آلية الإصلاح ضرورة في الوطن العربي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

في عام 1996 أقام الدكتور أسامة قاضي منتدى الفكر والثقافة الإسلامية في ولاية ميتشجن بالولايات المتحدة الأمريكية ليكون منتدى مستقلاً يحمل تياراً معتدلاًً لنشر الثقافة الإسلامية في وسط المجتمع الأمريكي.

وفي حديثه لـ موقع (الإسلام اليوم) خلال زيارته للقاهرة تعرض د. قاضي لأزمة الواقع العربي، والبحث عن آليات جادّة للإصلاح في الوطن العربي، والعمل على إزالة أزمة الثقة بين الحكام، وعاب د. أسامة قاضي على المثقفين الإسلاميين الانعزال عن واقعهم، داعياً إلى ضرورة إعادة صياغة الثقافة الإسلامية وفق الثوابت الإسلامية، إضافة إلى حديثه عن جوانب أخرى ذات الصلة، جاءت في الحديث التالي:

 

نظراً لاهتمام منتدى الفكر والثقافة بولاية ميتشجن الأمريكية بالقضايا الثقافية، هل ترى أن الواقع الثقافي العربي يعاني اليوم من أزمة؟

في الحقيقة أرى أنه يعاني من أزمة إدارة، لأنه لا ينقصنا الرجال والنساء الواعون بثقافتهم، ولكن المشكلة في تشتّتهم لعدم وجود إدارة تحكمهم بالشكل الصحيح، وبسبب الفوضى القائمة نجد ظهور أنصاف مثقفين، وأنصاف واعين، يفتون بغير علم، ويعلمون الناس بغير علم، فضلاًً عن ظهور أنصاف غربيين لدرجة تجعلنا نصل إلى مرحلة من انعدام الانسجام بين المواطن والسياسة، فيصبح لدينا انفصام في الشخصية الحضارية.

 

مشاكل ثقافية:

ولماذا يتم تجنيب التعاطي مع الثقافة الإسلامية في كثير من المواقع الثقافية الرسمية بعالمنا العربي؟

أعتقد أن هناك عدة مشاكل: إحداها أننا لم نستطع أن نصل إلى صُناع القرار لنؤكد أهمية هذه الثقافة، وأنها ستنفعه ولن تضره، من هنا يوجد فهم خاطيء في عرض وتقديم الثقافة الإسلامية من الطرفين، لذلك تبدو فجوة كبيرة بين صُنّاع القرار والشعب، فضلاً عن خطورة البطانة التي تحيط بصناعة القرار في العالم العربي.

وأفهم أنه كلما تمّ الانفصال بين الأمة وثقافتها كان هناك خطر يهدّد الأمة، لذلك لا ينبغي أن تكون هناك أزمة ثقة بين قمة الهرم وقاعدته، ولو استطعنا أن نقنع صُنّاع القرار بأهمية القاعدة الشعبية فإن الأمة ستستعيد هيبتها.

ولا أدري ما المانع في العزوف عن تطبيق منهج الثقافة الإسلامية في مؤسساتنا الرسمية العربية، وأتصور أنه يمكن إعادة الثقة من خلال صُنّاع القرار، لأن بيديهم إمكانية «فتح الصنبور أو غلقه» في آن واحد، لذلك فالخطوة الأولى في وطننا العربي تتمثل - كحل عملي - في تفعيل السلطة الرابعة المتمثلة في الصحافة، ومنح الصحفيين حصانة، وعدم توقيف الصحفيين، ومحاولة إيجاد آلية الإصلاح، لتكون الصحف جهاز إنذار لصانع القرار.

 

انعزاليّة عن الواقع:

هناك اتهام للمثقفين الإسلاميين بأنهم منعزلون عن واقعهم، وأنهم يعيشون في واقع غير واقعهم الحالي، فكيف تقرأ صحة أو خطأ هذا الاتهام؟

أتفق مع هذا الرأي تماماً، لذلك فلابد أن يشمل الإصلاح الثقافة الإسلامية نفسها، فنحن لدينا كتلة هائلة من الفوضى في الفتاوى والتضارب فيها، وليّ عنق النص، وأرى أن أمثال هؤلاء يطمحون إلى شعبية، والإنسان الذي يطمح إلى إحقاق حق لا يخشى أحداً، وهكذا ينبغي أن يكون المثقف، ونحن بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة ثقافتنا الدينية بل والسياسية والاقتصادية، وإعادة الأمور إلى نصابها، وهذا يحتاج إلى علم وجرأة، وهذه مهمة المثقفين الواعين.

وفي عالمنا الإسلامي أرى أن هناك تيارين: أحدهما ينفي الآخر، والثاني ينفي الذات الحضارية ( الذين يطالبون بالحداثة، وفتح صفحة جديدة مع الحياة)، وما بين هذين التيارين نحن بحاجة إلى تيار وسطي لإدارة الحوار، وللأسف هذا التيار الوسطي لا يستطيع أن يجابه كل هذه التيارات ربما لإقصائه مرة، وعدم تمكّنه مرة أخرى.

 

وأنتم تقيمون في الولايات المتحدة، ما مدى تأثير الثقافة الإسلامية التي تحملها الجاليات في أوساط هذا المجتمع، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وتزايد دخول الغربيين في الإسلام؟

أعتقد أن الوزن النوعي للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية مازال ضعيفاً وليس بتلك القوة، نتيجة الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها المسلمون هناك خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، ولعل هذه الظروف تكون غربلة للوجود الإسلامي ليُخرج من بين أصلابه وعياً حقيقياً باحتياجاته.

وأذكر أن هناك الكثير من المؤسسات الإسلامية في داخل الولايات المتحدة يديرها أشخاص غير أكفاء، وغير ممثلين للإسلاميين، وإنما ممثلون لغيرهم، ولذلك أطلب من الفضائيات العربية التحقق من مثل هذه المؤسسات والقائمين عليها مقابل وجود أشخاص آخرين نشعر بإخلاصهم في العمل.

والوضع الإسلامي في أمريكا هو وضع لا يُحسد عليه، ولذلك كله فإن الثقافة الإسلامية في الولايات المتحدة يتم النظر إليها وبشكل مزدوج.

 

اعتناق الإسلام:

لكن البعض يرى زيادة إقبال الغربيين على اعتناق الإسلام، ورغبتهم أيضاً في الاطلاع على الإسلام أليس كذلك؟

الشعب الأمريكي بشكل عام شعب قارئ، وهو يثق بحكومته عموماً، في الوقت الذي لا يثق في «جورج بوش» شخصياً، كما أنه يثق بالإعلام حتى لو كان مشوّهاً، وإن كانت بعض الأجهزة الإعلامية الحيادية قد استطاعت أن تقدم صورة موضوعية عن الإسلام.

والمثقف الأمريكي عندما بدأ يسمع عن أحداث سبتمبر يؤمن بفلسفة الذات والفردية، ولا توجد الآن دراسات عن دخول الأمريكيين في الإسلام، ونحن نتحدث عن (300) مليون أمريكي، ولذلك فلو اعتنق مئة منهم الإسلام فإننا كأن لم نتحدث عن شيء، ونحن الآن مليار و (300) مليون مسلم فهل نحن فاعلون؟ لذلك العبرة بالفاعليّة.

والمهم أيضاً النظر إلى طبيعة الذين يعتنقون الإسلام، فقد يكونون من الأمريكيين السود، أو من الجماعات المسحوقة، أو جماعات أخرى قد لا يكون لها القيمة أو النوعية، فضلاً عن طبيعة المادة التي تقدم الإسلام أو تتحدث عنه، فقد يقرأ لمستشرقين أو الخارجية الأمريكية أو استعرض تفاسير القرآن عن غير فهم، ومن هنا يأتي الخطأ، ونحن في الولايات المتحدة ضعفاء، وهذا من ضمن التخبط الموجود هناك، ومهمتنا أن نطرح تياراً إسلامياً معتدلاً يؤمن بالوسطية، ويؤمن بإحقاق الحقوق، ووجود أجهزة إعلامية قوية، ودعم الجالية الإسلامية القوية.

 

ما هي طبيعة المنتدى الذي تتولّون رئاسته؟

طبيعته إيجاد تيار وسطي، فنحن أسّسنا منتدى الفكر والثقافة الإسلامي عام 1996 كهيئة مستقلة تُعنى بالحوار والتجديد والتأصيل، ونحن لا نستهدف إلغاء الأصول، ولكننا نريد أن نوجد تياراً فكرياً واعياً حتى تنهض الأمة من وعكتها الراهنة.

وبعد تأسيس هذا المنتدى في أمريكا - والنزاع مع بعض المؤسسات الإسلامية وليس مع الحكومة الأمريكية - حوربنا من جانب بعض الإسلاميينº لأنهم لا يفهمون الفكر أو الثقافة الإسلامية بالشكل الصحيح، ولكننا قمنا بتحييد هذا الصراع والنزاع.

وأصدرنا كتباً عن «الإسلام والدور المنتظر» ثم طبعناه مرتين 1996 و1999، وشارك فيه (11) مفكراً، و «من أجل أخلاق أفضل»، «الحوار والديمقراطية في الشرق الأوسط»، كما لدينا إذاعة تبث في ولاية ميتجشن وإياهو ومدينة «وزنر» في كندا لمدة ساعتين أسبوعياً، وكنت العضو العربي الوحيد في المنظمة الإعلامية الأمريكية في ولاية ميتجشن.

ونسعى إلى أن يكون لنا بصمة في التاريخ، وأشرطة إذاعتنا قمنا بوضعها في أحد أكبر المكتبات في أمريكا، ومحفوظة في التاريخ الشفهي للعرب الأمريكيين، وكان غرضنا في ذلك استفادة الباحثين جميعهم من هذه الأشرطة، فضلاً عن حفظهما من التلف.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply