناء جدة. رحلة مليئـة بالعجائب و المواقف الغريبة التي لو دوّنت لكانت من أكثر كتب الرحلات إثارة و عبرة، استمرت الرحلة أكثر من سنتين، ينزلون أحياناً في بعض المدن للتكسب و الراحة و التزود لنفقات الرحلة، ثم يواصلون المسير. تسأله: أليس حج البيت الحرام فرض على المستطيع، و أنتم في ذلك الوقت غير مستطيعين؟! قال: نعم ولكننا تذكرنا ذات يوم قصة إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - عندما ذهب بأهله إلى واد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، فقال أحدنا: نحن الآن شباب أقوياء أصحاء فما عذرنا عند الله - تعالى - إن نحن قصّرنا في المسير إلى بيته المحرم، خاصة أننا نظن أن الأيام لن تزيدنا إلا ضعفاً، فلماذا التأخير؟! خرج الخمسة من دورهم، وليس معهم إلا قوت لا يكفيهم أكثر من أسبوع واحد فقط، وأصابهم في طريقهم من المشقة و الضيق و الكرب ما الله به عليمº فكم من ليلة باتوا فيها على الجوع حتى كادوا يهلكون؟! وكم من ليلة طاردتهم السباع، وفارقهم لذيذ النوم؟! وكم من ليلة أحاط بهم الخوف من كل مكانº فقطاع الطرق يعرضون للمسافرين في كل واد؟! رب ليل بكيت منه فلمـــــــــــا صرت في غـيـــره بكيت عليــــــه قال الشيخ عثمان: لدغت ذات ليلة في أثناء السفر، فأصابتني حمّى شديدة و ألم عظيم أقعدني و أسهرني، و شممت رائحة الموت تسري في عروقي: فكان أصحابي يذهبون للعمل، وكنت أمكث تحت ظل شجرة إلى أن يأتوا في آخر النهار، فكان الشيطان يوسوس في صدري: أما كان الأولى لك أن تبقى في أرضك؟! لماذا تكلف نفسك ما لا تطيق؟! ألم يفرض الله الحج على المستطيع فقط؟! فثقلت نفسي وكدت أضعف، فلما جاء أصحابي نظر أحدهم إلى وجهي وسألني عن حالي، فالتفت عنه ومسحت دمعة غلبتني، فكأنه أحس ما بي! فقال: قم فتوضأ و صلّ، ولن تجد إلا خيراً بإذن الله (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) [البقرة: 45، 46]. فانشرح صدري، و أذهب الله عني الحزن، ولله الحمد. كان الشوق للوصول إلى الحرمين الشريفين يحدوهم في كل أحوالهم، ويخفف عنهم آلام السفر ومشاق الطريق ومخاطره، مات واحد منهم في الطريق، ثم مات الثاني ثم الثالث الذي مات في عرض البحر، واللطيف في أمره أن وصيته لصاحبيه قال لهما فيها: إذا وصلتما إلى المسجد الحرام، فأخبرا الله - تعالى - شوقي للقائه، واسألاه أن يجمعني ووالدتي في الجنة مع النبي (- صلى الله عليه وسلم -)
يعلو على الموت من تسمو إرادته *** وفي عزيمته صدق وإيمان
قال الشيخ عثمان: لما مات صاحبنا الثالث نزلني همّ شديد وغمّ عظيم، وكان ذلك أشد ما لاقيت في رحلتيº فقد كان أكثرنا صبراً وقوة، وخشيت أن أموت قبل أن أنعم بالوصول إلى المسجد الحرام، فكنت أحسب الأيام والساعات على أحر من الجمر. فلما وصلنا إلى جدة مرضت مرضاً شديداً وخشيت أن أموت قبل أن أصل إلى مكة المكرمة، فأوصيت صاحبي أنني إذا مت أن يكفنني في إحرامي، ويقربني قدر طاقته إلى مكة، لعل الله أن يضاعف لي الأجر، ويقبلني في الصالحين.
أنــــا الفقـير إلى رب البريــــــات *** أنـا المسيكين في مجـموع حـالاتـي
أنـا الظلوم لنفسي وهي ظالمتـــي *** والخيـر إن يأتنـا من عنـده يأتــي
لا أستطيع لنفســــي جلب منفعــــة *** ولا عن النفس لي دفـع المضـــرات
مكثنا في جدة أياماً، ثم واصلنا طريقنا إلى مكة، كانت أنفاسي تتسارع والبشر يملأ وجهي، والشوق يهزني ويشدني، إلى أن وصلنا إلى المسجد الحرام. وسكت الشيخ قليلاً.. وأخذ يكفكف عبراته، وأقسم بالله - تعالى - أنه لم ير لذة في حياته كتلك اللذة التي غمرت قلبه لما رأى الكعبة المشرفة! ثم قال: لما رأيت الكعبة سجدت لله شكراً، وأخذت أبكي من شدة الرهبة والهيبة كما يبكي الأطفال، فما أشرفه من بيت وأعظمه من مكان! ثم تذكرت أصحابي الذين لم يتيسر لهم الوصول إلى المسجد الحرام، فحمدت الله - تعالى - على نعمته وفضله عليّ، ثم سألته - سبحانه - أن يكتب خطواتهم وألا يحرمهم الأجر، وأن يجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. إقبال جاد على الطاعة، وإقبال لا يعرض عليه التكاسل أو التسويف، إقبال تهون فيه الآلام والأكدار، إقبال تتساقط تحته كافة العراقيل والعقبات.. إقبال بهمة صادقة وعزيمة عالية تنبع من قلب متعلق بمحبة الله والامتثال لأمره. فسبحان القائل: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) [الحج: 27]. تأمل في حال كثير من المسلمين في هذا العصر ممن تحققت فيهم الشروط الشرعية الموجبة لحج بيت الله الحرام، ومع ذلك يسوفون متباطئين عن الحج.. ! ألا يتذكر أولئك قول النبي (- صلى الله عليه وسلم -) \" من أراد الحج فليتعجلº فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة فقيراً جئتُ بابك يا إلهي.....
ولستُ إلى عبادك بالفقيرِ غنياً عنهمُ بيقينِ قلبي ..... وأطمعُ منك في لفضلِ الكبيرِ الهي
ما سألتُ سواك عونا...... فحسبي العونُ من ربٍ, قديرِ الهي ما سألتُ سواك عفوا..... فحسبي العفوُ من ربٍ, غفورِ الهي ما سألتُ سواك هديا..... فحسبي الهديُ من ربٍ, بصيرِ إذا لم أستعن بك يا الهي...... فمن عونيِ سواك ومن مجيرِ من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لاتطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه، وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب من علامات التوفيق: أن تدخل أعمال البر عليك مِن غيرِ قصدٍ, لها، وصرفُ المعاصي عنك مع السعي إليها، وفتح باب اللَّجاء والافتقار إلى الله - تعالى -في كل الأحوال، وإتباع السيئة الحسنة، وعظمُ الذنبِ في قلبك وإن كان من صغائر الذنوب، والإكثار من ذكر الله وشكره وحمده والاستغفار. قيل للإمام أحمد - رحمه الله -: \"كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ قال: دعوة صادقة من قلب صادق\".
ومن علامات الخذلان: تَعَسَّر الطاعاتِ عليك مع السعي فيها، ودخولُ المعاصي عليك مع هرَبك منها، وغلقُ باب الالتجاء إلى الله وتركُ التضرع له وتركُ الدعاء، وإتباع الحسنة بالسيئات، واحتقارك لذنوبك وعدمُ الاهتمام بها، وإهمال التوبة منها والاستغفار ونسيانُكَ لربك. ينغمس في أنهار الجنة كان ماعز شاباً من الصحابة.. متزوج في المدينة.. وسوس له الشيطان يوماً.. وأغراه بجارية لرجل من الأنصار.. فخلا بها عن أعين الناس.. وكان الشيطان ثالثَهما.. فلم يزل يزين كلاً منهما لصاحبه حتى وقعا في الحرام.. فلما فرغ ماعز من جرمه.. تخلى عنه الشيطان.. فبكى وحاسب نفسه.. ولامها.. وخاف من عذاب الله.. وضاقت عليه حياته.. وأحاطت به خطيئته.. حتى أحرق الذنب قلبه.. فجاء إلى طبيب القلوب.. ووقف بين يديه وصاح من حرّ ما يجد وقال: يا رسول الله.. إن الأبعد قد زنى.. فطهرني فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فجاء من شقه الآخرَ فقال: يا رسول الله.. زنيت.. فطهرني فقال - صلى الله عليه وسلم -: ويحك ارجع.. فاستغفر الله وتب إليه.. فرجع غير بعيد.. فلم يطق صبراً.. فعاد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله طهرني.. فقال رسول الله: ويحك.. ارجع فاستغفر الله وتب إليه.. قال: فرجع غير بعيد.. ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني.. فصاح به النبي - صلى الله عليه وسلم -.. وقال: ويلك.. وما يدريك ما الزنا؟.. ثم أمر به فطرد.. وأخرج.. ثم أتاه الثانية، فقال: يا رسول الله، زنيت.. فطهرني.. فقال: ويلك.. وما يدريك ما الزنا؟.. وأمر به.. فطُرد.. وأخرج.. ثم أتاه الثالثةَ.. والرابعةَ كذلك.. فلما أكثر عليه.. سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومَه: أبه جنون؟ قالوا: يا رسول الله.. ما علمنا به بأساً.. فقال: لعله شرب خمراً؟ فقام رجل فاستنكهه وشمّه فلم يجد منه ريح خمر. فقال - صلى الله عليه وسلم -: هل تدري ما الزنا؟ قال: نعم.. أتيت من امرأة حراماً، مثلَ ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً.. فقال - صلى الله عليه وسلم -: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني.. قال - صلى الله عليه وسلم -: نعم.. فأمر به أن يرجم.. فرجم حتى مات.. فلما صلوا عليه ودفنوه مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على موضعه مع بعض أصحابه.. فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا.. الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رُجم رَجم الكلاب.. !!! فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم -.. ثم سار ساعة.. حتى مر بجيفة حمار.. قد أحرقته الشمس حتى انتفخ وارتفعت رجلاه.. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أين فلان وفلان؟ قالا: نحن ذانِ.. يا رسول الله.. قال: انزلا.. فكلا من جيفة هذا الحمار.. قالا: يا نبي الله!! غفر الله لك.. من يأكل من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما نلتما.. من عرض أخيكما.. آنفا أشدٌّ من أكل الميتة.. لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم.. والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها.. فطوبى.. لماعز بن مالك.. نعم وقع في الزنى.. وهتك الستر الذي بينه وبين ربه.. لكنه تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم..
إلهـي لا تعذبـنـي فـإنـي مقر بالـذي قـد كـان منـي
وما لـي حيلـة إلا رجائـي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم من زلة لي فـي البرايـا وأنت علي ذو فضـل ومـن
إذا فكرت في ندمـي عليهـا عضضت أناملي وقرعت سني
أجن بزهـرة الدنيـا جنونـا وأفني العمـر فيهـا بالتمنـي
يظن الناس بي خيـرا وإنـي لشر الناس إن لم تعف عنـي
يقول الدكتور / أحمد عمار استشاري جراحة المخ والأعصاب: كنت أدرس جراحة المخ والأعصاب في السويد عام 1979م أي قبل ست وعشرين سنة، وذات يوم قمت بإجراء عملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في دماغ امرأة قد جاوزت الأربعين من عمرها و تمكنّا ولله الحمد من إزالة الورم، وشفيت المرأة بفضل الله... ثم بعد عشرة أيام دخلت عليها في غرفتهاº لأقوم بنزع (الغرز) من رأسها، وبينما أنا أعمل على إزالتها حركتُ مرفقي بلا شعور مني فدفعتُ صورة كانت بجوارها فوقعت على الأرض، فأهويت لكي أرفعها فإذا هي صورة كلب! فرفعتها على كُرهٍ, مني! فرأيت الامتعاض في وجهها، فقلت لها: إنه كلب!، فقالت: نعمº ولكنه الشخص الوحيد الذي ينتظر عودتي إلى البيت!. فعلمت أنه ليس في حياتها من يفرح لفرحها أو يحزن لحزنها إلاّ هذا الكلب!، فسألتني: من أين أنت؟! فقلت: من مصر، عربيٌ مسلم!، فأخذت تسمعني الازدراء لوضع المرأة عندنا، وكبت حريتها كما زعمت... فقلت: إن المرأة عندنا مكرمة مصونة، فهي كالجوهرة الغالية النفيسة، كلٌ يخدمها ويحوطها، زوجها يخدمها، وأبوها، وأخوها، وابن أخيها، وابن أختها،... كلهم في خدمتها، ولا تخرج إلى سوق أو عمل إلا ومعها أحد هؤلاء، حفاظاً عليها.. ليس شكاً فيها فحاشا وكلا *** غير أنّا نريدها في علاها نجمة لا تنالها أعيُنُ الناس *** تراها مصونة في سماها جعل لها الإسلام مكانة ليست لنساء الدنيا كلها، وما حفاظنا عليها إلا لعظيم قدرها في قلوبنا، لا لشكٍ, فيها، فهي محل الثقة، لكنها كالوردة الجميلة التي لا يجوز لكل الناس أن يشموها حتى لا تفسد! وإذا مرضت... فإنها تجد أهلها كلهم حولها، يحفون بها، ويخدمونها، ويراقبون أنفاسها، ويعتنون بها غاية العناية، ولا تكادين تجدين موطأ قدم في غرفتها لكثرة من يقوم بخدمتها من أقربائها، وإذا خرجت من المستشفى فإن هناك جيشاً من أهلها في انتظارهاº فيفرحون لفرحها، ويسعدون لسعادتهاº وليس كلباً في انتظارها كحالك!. فغضبت.. واتهمتني بأنني متخلف وسطحي، وليس لدي من مقومات الحضارة شيء.. فابتسمت وخرجتُ من غرفتها بعد أن أنهيت عملي!. ثم فوجئتُ بأن تلك المرأة تشكوني إلى كبير الأطباء وتطلب منه عدم دخولي عليها مرة أخرى!، بل وترغب في الخروج من المستشفى. فقلت: لابد من بقائها يومين على الأقل حتى أتمكن من إنهاء علاجها وأعمل لها تحاليل طبية. فأصرت على الخروج وخرجت. نسيت أنا ذلك الموقف تماماً، فلست أول غربيٍ, أسمع منه هذا الكلام، ولن تكون الأخيرة!. وفي ليلةٍ,، فوجئت باتصال من الطبيب المناوب بقسم الطواريء يخبرني بوجود حالة غريبة لا يعرف كيف يتصرف معها، فسألته: ما هي؟... فأخبرني أنها امرأة لديه حالة تشنج مستمر، يأتيها بمعدل كل خمس دقائق.. فأسرعت إلى المستشفى في منتصف الليل، ففوجئت بأن المريضة هي نفسها تلك المرأة! وكنت قد نسيتُ موقفها معي تماماً، فأدخلتها غرفة العمليات، وقمت بإجراء عملية لها في الدماغ، استغرقت وقتاً طويلاً، وتمت بنجاح والحمد لله، ثم.. دخلت عليها بعد إفاقتها، فرفعت رأسها ونظرت إليّ، وتكلمت بلسان ثقيل: - أنت الذي أجريت لي العملية؟ - نعم. - وسهرت بجواري طوال الليل. - نعمº لأن هذا واجبي. - يعني هذا أنك أنت الذي شفيتني! - لا - من إذن؟ هل كان معك أحد؟. - نعم، إنه الله - عز وجل -، هو الذي شفاك، وإنما أنا سبب، أنا الذي عالجتُ فقط. - أنت لا تزال رجعياً، تؤمن بالخرافات، وما وراء الطبيعة، أعجب لك وأنت طبيب مثقف كيف تصدق مثل هذه الأمور؟ - وأنا أعجب لك وأنت تدعين الثقافة، كيف لا تقرئين عن الإسلام، وتجوزين لنفسك إلقاء التهم جزافاً.. ؟!.. وغضبت جداً من كلامها ثم ودعتها وانصرفت،، وبعد قرابة ستة أشهر، أخبرني أحد العاملين معنا أن هناك امرأة تريدني على الهاتف... رفعتُ السماعة.. - نعم، من المتحدث؟ فإذا بها تلك المرأة نفسها، وقد تبدلت نبرة حديثها، لكنها تطلب مني أمراً غريباً.. - أريد أن أراك.. هل تستطيع أن تطلب إجازة من عملك، وتأتي إلينا في (لوند) لمدة يومين؟ - فاعتذرتº لأن عملي متواصل دائماً بلا انقطاع. فألَحّت عليّ، فامتنعتُ، فطلبت مني طلباً غريباً: - ما اسم أمك؟ (فقلت في نفسي: لعل هذا من آثار العمليات الجراحية التي أجريت لها، هل سببت لها خللاً في التفكير؟) - لماذا تريدين اسم أمي؟ - قالت بصوت متهدج: لأني: أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.. وأنا أسلمت، وعرفت طريق الحق.. وأنت لك حقٌ عليّ، وأريد أن أسمي نفسي باسم أمك.. أنت الذي دللتني على الطريق الحق... ومن حقك أن أذكرك دائماً بخير.. (فضج مجلسنا بالتكبير والتهليل).. قال الدكتور: فكادت سماعة الهاتف تسقط من يدي، ثم سكت فجأة.. فالتفتُ إليه فإذا عيناه تفيضان بالدمع! وأخذته بحةٌ في صوته، فأكمل حديثه بصعوبة بالغة.. قال: فذهبت إلى رئيسي في المستشفىº لأطلب منه إجازة يومين. فقال لي: أنت يا دكتور أحمد الطبيب الوحيد الذي لم يحصل على إجازة منذ سنتين! خذ أكثر. قلت: لا.. يومان كفاية. فذهبت إليها، فإذا هي امرأة غير تلك المرأة التي كانت تعظم صورة كلبٍ, بجوار رأسها في المستشفى، امرأة تبدلت وتبدل فيها كل شيء، كلامها، ولبسها، نظرتها للحياة.. ذهبت معها إلى المحكمة، برفقة زميلين ليº لنشهد إشهار إسلامها، وهناك وسط قاعة المحكمة صدحت بكلمة الإسلام: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.. وقرأت الفاتحة قراءة ملؤها البراءة والطهر.. فانفجرت بالدموع العيون، وخشعت النفوس، وبكينا بكاء الطفل، من شدة الفرح، وكيف لا نفرح وقد شهدنا ميلادها الحقيقي، وخروجها من الظلمات إلى النور،.. وكيف لا أبكي فرحاً وقد أراني الله - تعالى - من كنتُ سبباً في إسلامها، وإنقاذها من النار.. قمت وزميليّ وصلينا ركعتين شكراً لله، وصلت هي خلفنا بصلاتنا! قالت لي: أتذكر يا دكتور أحمد تلك الصورة لذلك الكلب الذي كدتُ أكتب له كل ثروتي؟ | قلت: نعم قالت: فإني أتلفتها، وأنفقت كل أموالي في سبيل الله.. وبنيت منها أكبر مركز إسلامي هنا.. هذا الطبيب المسلم الذي ما نسي ثوابته حتى في أحلك الظروف المعتز بإسلامه، في الغربة في أقصى الأرض، هذه أخلاق الطبيب المسلم وحب هداية الناس. إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.. ويبسط يده ب النهار ليتوب مسيء الليل.. حتى تطلع الشمس من مغربها.
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته المعاصي أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزيناً على زلاته قلقاً كئيبا
أنا العبد الذي سطرت عليه صحائف لم يخف فيها الرقيبا
أنا العبد المسيء عصيت سراً فمالي الآن لا أبدي النحيبا
أنا العبد المفرط ضاع عمري فلم أرع الشبيبة والمشيبا
أنا العبد الغريق بلج بحرٍ, أصيح لربما ألقى مجيبا
أنا العبد السقيم من الخطايا وقد أقبلت ألتمس الطبيبا
أنا العبد المخلف عن أناسٍ, حووا من كل معروفٍ, نصيبا
فوا أسفي على عمرٍ, تقضى ولم أكسب به إلا الذنوبا
وأحذر أن يعاجلني مماتٌ يحير لهول مصرعه اللبيبا
ويا حزناه من نشري ليومٍ, يجعل الولدان شيبا تفطرت السماء به ومارت وأصبحت الجبال به كثيبا إذا ما قمت حيراناً ظميا حسير الطرف عرياناً سليبا ويا خجلاه من قبح اكتسابي إذا ما أبدت الصحف العيوبا فيا من مدّ في كسب الخطايا خطاه أما بدا لك أن تتوبا ألا فاقلع وتب واجتهد فإنا رأينا كل مجتهدٍ, مصيبا فيا مولاي جد بالعفو وارحم عبيداً لم يزل يشكي الذنوبا وشفِّع فيّ خير الخلق طراً نبياً لم يزل أبداً حبيبا عليه من المهيمن كل وقتٍ, صلاة تملأ الأكوان طيبا لمن أراد صفحة بيضاء الصلاة و الوضوء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أضفار يديه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أضفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد و صلاته له نافلة. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من اغتسل يوم الجمعة فأحسن الغسل و تطهر فأحسن الطهور و لبس من أحسن ثيابه و مس ما كتب الله له من طيب أو دهن أهله ثم أتى المسجد فلم يلغ و لم يفرق بين اثنين غفر الله له ما بينه و بين الجمعة الأخرى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. الذكر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قال: سبحان الله و بحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا ذر! ألا أعلمك كلمات تقولهن تلحق من سبقك و لا يدركك إلا من أخذ بعملك؟ تكبر دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و تسبح ثلاثا و ثلاثين و تحمد ثلاثا و ثلاثين و تختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير من قال ذلك غفرت له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر. الصوم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوم عاشوراء يكفر سنة ماضية الشهادة في سبيل الله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد