المرض .. فوائد ومنافع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل منا من فكر يوما أن للمرض فائدة؟ وكيف يكون للمرض فائدة وهو ذلك الغول العجيب الذي يخاف منه أغلب الناس؟ ومن الذي يدعي أنه لا يخاف المرض؟ تساؤلات كثيرة يطرحها المرء على نفسه حين يسمع أن هناك فائدة ما للمرض ويمكن ألا يصدق بعضهم هذا الشيء أساسا بسبب خوفهم من الأمراض التي تسبب لهم الرعب والهلع بمجرد سماع أسمائها، لأن كثيراً من الناس ينظرون الأمور من زاوية واحدة وهي زاوية الحياة الدنيوية ومتعها، متناسين ما أعد الله لعباده الصابرين بالبلاء، لأن من يصمد كثيراً ينجح في نهاية المطاف.

 ولتوضيح هذه المسألة المهمة يؤكد الشيخ عبد الرحمن بن يحيى أن كثيراً من الناس يجهلون فوائد المرض إلى درجة أن بعضهم يقول: >ألا ترحمه يا رب<، ومنهم من يقول: >إما ارحمه أو ريحه<، مع أن الله يقول في بعض الآثار: >كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟ <، وكذلك ما سمعت ورأيت من بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان أو غيره من الأمراض التي لا يوجد لها علاج، فبلغ بهم اليأس مبلغاً عظيماً فتجد الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم تسخطه وانفرد به الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يؤيسه من روح الله ويوقعه في القنوط، يقول الله: (إِنَّمَا النَّجوَى مِنَ الشَّيطَانِ لِيَحزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا )المجادلة: 10<، مع أن المريض لا خوف عليه مادام موحداً ومحافظاً على الصلاة، حتى ولو لم يصل إلا لما مرض، فإن من تاب توبة صادقة قبل الغرغرة تاب الله عليه، ولو وقع في كبائر الذنوب، فإنه يرجى لكل من مات من الموحدين ولم يمت على الكفر، ففي الحديث: (من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)، فقال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق، قال: (وإن زنى وإن سرق)، ويقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل -) >رواه مسلم<، ويقول الله: (أنا عند ظن عبدي، فليظن بي ما يشاء).

 

الصبر على البلاء:

فعلى المؤمن أن يصبر على البلاء مهما اشتد فإن مع العسر يسراً، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يقول أنس: (إن النبي دخل على شاب وهو في الموت، فقال: (كيف تجدك؟ ) قال: أرجو رحمة الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي، فقال: (لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنه مما يخاف)، فلا تسيء العمل وأنت صحيح بحجة هذا الحديث، فلعل الموت يأتيك بغتة، وعلى كل فالمؤمن يصبر ويرضى بقضاء الله، فإن عاش لم يحرم الأجر، وإن مات فإلى رحمة الله، يقول: (تحفة المؤمن الموت) >رواه الطبراني بسند جيد<.

 

مصائب قوم عند قوم فوائد:

- ويضيف قائلا: إن الله لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة أيضاً، إما على المبتلى أو على غير المبتلى، حتى إن ألم الكفار في نار جهنم نعمة، ولكنها في حق غيرهم من العباد، فمصائب قوم عند قوم فوائد، ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عَرَف المتنعمون قدر نعمته عليهم ولجُهلت كثير من النعم، ومن هنا خلق - سبحانه - الأضداد لحكم كثيرة منها معرفة النعم، فلولا الليل لما عرف قدر النهار، ولولا المرض لما عرف قدر الصحة، وكذا الفقر والسماء والجنة، ففرح أهل الجنة إنما يتضاعف إذا تفكروا في آلام أهل النار، بل إن من نعيم أهل الجنة رؤية أهل النار وما هم فيه من العذاب، مع العلم أن كل بلاء يقدر العبد على دفعه، لا يؤمر بالصبر عليه، بل يؤمر بإزالته ففي الحديث: (ليس للمؤمن أن يذل نفسه، أن يحمل نفسه مالا يطيق). وإنما المحمود الصبر على ألم ليس له حيلة في إزالته، كما أن من النعم نعمة تكون بلاءً على صاحبها، فإنه يبتلى بالنعماء والبأساء، وكم من بلاء يكون نعمة على صاحبه، فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض، ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى (وَلَو بَسَطَ اللَّهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا فِي الأَرضِ) >الشورى: 27<.

 فكل نعمة سوى الإيمان وحسن الخلق قد تكون بلاء في حق بعض الناس، وتكون أضدادها نعماً في حقهم، فكما أن المعرفة كمال ونعمة، إلا أنها قد تكون في بعض الأحيان بلاء وفقدها نعمة مثل أجل العبد أو جهله بما يضمر له الناس، إذ لو رفع له الستر لطال غمه وحسده. وكم من نعمة يحرص عليها العبد فيها هلاكه، ولما كانت الآلام والأمراض أدوية للأرواح والأبدان وكانت كمالاً للإنسان، فإن فاطره وبارئه ما أمرضه إلا ليشفيه، وما ابتلاه إلا ليعافيه، وما أماته إلا ليحييه، وقد حجب - سبحانه - أعظم اللذات بأنواع المكاره وجعلها جسراً موصلاً إليها، ولهذا قال العقلاء قاطبة: إن النعيم لا يدرك بالنعيم، وإن الراحة لا تنال بالراحة، فهذه الآلام والمشاق من أعظم النعم، إذ هي أسباب النعم، فمثلاً نزول الأمطار والثلوج وهبوب الرياح وما يصاحبها من الآلام فإنها مغمورة جداً بالنسبة إلى المنافع والمصالح التي تصحبها، فمثلاً لو أن المرأة نظرت إلى آلام الحمل والولادة لما تزوجت، لكن لذة الأمومة والأولاد أضعاف أضعاف تلك الآلام، بل إنها إذا حرمت الأولاد لم تترك طبيباً إلا وذهبت إليه من أجل الحصول على الأبناء، إنه لا يوجد شر محض، وما نهى - سبحانه - عن الأعمال القبيحة إلا لأن مفسدتها راجحة على غيرها، وهكذا.. وقد قال الله عن الخمر: إثمها أكبر من نفعها، فلو نظر العبد كم يحصل له من المضار والمفاسد منها لما أقدم عليها.

 

معرفة فوائد المرض:

ولو حاول الإنسان معرفة فوائد المرض ودقق النظر فيها سيجد أنها أكثر من الآلام الآنية التي يحس بها المريض ولكن الأمر يحتاج إلى صبر وقوة إرادة حيث إن المؤمن لا ينبغي أن يجزع في وقت ملاقاة البلاء، ومن هنا يعدد لنا الشيخ عبد الرحمن بن يحيى فوائد الأمراض ومنافعها التي تزيد عن المائة فائدة ولكنه يحاول أن يقتصر على الأهم منها:

 

تهذيب للنفس

1ـ أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مٌّصِيبَةٍ, فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ,) >الشورى: 30<، فإذا أصيب العبد فلا يقل: من أين هذا، ولا من أين أتيت؟ فما أصيب إلا بذنب، وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا، أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، وقال: (ولا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)، فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض، وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا أفضل من احتمال مرارة الأبد، يقول بعض السـلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس.

 

 

مرارة الدنيا حلاوة في الآخرة

2ـ أن ما يعقبه من اللذة والمسرة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، وقال أيضاً: (تحفة المؤمن الموت) >رواه ابن أبي الدنيا بسند حسن<، وإذا نزل بالعبد مرض أو مصيبة فحمد الله بني له بيت الحمد في جنة الخلد، فوق ما ينتظره من الثواب، أخرج الترمذي عن جابر مرفوعاً: (يود الناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء).

3ـ قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: (ابن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده) >رواه مسلم عن أبي هريرة<، وأثر: (أنا عند المنكسرة قلوبهم).

 

4ـ أنه يعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر، فإذا وجد الصبر وجد معه كل خير، وإذا فات فقد معه كل خير، فيمتحن الله صبر العبد وإيمانه به، فإما أن يخرج ذهباً أو خبثاً، كما قيل: سبكناه ونحسبه لجيناً فأبدى الكير عن خبث الحديد >ومعنى اللجين الفضة<، والمقصود: أن حظه من المرض ما يحدث من الخير والشر، فعن أنس مرفوعاً: (إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، وفي رواية: (ومن جزع فله الجزع) >رواه الترمذي<، فإذا أحب الله عبداً أكثر غمه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه وخصوصاً إذا ضيع دينه، فإذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدث له الرضا كتب في ديوان الراضين، وإن أحدث له الحمد والشكر كان جميع ما يقضي الله له من القضاء خيراً له، أخرج مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير)، وفي رواية لأحمد (فالمؤمن يؤجر في كل أمره) فالمؤمن لابد وأن يرضى بقضاء الله وقدره في المصائب، اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر، وإذا أذنب استغفر، وإذا ابتلي صبر، ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر فهو بشر حال، وكل واحدة من السراء والضراء في حقه تفضي إلى قبيح المآلº إن أعطاه طغى وإن ابتلاه جزع وسخط.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply