العزلة لأبي سليمان الخطابي البستي ( 2 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

10- أخبرنا أبو سليمان قال: أخبرني إسماعيل بن محمد قال: سمعت ابن إبراهيم يقول: لو لم يكن في العزلة أكثر من أنك لا تجد أعواناً على الغيبة لكفى.

 

قال أبو سليمان: صدق أبو محمد - رحمه الله - فإنه ما من أحد جالس الناس في هذا الزمان وعاشرهم إلا قلت سلامته من الغيبةº فإن من شأنهم اليوم أن يقع بعضهم في بعض، وأن يشبع بعضهم بعضاً، وأن يتمضمضوا بذكر الأعراض، ويتفكهوا بها، ويتنقلوا بحلاوتها، فإما أن يساعدهم جليسهم على إثم وترك مروءة، وإما أن يخالفهم عن قلى وشنآنº فمجالستهم داء يعدي يضر ولا يجدي، قال: ولو لم يكن في العزلة إلا السلامة من آفة الرياء، والتصنع للناس، وما يدفع إليه الإنسان إذا كان فيهم من استعمال المداهنة معهم، وخداع المواربة في رضاهم - لكان في ذلك ما يرغب في العزلة ويحرك إليها. ص41.

 

11- قال أبو سليمان: ومن مناقب العزلةِ السلامةُ من آفات النظر إلى زينة الدنيا وزهرتها، والاستحسان لما ذمه الله - تعالى - من زخرفها، وعابه من زِبرِج غرورها، وفيها منع النفس من التطلع إليها والاستشراف لها، ومن محاكاة أهلها، ومنافستهم عليها، قال الله - تعالى -: [وَلا تَمُدَّنَ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجاً مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدٌّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ] طـه: 131، ص42 – 43.

 

12- قال: ومن مناقب العزلة أنها خالعة عنك ربقة ذل الآمال، وقاطعة رق الأطماع، ومعيدة عز اليأس عن الناسº فإن من صحبهم وكان فيهم ومعهم لم يكد يخلو من أن يحدث نفسه بنوع من الطمع فيهمº إما في مال، أو جاه، والطمع فقر حاضر، وذل صاغر. ص44.

 

13- قال أبو سليمان: وفي العزلة السلامة من التبذل لعوام الناس، وحواشيهم، والتصون عن ذلة الامتهان منهم، وأمان الملال عند الصديق، واستحداث الطراءة عند اللقاءº فإن كل موجود مملول، وكل ممنوع مطلوب. ص52.

 

14- وفي العزلة أنها تستر الفاقة، وتكثف جلباب التحمل، فلا يظهر على عورة إن كانت وراءه تسوء صديقاً، أو تشمت عدواًº فإن التجمل من شيم الأحرار، وشمائل ذوي الهمم والأخطار، وقد وصف الله - تعالى - به الأبرار من عباده فقال - تعالى - ذكره -: [يَحسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغنِيَاءَ مِنَ التَّعَفٌّفِ] البقرة: من الآية273، ص52.

 

15- وفي العزلة أنها معينة لمن أراد نظراً في علم، أو إثارة لدفين رأي، أو استنباطاً لحكمةº لأن شيئاً منها لا يجيء إلا مع خلاءِ الذرع، وفراغِ القلب، ومخالطةُ الناسِ ملغاةٌ ومشغلة. ص53.

 

16- أخبرنا أبو سليمان قال: حدثنا ابن الأعرابي قال: حدثنا أحمد بن عمر القطواني قال: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: حدثنا زائدة عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: المرء حقيق أن تكون له مجالس يخلو فيهاº فيذكر ذنوبه، ويستغفر منها.

 

قال: وفي العزلة السلامة من صحبة الثقيل، ومؤونة النظر إليهº فإن ذلك هو العمى الأصغر. ص54.

 

17- قيل للأعمش: ممَّ عمشت عيناك؟ قال: من النظر إلى الثقلاء. ص54.

 

18- وقال الأعمش: قال جالينوس: لكل شيء حمَّى، وحمَّى الروح النظر إلى الثقيل. ص54.

 

19- قال أبو سليمان: وأنشدني ابن الزيبقي قال: أنشدنا الكديمي قال: أنشدني الأصمعي لأعرابي:

 

لقد زاد الحياة إلي حباً * بناتي إنهن من الضعاف

مخافة أن يذقن الفقر بعدي * وأن يشربن رنقاً بعد صافي

وأن يعرين إن كُسِي الجواري * فتنبو العين عن كرم عجاف  ص58

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply