سجادة ( 1 ) عليها تعنو الجباه لخالق الموت والحياة وترفع الدرجات وتحط السيئات


 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إذا أردت القرب من الله - عز وجل -، وحدا بك الشوق إليه - سبحانه -، وأخذ الحنين منك كل مأخذ.. فاهرع إليه، واسجد واقترب..وعندما تذهب بك الدنيا بعيدا، وتنغمس في مشاغلها وزخرفها، فانفض يديك منها، واسجد واقترب.. وكلما ضاقت بك السبل، وادلهمت الخطوب، وكثرت المحن، وأردت المخرج منها والخلاص، فالجأ إليه، واسجد واقترب..

ومتى ظهرت الفتن، وتشعبت بك الطرق، وأحاطت بك الشكوك وطاردتك الشهوات والشّبَه، فاعتصم بالله، واسجد واقترب.. لا تكن كإبليس اللعين حين رفض السجود وعصى أمر مولاه، وأعطى لأتباعه أمره بعدم السجود لله، واسجد أنت واقترب..

في ظلام الليل ووحشته لا وحشة.. وفي نومة القبر ووحدته لا وحدة.. وفي فزع يوم الفزع لا فزع.. وعندما يخاف الناس لا خوف.. ما دمت تسجد وتقترب..

إن السجود لله - تعالى - هو غاية التكريم للإنسان حيث القرب في المناجاة، والذل في العبودية، والخضوع في الانقياد، وكسر الأنفة والكبر والإعجاب في إلصاق الأنف بالتراب.. وقد كان المشركون المستكبرون يأنفون من السجود فكان بعضهم يأخذ كفا من حصى فيرفعه إلى جبهته ويكتفي بذلك عن السجود! أما سيد الخلق وأكرمهم - عليه الصلاة والسلام - فقد قال الله - تعالى - له: \" واسجد واقترب \" (19) (العلق).. فالسجود هو غاية القرب من الله، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إن أقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجداً\" (مسلم). والسجود صفة لازمة لعباد الله - تعالى -، \" فهم الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله \" (التوبة: 112). ومن السجود اشتقت \"السجادة\"، وهي صيغة مبالغة لكثرة السجود عليها، ومنه أيضا كان \"المسجد\" وهو مكان السجود، وقد جعل الله لنا الأرض مسجداً وطهوراً.

والسجادة هي الخُمرة، والخمرة كانت تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط، وقد ثبت فيما رواه مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على خُمرة، وهي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات. أما ما أحدثه الناس في هذه الأيام من زخرفة للسجادة فهو غير مستحب حيث إنه يلهي ويشغل المصلي ويقلل من خشوعه في الصلاة.

على هذه السجادة نسجد لله - تعالى - طاعة وعبادة، وخضوعاً وذلاً وإنابة، نطلب من الله الفضل والزيادة، وهي صفة هذه الأمة التي اصطفاها الله - تعالى -على سائر الأمم، قال - تعالى -: \" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود \"(الفتح: 28).

وعلى هذه السجادة تعنو الجباه لخالق الموت والحياة، فتحيا القلوب بذكر الله، وترفع الدرجات وتحط السيئات، كما جاء في الحديث الشريف: \"ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة\" (ابن ماجه)، وعليها يكون الساجد من أهل الشفاعة ومن مرافقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، فقد قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادع الله أن يجعلني من أهل شفاعتك وأن يرزقني مرافقتك في الجنة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"أعنّي على نفسك بكثرة السجود\" (مسلم). لذا كان الصحابة والتابعون وصالحو المؤمنين يحبون السجود ويحرصون عليه، ويكثرون منه، حتى أن علي بن عبد الله بن عباس كان يسجد لله في كل يوم ألف سجدة حتى أسماه الناس السجّاد! وكان سعيد بن جبير يقول: ما آسى على شيء في الدنيا إلا على السجود. والسجود فيه إغاظة للشيطان وإحباط لكيده ومكره، فقد روي في الحديث: \"إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويلاه أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت أنا بالسجود فعصيت فلي النار\" مسلم\".

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply