آداب الدعاء ومستحباته


بسم الله الرحمن الرحيم

 

للدعاء آداب ومستحبات ينبغي مراعاتها، من ذلك:

1. أخي: إذا دعوت الله - تعالى - فلتبدأ أولا: بحمده والثناء عليه - تبارك و تعالى -.. ثم بعدها: بالصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -.. ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك عن فضالة بن عبيد (رضي الله عنه): قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد إذ دخل رجل فصلى: فقال: اللهم أغفر لي وارحمني. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عجلت أيها المصلي اذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصل علي ثم ادعه).

 

قال: ثم صلى أخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال له النبي صلى الله: (أيها المصلي ادع تجب) رواه أبو والترمذي / صحيح الترمذي: 3476).

 

2. أخي: ومن آداب الدعاء الحسنة: الوضوء … حتى تقبل على الله - تعالى -.. طاهرا …. متهيئا لمناجاته ودعائه …

وفي حديث أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه: ) لما استغفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبيد أبي عامر، دعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال:

 

(اللهم أغفر لعبيد أبي عامر.. ) رواه البخاري ومسلم. والحديث طويل).

 

3- استقبال القبلة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((استقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة فدعا على نفر من قريش)) - أخرجه البخاري في المغازي (3960)، وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: ((خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة، وقلب رداءه)) - أخرجه البخاري (6343)، ومسلم (894).

 

4- اختيار أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها، ولا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يدعى به بعد تفهمها وتدبرهاº لأنها أكثر بركة، ولأنها جامعة للخير كله، في أشرف الألفاظ وأفضل العبارات وألطفها، ولأن الغلط يعرض كثيرا في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال.

 

قال الطبراني مبينا سبب تأليفه كتاب الدعاء: \"هذا الكتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوراقون، لا تروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكراهية للسجع في الدعاء، والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -\" - مقدمة كتاب الدعاء للطبراني.

 

وقال القاضي عياض: \"أذن الله في دعائه، وعلَّم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه - صلى الله عليه وسلم -، وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام، فقيَّض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشد ما في الإحالة أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر، فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشغلوا من الحديث إلا بالصحيح\" - انظر: شرح الأذكار لابن علان (1/17).

 

وقال الغزالي: \"والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة، فإنه قد يعتدي في دعائه، فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء\" إحياء علوم الدين (1/554).

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا\" - مجموع الفتاوى (1/336) \" القاعدة الجليلة \".

 

5- التذلل والافتقار.

أخي المسلم: إذا أردت لدعائك أن يصعد حقا. فتأمل في حالك وقت الدعاء، هل أنت ممن يدعون دعاء الراغب.. الراهب … المستكين.. الخاضع.. المتذلل الفقير الى ما عند ربه - تبارك و تعالى -؟.

 

أم أنك أخي إذا دعوت دعاء غافل … لاه.

 

أخي: التذلل والخضوع والافتقار إلى الله أثناء الدعاء له مفعول عجيب في إجابة الدعاء.

 

وقد غفل الكثيرون عن ذلك فتجد أحدهم إذا دعا أخرج كلمات جافة لا أثر للخضوع والتذلل فيها. وقد نسي هذا أنه يخاطب ملك الملوك.. المتفرد بالجلال والكبرياء …

 

قال بعضهم: أدع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق.

 

أخي المسلم: إن أثر التذلل والخضوع على إجابة الدعاء سريع … مضمون الفائدة ولا يجد هذا إلا من جربة …

 

وسأقص عليك أخي نماذج تبرهن لك أن أثر التذلل على إجابة الدعاء لا يتخلف.

 

قيل: أصاب الناس قحط على عهد داود - عليه السلام -  فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم.

 

فقال أحدهم: اللهم أنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا فاعف عنا وقال الثاني: اللهم أنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا، اللهم إنا أرقاؤك فاعتقنا.

 

وقال الثالث:

اللهم أنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا تردنا دعاءنا فسقوا.

 

* وفي عهد عبد الرحمن الثالث: الخليفة الأموي على بلاد الأندلس، أمسكت السماء ذات مرة عن المطر، فدعا الخليفة الناس إلى الاستسقاء، وكان قاضي الجماعة يومها منذر بن سعيد (رحمة الله): فبعث إليه الخليفة أن يخرج الناس إلى صلاة الاستسقاء.

 

ولما جاء رسول الخليفة إلى منذر، قال له منذر:

 

كيف تركت مولانا؟

 

فقال: تركته وقد نزل عن سريره وافترش التراب.

 

فقال منذر: ابشروا بالفرج فإنه إذا ذل جبار الأرض رحم جبار السماء.

 

وخرج الناس بعدها للاستستقاء. فسقوا.

 

أخي المسلم: لذلك كان أرجى الدعاء بالاستجابة ما تضمن الخضوع والتذلل والاعتراف بالذنب …

 

وإذا أردت أخي دعاء يجمع هذه الخصال، فقد أرشدك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فانه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله له) رواه الترمذي والحاكم / صحيح الترمذي: 3505).

 

فادع أخي بلسان الخضوع والتذلل المسكنة … دعاء عبد فقير إلى ما عند ربه - تعالى - … محتاجا إلى فضله وإحسانه … مقرا بذنوبه … خاضعا خضوع المقصرين … يرى أنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بل أن ربه - تبارك و تعالى - هو مالك النفع والضر.. وهو - تعالى - الغني عن خلقه وهم الفقراء إليه - سبحانه  تبارك و تعالى -..

 

أخي: أفهم هذا جيدا فإنه سر من أسرار الدعاء المستجاب جهله الكثيرون..

 

فتنبه ولا تكن من الغافلين.

 

6- أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة: كعشية عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، وخاصة العشر الأواخر منه، وبالأخص ليلة القدر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل، وبين الأذان والإقامة.

 

قال الله - تعالى -: {وَبِالأَسحَارِ هُم يَستَغفِرُونَ } (18) سورة الذاريات ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ينزل ربنا - تبارك و تعالى - كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول - عز وجل -: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) - أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).

 

وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قيل له: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) - أخرجه الترمذي في الدعوات (3499)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (108)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2782).

 

7- أن يغتنم الحالات الفاضلة: كالسجود، ودبر الصلوات، والصيام، وعند اللقاء، وعند نزول الغيث.

قال ابن القيم: \"((دبر الصلاة)) يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا يعني ابن تيمية يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه، كدبر الحيوان\" - زاد المعاد (1/305).

 

وقال الشيخ ابن عثيمين: \"الدبر هو آخر كل شيء منه، أو هو ما بعد آخره\".

 

ورجّح - رحمه الله - أن الدعاء دبر الصلوات المكتوبة يكون قبل السلام، وقال: \"ما ورد من الدعاء مقيداً بدبر فهو قبل السلام، وما ورد من الذكر مقيداً بدبر فهو بعد الصلاةº لقوله - تعالى -: {فَإِذَا قَضَيتُمُ الصلاة فَذكُرُوا اللَّهَ قياماً وَقُعُوداً ٰوعلى  جُنُوبِكُم} [النساء: 103]\" - من إملاءات الشيخ في درس زاد المعاد نقلاً عن كتاب الدعاء للشيخ الحَمد.

 

8- أن يستغلَّ حالات الضرورة والانكسار، وساعات الضيق والشدة: كالسفر، والمرض، وكونه مظلوما.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده)) - أخرجه أبو داود (1536)، والترمذي (1905)، وابن ماجه (3862) واللفظ له، وأحمد (2/258)، وصححه ابن حبان (2699)، وله شاهد من حديث عقبة بن عامر عند أحمد (4/154)، وروي مثله عن ابن مسعود - رضي الله عنه - من قوله.

 

قال ابن رجب: \"والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء... ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاءº لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء\" - جامع العلوم والحكم (1/269).

 

9- رفع اليدين وبسط الكفَّين، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه)) - أخرجه البخاري في المغازي (4323)، ومسلم في فضائل الصحابة (2498)، وعن سلمان رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)) - رواه أبو داود في الصلاة (1488)، والترمذي في الدعوات (3556)، وابن ماجه في الدعاء (3865)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1757).

 

ويشرع هذا الرفع في الدعاء المطلق، أما الأدعية الخاصة فإنه لا ترفع الأيدي إلا فيما رفع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - منها، وما لم يثبت رفعه فيه فالسنة فيه عدم الرفع، اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

10 - ومن الأدب الحسن والذي يرجي به لصاحبه أن يستجاب دعاؤه: أن يقدم بين يدي دعائه عملا صالحا كصلاة أو صيام أو صدقة … ألا ترى أخي أن الدعاء بعد الصلوات أرجى للإجابة. لأنه وقع بعد عمل صالح، وهو:

(الصلاة المفروضة) وهي ارفع عمل بعد توحيد الله تعالي.

 

 

11- ومن الآداب الجملية للدعاء: أن يخفض الداعي صوته إذا دعاء …. فإن الداعي مناج لربه - تبارك و تعالى -، والله - تعالى - يعلم السر وأخفى.. كما أن الداعي إذا خفض صوته كان بذلك أكثر تأدبا وتذللا وخضوعا ممن رفع صوته بالدعاء.

 

وقد مدح الله - تعالى - نبيه زكريا - عليه الصلاة والسلام - بخفض الصوت في الدعاء، فقال - تعالى -: (ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا ) مريم: 3. 2).

 

12 - ومما ينبغي أن تلاحظه من الآداب و أنت تدعو الله عزوجل: اختبار الاسم الذي يليق بجلاله - سبحانه وتعالى-.. فتدعوه بما جاء في القرآن والسنة من أسمائه الحسنى - تبارك و تعالى -... ولا تتجاوز ذلك إلى الأسماء التي لم ترد في القرآن والسنة أو الأسماء التي ابتدعها المبتدعة وأهل الأهواء..

 

قال - تعالى - (لله الأسماء الحسنى فادعوه بها). الأعراف: 180.

قال الإمام القرطبي (رحمة الله): \" سمى الله - سبحانه - أسماءه بالحسنى، لأنها حسنة في الأسماع والقلوب، فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وإفضاله).

 

13- الإكثار من النوافل بعد أداء الفرائض.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه..)) (رواه البخاري.. ).

 

فلتكثر أخي من النوافل فإنها ترفع مقامك في الدنيا والآخرة أما في الدنيا: فبالفوز بمحبة الله تعالي.. وهي غاية الغايات. وإذا فزت بذلك أعانك الله - تعالى - على طاعته ومرضاته.. فلا تسمع الا ما يرضي الله. ولا تبصر الا ما يرضي الله، ولا تنال بيدك الا ما يرضي الله. و لا تمشي برجلك الا في مرضاته - تبارك و تعالى -.. ويستجيب الله دعاءك … ويعيذك من كل شيء يؤذيك …

 

وأما في الآخرة: فبالفوز برضوان الله - تعالى - ونعيمه الباقي …

 

أخي: هذه الخيرات كلها تدركها بإلاكثار من النوافل.

 

فإن أنت ضيعت فرصة كهذه فلتبك على عقلك البواكي.

 

14- التوسل إلى الله بأعمالك الصالحة التي وفقك الله إليها..

 

فالعمل الصالح نعم الشفيع لصاحبة في الدنيا والآخرة إذا كان صاحبة مخلصا فيه.

 

قال وهب بن منية (رحمة الله): العمل الصالح يبلغ الدعاء، ثم تلا قوه - تعالى -: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فاطر: 10).

 

وقال بعضهم: يستحب لمن وقع في شدة أن يدعو بصالح عمله.

 

أخي: وخير واعظ لك في اثر التوسل بالأعمال الصالحة تلك القصة التي قصها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه - رضي الله عنهم - وهي:

قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدت باب الغار الذي كانوا فيه فتوسل كل واحد منهم بعمل صالح عمله، فكشف الله عنهم الصخرة. (والحديث رواه البخاري برقم: 3465) مسلم برقم: 2743).

 

أخي المسلم:

التوسل بالأعمال الصالحة لا يتحقق الا أهل الطاعات … الذين أضاءت أنوار الصالحات من صحائفهم. فإؤلئك هم الذين إذا توسلوا إلى الله - تعالى - بأعمالهم الصالحة قبل توسلهم وكان العمل الصالح خير شفيع لهم..

 

قال وهب بن منبه: مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر.

 

15- ومن الأمور التي تعينك في درب الدعاء المستجاب: أن تدعو الله - تعالى - باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ….

 

سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا اله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)) (رواه داود والترمذي وابن ماجه / صحيح الترمذي: 3475).

 

وسمع أيضا مرة رجلا يدعو:

اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه: (لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أجاب وإذا سئل به أعطي) رواه أصحاب السنن وغيرهم / صحيح أبي داود: 1495).

 

 16- الإلحاح عليه - سبحانه - فيه بتكرير ذكر ربوبيته، وهو أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، فإن الإلحاح يدل على صدق الرغبة، والله - تعالى - يحب الملحين في الدعاء، ومن ذلك تكرير الدعاء، فعن ابن مسعود يصف دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وكان إذا دَعا دعا ثلاثاً)) - أخرجه مسلم في الجهاد والهجرة (1794).

 

17- الجزم في الدعاء والعزم في المسألة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)) - رواه البخاري في الدعوات: باب ليعزم المسألة (6339)، ومسلم في الذكر والدعاء: باب العزم بالدعاء (2679) واللفظ له.

 

قال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ: \"بخلاف العبدº فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه، فيعطيه مسألته وهو كاره، فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسؤول، مخافة أن يعطيه وهو كاره، بخلاف رب العالمينº فإنه - تعالى - لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه، وكمال جوده وكرمه، وكلهم فقير إليه، محتاج لا يستغني عن ربه طرفة عين، وعطاؤه كلام... فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة، فإنه لا يعطي عبده شيئاً عن كراهة، ولا عن عظم مسألة\" - فتح المجيد (ص 471) بتصرف يسير.

 

18- الإكثار من دعاء الله - تعالى - في الرخاء، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة...)) - أخرجه أحمد (1/293)، والترمذي (2516)، وأبو يعلى (2556)، وقال الترمذي: \"حسن صحيح\"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرب فليكثر من الدعاء في الرخاء)) - أخرجه الترمذي في الدعوات (3382)، والطبراني في الدعاء (44، 45)، وصححه الحاكم (1/544)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6290).

 

قال المباركفوري: \"لأن من شيمة المؤمن أن يُريِّش السهم قبل أن يرمي، ويلتجئ إلى الله قبل الاضطرار\" - تحفة الأحوذي (9/229).

 

وقال سلمان الفارسي: إذا كان الرجل دعَّاء في السراء، فنزلت به ضراء، فدعا الله - تعالى -، قالت الملائكة: صوت معروف، فشفعوا له، وإذا كان ليس بدعَّاء في السراء، فنزلت به ضراء، فدعا الله - تعالى -، قالت الملائكة: صوت ليس بمعروف، فلا يشفعون له - جامع العلوم والحكم (1/475).

 

وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس - عليه الصلاة والسلام - كان يذكر الله - تعالى -، فلما وقع في بطن الحوت قال الله - تعالى -: {فَلَولاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطنِهِ إِلَىٰ يَومِ يُبعَثُونَ} [الصافات: 143، 144]، وإن فرعون كان طاغياً ناسياً لذكر الله، فلما أدركه الغرق، قال: آمنت، فقال الله - تعالى -: {الآن وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدِينَ} [يونس: 91] - جامع العلوم والحكم (1/475).

 

19- أن يبدأ الداعي بنفسه، ثم يدعو لإخوانه المسلمين، وأن يخص الوالدين، وأهل الفضل من العلماء والصالحين، ومن في صلاحه صلاح المسلمين، فعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه)) - رواه الترمذي في الدعوات (3385)، وأبو داود في القراءات (3984)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4723).

 

وأرشد الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك فقال: {وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنِينَ والمؤمنات} [محمد: 19]، وقال - تعالى - عن دعاء نوح - عليه السلام -: {رَّبّ اغفِر لِي ولولديّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِىَ مُؤمِناً وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمؤمنات } [نوح: 28]، وأثنى الله - تعالى - على قوم كان من دعائهم: {رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلإخوننا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان} [الحشر: 10].

 

وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)) - قال في مجمع الزوائد (10/210): \"رواه الطبراني وإسناده جيد\"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6026).

 

20- إخفاؤه والإسرار به، فذلك أعظم إيمانا، وأفضل أدبا وتعظيما، وأبلغ في التضرع والخشوع، وأشد إخلاصا، وأبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء، وأدل على قرب صاحبه من الله، وأدعى إلى دوام الطلب والسؤال، وأبعد عن القواطع والمشوشات والمضعفات، وأسلم من أذى الحاسدين - انظر: بدائع الفوائد (3/6-9).

 

قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: {ادعُوا رَبَّكُم تَضَرٌّعًا وَخُفيَةً}، وإن الله ذكر عبدا صالحا ورضي بفعله فقال: {إِذ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً} [مريم: 3].

 

21- التواضع والتبذل في اللباس والهيئة، بالشعث والاغبرار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) - أخرجه مسلم (2622)، وابن حبان (6483).

 

ولما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - للاستسقاء خرج متبذلاً متواضعاً متضرعاً.

 

22- التأمين بعده، فهو كالخاتم له.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply