بسم الله الرحمن الرحيم
وثمة سؤال لابد أن أطرحه عليك:
ماذا تستفيد الأمة من شاب أكبر همه البحث عن المواقع الفاسدة، والصور الماجنة؟
ماذا تستفيد الأمة من شاب همه الأول شهوته؟
هل يا ترى سيبني مجدا. ؟ أو يحقق عزا؟ أو ينجز عملا نافعا؟
بل هل سيستفيد هو من نفسهº بحيث يبنى له فكرا بناءا، وأدبا جما، وثقافة متكاملة.
ولذلك صرح (كينيدي) بأن مستقبل أميركا في خطر لأن شبابها ضائع منحل غارق في الشهوات، لا يقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأنه من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين، لأن الشهوات التي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية.
ويقول جورج بالوش في كتابه الثورة الجنسية: (إن أطنانا من القنابل الجنسية تتفجر كل يوم ويترتب عليها آثارٌ تدعو إلى القلق قد لا تجعل أطفالنا وحوشا أخلاقية فحسب بل قد تشوه مجتمعات بأسرها) [1]
أخي المبارك:
هل تعلم أن الإحصائيات تذكر أنه في كل ثلاث دقائق يظهر موقع جديد على الشبكة للإباحية والشر!!! ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية يغلقون كل يوم مائة موقع إباحي!!
تأمل هذه الإحصائية جيداً ثم فكر معي ملياً:
لماذا يسعى الأعداء لنشر الصور الإباحية، والمواقع الجنسيةº هل هو حباً في سواد عينيك؟
أم هو بحثاً لمصلحتك؟
دعنا نستفتى من لا يحق لنا أن نتعداه في الفتوى.
يقول - سبحانه -: ((وَدٌّوا مَا عَنِتٌّم قَد بَدَتِ البَغضَاء مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ)) (سورة آل عمران: 118).
وقال - سبحانه -: ((وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء)) (سورة النساء) ويقول - تعالى -: ((وَدَّ كَثِيرٌ مِّن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِّن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَدًا مِّن عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقٌّ)) (سورة البقرة: 109).
وقد بينوا أسلوبهم في تدمير قيم الأمة وأخلاقها، فقال أحدهم: (كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات) [2]
فكيف يليق بشاب مثلك..قد أعطاه الله - تعالى -عقلا وإيمانا..وذكاء وإسلاما.. أن ينقاد لهم كما تقاد الشاة لذابحها.. كيف يليق بك أن تسلم رقبتك إلى من يريد القضاء عليك؟ كيف يليق بك أن تكون أداة تتحكم بها الأعداء.. ويتصرف بها الأشقياء!! إنهم يقولون (ليس هناك طريقة لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة) [3]
لأنهم علموا أنك لن تملك نفسك تجاه تلك المناظر التي تراها.. فيا ترى هل تُخيِّب ظنهم؟ وهل تثير هذه الكلمات الغيرة والحمية في نفسك؟ فتجعلك تحجب بصرك عن النظر إلى الحرام؟!!
أخي العزيز:
إن من القضايا التي يفعلها كثير من أصدقاء الإنترنت قضاء الوقت في المحادثات الكلامية، والمهاترات الفوضوية، والتي لا يجني منها المسلم شيئا.. تذهب الساعات تلو الساعات في كلام لا داعي له، وفي قضايا فارغة، الحق ليس مطلبا يسعى إليه بقدر ما هو الانتصار للنفس أو مضيعة الوقت!!
وهنا محاذير كثيرة:
أولها: إضاعة الوقت وأنت مسئول عن هذه الساعات التي تقضيها بلا فائدة يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- : ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ, يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَا أَفنَاهُ وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلَاهُ)) [4].
وثانيها: هذا الكلام التي تكلمت به، وتلك العبارات التي كتبتها، ستسأل عنها يوم القيامة، فقد تشتمل على كذب أو غيبة أو بهتان.
يقول الله - تعالى -: ((مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ, إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)).
ويقول - سبحانه -: ((سَنَكتُبُ مَا قَالُوا)).
وقد بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم- خطورة الكلام وأثره على الإنسان فروى الترمذي عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ, قَالَ: ((كُنتُ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ, فَأَصبَحتُ يَومًا قَرِيبًا مِنهُ وَنَحنُ نَسِيرُ فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَخبِرنِي بِعَمَلٍ, يُدخِلُنِي الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَن النَّارِ؟ قَالَ: \" لَقَد سَأَلتَنِي عَن عَظِيمٍ, وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ، تَعبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشرِك بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجٌّ البَيتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلٌّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ: الصَّومُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطفِئُ المَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِن جَوفِ اللَّيلِ، قَالَ: ثُمَّ تَلَا ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَن المَضَاجِعِ)) حَتَّى بَلَغَ (يَعمَلُونَ) ثُمَّ قَالَ: \" أَلَا أُخبِرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِروَةِ سَنَامِهِ؟ قُلتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: \" رَأسُ الأَمرِ الإِسلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ \" ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ! فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: \" كُفَّ عَلَيكَ هَذَا \" فَقُلتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: \" ثَكِلَتكَ أُمٌّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَل يَكُبٌّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِم أَو عَلَى مَنَاخِرِهِم إِلَّا حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِم)) [5]
وقد ضمن النبي – صلى الله عليه وسلم - لمن يحفظ ما بين لحيه - وهو اللسان - وفخذه - وهو الفرج - الجنة، فقال – صلى الله عليه وسلم - : ((مَن يَضمَن لِي مَا بَينَ لَحيَيهِ - أي لسانه - وَمَا بَينَ رِجلَيهِ -أي فرجه- أَضمَن لَهُ الجَنَّةَ)) رواه البخاري[6].
ولذا أرشد النبي – صلى الله عليه وسلم - أمته في قضية اللسان ووضع حداً فاصلا فيه فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرًا أَو لِيَصمُت)) [7].
فأنت أخي الشاب بين أمرين:
إما أن تقول خيرا لتغنم وإما أن تكف عن شر لتسلم.
ثالثها: ضياع الطاقات، وبعثرة الجهود، و إشغال أفراد الأمة فيما لا ينفعº في وقت هي بأمس الحاجة إلى كل لحظة ودقيقة لبناء مقوماتها، وترتيب أوراقها، وتغيير واقعها، فلا مجال للعبث في حياتنا والأعداء منشغلون لإعداد العدة للمواجهة القادمة؟!!
أخي المبارك:
إن الإنترنت وسيلة فاعلة لخدمة الدين، ودعوة الناس إلى رب العالمين، وإنقاذ البشرية المعذبة من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ونقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فكم هم الناس الذين دخلوا دين الله - تعالى -من خلالها!! وكم هم الذين أعلنوا إسلامهم من خلال هذه الشبكة العنكبوت، في سجون أمريكا يدخل شهريا في الإسلام أكثر من ستين شخصاً في الإسلام عبر الإنترنت!! من خلال موقع أعده مجموعة مباركة من الشباب من أمثالك، فنفع الله بهم وبجهودهم، وكل هؤلاء الذين أسلموا أجرهم وأجر أعمالهم لهذه المجموعة المباركة من غير أن ينقص من أجور العاملين شيئا كما أخبر بذلك نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم - ، فلماذا تحرم نفسك شرف الدعوة إلى الله - تعالى - ؟!!
أما علمت - يا رعاك الله - أن عدد المشتركين في هذه الشبكة في آخر الإحصائيات (211) مليون شخص!!
فكم من الجهود الضخمة نحتاجها لدعوة هؤلاء إلى ديننا؟!!
فإذا كان أحد المواقع الإسلامية [8]يصله شهريا من الأسئلة والاستفسارات أكثر من ستين ألف رسالة، فكيف بغيره من المواقع؟ وكم من الطاقات نحتاجها؟ وكم من الجهود نريدها؟ فهل يليق بعد هذا أن نشغل أنفسنا بأمور تافهة ساقطة؟ وهل يليق بمن شرفه الله بحمل أعظم رسالة أن يتخلى عنها؟!!
ألا تحب أن تكون واحدا من المجاهدين في سبيل الله - تعالى - ؟
إذن لماذا لا تعلن الحرب على المواقع المعادية للإسلام؟!
ولماذا لا تحاول القضاء على المواقع الفاسدة التي تنشر الإباحية والتفسخ والانحلال، من خلال إبلاغ مدينة الملك عبد العزيز أو من خلال أفكارك ونشاطاتك الخاصة.
إنها مسئوليتك أخي الشاب قبل كل أحد لأن الله - تعالى - فضلك على غيرك بمعرفة هذه الوسيلة، فالحجة قائمة عليك في تبليغ دين الله - تعالى - ونشره بين الناس، والدفاع عنه، والقضاء على أعدائه، فلا تتوان أخي الشاب في العمل لدينك، والتضحية من أجله، فإنه لا خيار لنا في هذا الزمن الذي تكالبت فيه الأعداء للقضاء علينا إلا أن نرجع إلى ديننا، وأن نعيش لديننا، وأن نحيى من أجل العمل لديننا.
ولكن أحذر.. أحذر.. كل الحذر: من أن تدخل هذه الشبكة قبل أن تتحصن بما يعصمك الله به من العلم الشرعي، الذي تمييز به بين الحلال والحرام، والضار والنافع، ولو كانت المضرة قليلة فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ثم اعلم - يا رعاك الله - أنك قد تباشر أمر الدعوة إلى الله - تعالى - ولكن بدون علم، فتفسد أكثر مما تصلح، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، قال - تعالى -: ((قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ, أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) (سورة يوسف: 108).
ومن نزل ساحة القتال وليس معه سلاح قتله العدو المسلح، وسلاح الدعوة إلى الله - تعالى - العلم بدين الله، وقتلهم هنا ليس بسلاح ناري أو محدد، وإنما بسلاح الغزو الفكري المنحرف، حيث يشككون الإنسان في مسلمات دينه حتى يصل الأمر به أن يفكر في التنازل عنها والتخلي منها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والأعداء كثر ففي مجال التنصير يقول الباحث الاجتماعي كريستوف فولف إن (الكنائس والفرق الدينية اكتشفت في الإنترنت وسيلة لنشر رسائلها).
وفي مجال المذاهب الهدامة كالأحمدية والقاديانية والرافضة وغيرهم كثير.
وأخيراً.
أختم كلامي بقوله (مرماديوك باكتول) يقول: إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها سابقا، بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأولº لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم) [9].
وأصدق منه قول الإمام مالك - رحمه الله - حينما قال: لن يصلح حال آخر الأمة إلا بما أصلح به أولها.
أخي الحبيب تذكر أنك موقوف بين الله - تعالى -و محاسب على النقير والقطمير، وأن الحياة قصيرة وإن طالت فأعد لهذا الموقف عدته، ولا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور.
أسأل الله - تعالى - أن ينفع بك الإسلام وأن يجعلك من حماة الدين وأنصاره وأن يجعلك مباركا أينما كنت واستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
----------------------------------------
[1] العفة ومنهج الاستعفاف ص 17-18.
[2] أساليب في تغريب المرأة المسلمة ص 8.
[3] رسالة إلى فتاة الإسلام ص 29. عبد الغني شحاته فتح الله
[4] رواه الترمذي (2417) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[5] رواه الترمذي (2616) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[6] رواه البخاري ورقمه (6474).
[7] رواه البخاري ورقمه (6018) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[8] موقع الشيخ الفاضل: محمد بن صالح المنجد ـ - حفظه الله - تعالى -.
[9] مطوية:عاجل جدا إلى مستخدم الإنترنت ص 5.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد