حواء والمساكين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخرج الشيخان من حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن)) قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنَّك رجلٌ خفيف ذات اليد، وإنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئُ عني، وإلاَّ صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتهِ أنت.

 

قالت: فانطلقتُ، فإذا امرأةً من الأنصار بباب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قد أُلقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره أنَّ امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئُ الصدقة عنهما إلى أزواجهما، وعلى أيتامٍ, في جحورهما؟ ولا تخبرهُ من نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة)).

 

في هذا الحديث الشريف من الفوائد الجمة، والمعاني السامية، ما يأخذ بمجامعِ القلوب، فمن ذلك:

1-عناية رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم - بمعاشر النساء وحرصهِ على سلامتهن، وسلامة مستقبلهن، وعاقبتهن في الدار الآخرةº فقد أمرهنَّ- عليه الصلاة والسلام - بالصدقة، ولو من حُليهنº درءاً للنار عن أجسادهنَّ الضعيفة.

ورغم ما جُبلت عليه المرأة من حب الحلي، كما في قوله - تعالى -((أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِليَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ,)) (الزخرف: 18).

إلاَّ أنَّها مأمورة، إما وجوباً أو استحباباً على التنازل عن بعض ما تحبº دفعاً لحاجة فقير أو مسكين.

2- سرعة استجابة نساء السلف الصالح - رضوان الله عليهن ـ فلم تكن الفترة الزمنية بين سماع التوجيه النبوي وامتثال ذلك التوجيه ليستغرق سوى مسافةَ الطريق، فقد رجعت زينب إلى زوجها عبد الله، ولا يشغل بالها غير أمرٍ, واحد، وهو مدى شرعية وضع الصدقة في يد الزوج والذرية، أمَّا بذل الصدقة وإخراجها، فذاك أمرٌ قد فُرغ منه حين أمر به المعصومُ الكريم- صلى الله عليه وسلم -.

ولم تكن زينب - رضي الله عنها - حالةً نادرةً، أو وصفاً شاذاً بين نساء الصحابة، بل كانت نظيراتها كثيرº ففي الحديث نفسه تقول زينب: ((فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، حاجتي حاجتها)) ولولا ضيق المقام لسردتُ عشرات الأمثلة المشابهة.

فما أجدر نساء الأمة اليوم أن يقتدين بتلك القد وات الخالدات، وهُنَّ يتلمسن فقيرات المجتمع ومسكينا ته، وذوات الحاجاتº فيقدمنَ لهنَّ بعض ما يستطعنهº امتثالاً لأمرِ النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم - ودرءاً لوقودِ النار عن أنفسهنَّ الضعيفة.

3-على الأخت المسلمة أن تتذكر دائماً أنَّ للقرابةِ حقاً أولى في مالها من الغير، فلتبدأ بقرابتهاº لتحظى بأجري القرابة والصدقة، ثم تثني بعد ذلك بمن دونهمº مراعاة للتوجيه النبوي اللطيف.

ولو تفقدت كل واحدةٍ, من نسائنا ذوي قرابتها، وتلمست المساكين منهم، فبذلت المستطاع والممكنº لفازت بأجورٍ, مضاعفة، وحققت صلةِ للرحم دائمة، وتمتعت بدعوات صادقة، فهل تفعلها حواء المسلمة؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply