اليقين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

اليقين هو التصديق الجازم، أي التصديق الذي لا يعتريه ريب، هو إزاحة الشك، وبه بلغ عباد الله الصادقين مراتب عليا ومقامات رفيعة عند ا لله - تعالى - لأنهم وقفوا علي حقائق التوحيد لله - سبحانه وتعالى - دون أدنى ارتياب، مصدقين بالغيبيات وملتزمين بالعبادات، يرون التوكل على الله في أمور الحياة مع الأخذ بالأسباب أسمى الغايات، كما يرون في حسن الأخلاق وجمالها جوهر السلوكيات.

 

والقرآن العظيم هو قمة اليقين، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: (وانه لحق اليقين) (الحاقة: 51) وباليقين صارت أحوال المؤمنين الصادقين خير. واليقين بالله في كل شيء هو من استمدادات الولاية الواضحة، وقد ورد لفظ اليقين في القرآن الكريم في قوله - تعالى -: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) (الحجر: 99).

 

واليقين في أربعة: وجود الله - سبحانه وتعالى -، والقرآن الكريم، والإسلام خاتم الرسالات الإلهية، والموت ولقد قسم علماء الصوفية اليقين إلى ثلاثة أقسام:

 

أولا: علم اليقين:

هو العلم الكوني أو العلم الإلهي الذي لا ريب فيه، وهو منحة ربانية يحظى بها الأولياء والصالحون، والمقربون، والصديقون عن طريق الإلهامات، والتجليات، والفتوحات، والكشوفات، والمشاهدات، والفيوضات، والرؤى.

 

وهذا العلم سر من الأسرار يودعه الله قلب عبده المخلص، وهو علم وهبي وسيلته البصيرة، ويختلف عن العلم الكسبي، الذي وسيلته الإبصار والذي يحصل السالك عليه بالمجاهدة والنظر بطريق العلم والتلقين.

أما العلم الوهبي، فهو علم يقيني وهو هبة أو منة إلهية يهبها الله لمن يشاء من عباده.

 

ولقد ذكر هذا العلم الإلهي اللدني في آيات عديدة (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) (الكهف: 65).

 

ثانيا: عين اليقين:

يرى أئمة الصوفية أن عين اليقين هو العلم اللدني ذاته أو الهبة الربانية نفسها، وعين اليقين واردة في القرآن الكريم في قوله - تعالى -: (كلا لو تعلمون علم اليقين (5) لترون الجحيم (6) ثم لترونها عين اليقين (7)) (التكاثر: 5-7).

 

ثالثا: حق اليقين:

هو منتهى غاية الواصلين للعلم الإلهي، فهو الصدق اليقيني الذي يشهده السالكون في المقامات العليا، ويراه الشيخ الأكبر (ابن عربي) هو ما حصله المريد الصادق من العلم حسب مجاهداته وإخلاصه وطاعته وصدقه بل حسب ما قدر له الله أن يعاين ويشاهد من العلوم الإلهية التي هي فضل من عند الله.

 

هذه هي أقسام اليقين عند الصوفية، ولقد قيل عن اليقين أنه إذا وصل إلى القلب يملؤه نورا، وينفى عنه كل ريب، ويمتلئ به شكرا ومن الله - تعالى - خوفا.

 

واليقين بهذا المعنى هو استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يحول ولا يتغير في القلب، وقال ابن عطاء: (على قدر قربهم من التقوى أدركوا ما أدركوا من اليقين، وأصل التقوى مباينة النهى، ومباينة النهى مباينة النفس، فعلى قدر مفارقتهم للنفس وصلوا إلى اليقين).

 

ولقد قيل أن هناك ثلاثة أوجه من أعلام يقين اليقين وهى: النظر إلى الله - تعالى - في كل شيء، والرجوع إليه في كل أمر، والاستعانة به في كل حال.

 

وابتداء اليقين هو المكاشفة، وصحة اليقين في ثلاث: سكون القلب إلى الثقة بالله - تعالى -، وإنفاذ أمر الله - تعالى -، والوجل من سابق العلم: ولليقين أول وأخر.. فأوله الطمأنينة وأخره إفراد الله - تعالى - بالكفاية: قال - تعالى -: (أليس الله بكاف عبده) (الزمر: 36).

قال - تعالى -: (يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) (الأنفال: 64) والحسب هو الكافي، والمكتفى هو العبد ا لراضى واليقين سببه التيقظ والشك سببه الغفلة.

 

إن اليقين في جوهره هو نور يودعه الله قلب عبده المؤمن فيشهد الحقيقة كلها ويشعر بالصدق مما يشهده والإيمان الكامل بما يراه، ويعاينه من فضل الله وإحسانه مما يقوده إلى التصديق المتكامل الموصل إلى اليقين الذي لا ريب فيه.

 

ونجد مثل هذا الإنسان الموقن يتصرف ويتفاعل مع كل شيء بإيمان وإيقان كلى لا يهتم بتصديق أو تكذيب غيره له، فهو إنسان واضح مؤمن موقن بما يفعله يتمتع بالصفاء والنقاء والثقة بالله واليقين بما يأتيه من عند الله.

 

فاليقين إذن هو الثقة الكاملة المطلقة بالله، والثقة بالله تورث اللجوء إليه وحده في كل أمر، واللجوء إليه وحده يعنى قمة العبودية لله الواحد القهار القادر على كل شيء، الرحمن الرحيم رب العرش العظيم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply