بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الرضا المرغوب، يعفو ويصفح ويغفر الذنوب، يملي ويمهل لعل العاصي يتوب، يعطي ويرضي ويحقق المطلوب، يطعم ويسقي ويستر العيوب، يغني ويشفي ويكشف الكروب، نحمده- تبارك وتعالى -حمدا هو للذات العلية منسوب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من شر الوسواس الكذوب، ونسأله السلامة فيما مضى وما سوف يأتي من خطوب، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الجناب المرهوب، خلق السماوات والأرض في ستة أيام وما مسه من لغوب، يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويقلب الأبصار والقلوب، سخر الرياح بقدرته، فمنها الساكن ومنها الهبوب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ذو المقام المحمود، لا يأكل الصدقات، ولا يرتكب الهفوات وخاتم النبوة بين كتفيه مضروب، من أطاعه فقد أطاع الله ومن تبع نهجه فقد أرضاه، ومن عصاه في النار مكبوب، صاحب الشفاعة العظمى وله المقام الأسمى واسمه على أبواب الجنة مكتوب، اللهم صل وسلم وبارك عليه عدد الرمال والحصى وكلما أطاعه عبد أو عصى، ونور بالصلاة عليه بصائرنا والقلوب: أما بعد:
فيا أحباب الله ويا عمار بيت الله، يقول عز من قائل: \" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون \"، \"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا \"، \"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما \"
*عن أَبي سَعِيدٍ,: أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبعَةٌ يُظِلّهُمُ الله في ظِلّهِ يَومَ لاَ ظِلّ إِلاّ ظِلّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ بِعِبَادَةِ الله، وَرَجُلٌ كَانَ قَلبُهُ مُعَلّقاً بالمَسجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنهُ حَتّى يَعُودَ إِلَيهِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في الله فَاجتَمعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرّقَا، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَت عَينَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتهُ امرأة ذَاتُ حَسَبٍ, وَجَمَالٍ, فَقَالَ إِنّي أَخَافُ الله - عز وجل -، وَرَجُلٌ تَصَدّقَ بِصَدَقَةٍ, فَأَخفَاهَا حَتّى لا تَعلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنفِقُ يَمِينُهُ».
\"إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى\": قال الإمام ابن كثير:
\"ذكر - تعالى -أنهم فتية وهم الشباب، وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين للّه - تعالى -ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - شباباً. وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر - تعالى -عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شباباً. \"
وروى الخطيب البغدادي - رحمه الله - في كتابه عن ابن المبارك - رحمه الله - أنه كان إذا رأى صبيان أهل الحديث في أيديهم المحابر يقربهم ويقول هؤلاء غرس الدين أخبرنا أن رسول الله قال: \" لا يزال الله - سبحانه - يغرس في هذا الدين غرسا يشد بهم الدين هم اليوم أصاغر ويوشك أن يكونوا كبارا من بعدكم\" وروي بإسناده أيضا عن عبد العزيز بن أبي داود - رضي الله عنه - أنه نظر إلى شاب وفي يده محبرة فقال: \"هذه قناديل الإيمان وأعلام المتقين \" (يعني قارورة الحبر).
روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه أتى على شاب في الليل يقرأ: \"فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان\" فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول: \"ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي. \" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"ويحك يا فتى، مثلها، فو الذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء لبكائك. \"
في الآثار: \"ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه \"ومن الحديث الثابت: \" ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه. \" هذا حال الشباب الذي تربى في أحضان النبوة....فما هو حال شبابنا اليوم؟؟؟؟
الضياع الاجتماعي: عزوف عن الزواج، فساد في الأخلاق، تعاطي للحشيش والمخدرات. ثبت في الصحيحين: \" يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَليَتَزَوَّج فَإِنَّهُ أَغَضٌّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ وَمَن لَم يَستَطِع فَعَلَيهِ بِالصَّومِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ \". المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه - وهي مؤن النكاح - فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبا.
والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح، سميت باسم ما يلازمها، وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته.
o الضياع الاقتصادي: بطالة، عطالة، و ارتماء في أحضان البحر بحثا عن لقمة العيش.
o الضياع الأخلاقي: انحراف على جميع المستويات.
وسبب جل المصائب التي ابتلينا بها كان بسبب ابتعادنا عن الدين، وعن الصراط المستقيم، فما العمل وسفينة أرواحنا يهددها الغرق في بحر الفتن والمصائب، يسلط علينا ربنا الجفاف وأمراض الزنا (الأمراض الجنسية) ومصائب القمار (شتات الأسر وضياعها)، إشارات تأديبية منه - سبحانه - لعلنا نرجع إليه..
لا نقنط من رحمة الله، فربنا رحيم كريم غفار للذنوب، عَن عَمرِو بنِ عَبَسَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهم عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شَيخٌ كَبِيرٌ يَدَّعِمُ عَلَى عَصًا لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي غَدَرَاتٍ, وَفَجَرَاتٍ, فَهَل يُغفَرُ لِي قَالَ: \" أَلَستَ تَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بَلَى وَأَشهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: \" قَد غُفِرَ لَكَ غَدَرَاتُكَ وَفَجَرَاتُكَ *\"
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: جاء شيخ كبير فقال: \" يا رسول الله رجل غدر وفجر فلم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه ولو قسمت خطيئته بين أهل الأرض ولا وبقتهم فهل له من توبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – أسلمت، قال: نعم، قال: فإن الله غافر لك ومبدل سيئاتك حسنات، قال: يا رسول الله وغدارتي وفجراتي قال: وغدراتك وفجراتك. (داجة: ما صَغُرَ من الحوائِجِ، أي ما تركت شيئاً دَعَتنِي نفسي إليه من المعاصي إلا وقد ركِبته)
وأخرج الطبراني عن سلمة بن جهيل قال: جاء شاب فقال يا رسول الله أرأيت من لم يدع سيئة إلا عملها ولا خطيئة إلا ركبها ولا أشرف له سهم فما فوقه إلا اقتطعه بيمينه ومن لو قسمت خطاياه على أهل المدينة لغمرتهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أأسلمت ? قال أما أنا فاشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، قال: اذهب فقد بدل الله سيئاتك حسنات، قال: يا رسول الله وغدارتي وفجراتي ? قال: \" وغدارتك وفجراتك\" ثلاثا فولى الشاب وهو يقول: \" الله أكبر \"... والحمد لله على رحمة الله المهداة للعالمين.
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت واقض عنا شر وسوء ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، فإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد