لا تخفى عليه خافية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{يَعلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ}... [سبأ: 2].

 يا للروعة والجمال، والعظمة والكمال، إيجاز وإعجاز، إمتاع وإقناع، سهولة وإبداع. هذه الآية الموجزة تنبئ بعظمة الله، وتخبر بسعة علمه، وشمول إحاطته، وكريم رحمته.

 لقد وردت هذه الآية بهذا النص في موضعين، الموضع الأول في سورة سبأ، وهي الآية الثانية منها، والموضع الثاني في سورة الحديد، وهي جزء من الآية الرابعة.

 والفرق بينهما في المقدمة والخاتمة، في سورة سبأ قدم لها بالحمد والثناء عليه، وأنه أهل الثناء والمجد والتقديس والحمدº لأنه الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وختمت بقوله - تعالى -: {وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ}.

 وفي سورة الحديد قدم لها بالتسبيح لله - تعالى -، وأن ما في السماوات والأرض يسبح لهº لأن له ملك السماوات والأرض وهو الذي يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، وختمت الآية بقوله: {وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ}... [الحديد: 4].

ولنتأمل هذه الآية البديعة في الموضعين اللذين وردت فيهما في كتاب الله - تعالى -.

في سورة سبأ قال - تعالى -: {الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَلَهُ الحَمدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ {1} يَعلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ}... [سبأ: 1، 2].

وفي سورة الحديد قال - تعالى -: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ {1} لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ يُحيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ {2} هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ {3} هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ, ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يَعلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ}... [الحديد: 1 - 4].

إنها آية بديعة، ألفاظ ساحرة، ومعان آسرة، تأخذ بزمام النفس، وتستولي على اللب، وتنقش أثرها في القلب، هذه الآية لو أراد الإنسان أن يعطيها حقها من الدراسة، ونصيبها من التأمل لمكث أياماً وليالي ولم يرجع من ذلك إلا بما يرجع به من ملأ مزودته من ماء نهر عذب رقراق.

إنها تصور علم الله الشامل المحيط الذي لا يشاركه أحد في نوعه وصفته وطريقته مهما علم المخلوقون من ظواهر الأشياء، فهم جميعاً في قبضته، وأثر من آثار عظمته، وذرة من ذرات صنعه، أدعوك أن تسرح بخيالك وتسيح بفكرك فيما تنبئ به هذه الآية من هذا الكتاب العظيم.

لو أن أهل الأرض جميعاً وقفوا حياتهم كلها يتتبعون ويحصون ما يقع في لحظة واحدة، مما تشير إليه الآية لأعجزهم تتبعه وإحصاؤه عن يقين!.

فكم من شيء في هذه اللحظة الواحدة يلج في الأرض؟ وكم من شيء في هذه اللحظة يخرج منها؟ وكم من شيء في هذه اللحظة ينزل من السماء؟ وكم من شيء في هذه اللحظة يعرج فيها؟.

كم من شيء يلج في الأرض؟ كم من حبة تختبئ في جنبات هذه الأرض؟ كم من دودة ومن حشرة ومن هامة ومن زاحفة تلج في الأرض في أقطارها المترامية؟ كم من قطرة ماء ومن ذرة غاز، ومن إشعاع كهرباء تندس في الأرض في أرجائها الفسيحة؟ وكم وكم مما يلج في الأرض ما لا عد له ولا حصر من شتى الأنواع والأحياء والأشياء وعين الله عليه ساهرة لا تنام؟!.

وما يخرج منها؟ كم نبتة تنبثق؟ وكم من نبع يفور؟ وكم من بركان يتفجر؟ وكم من غاز يتصاعد، وكم من مستور يتكشف؟ وكم من حشرة تخرج من بيتها المستور؟ وكم وكم مما يُرى ومما لا يُرى، ومما يعلم البشر ومما يجهلونه وهو كثير؟؟.

وكم مما ينزل من السماء؟ كم من نقطة مطر؟ وكم من شهاب ثاقب؟ وكم من شعاع محرق؟ وكم من شعاع منير؟ وكم من قضاء نافذ ومن قدر مقدور؟ وكم من رحمة تشمل الوجود وتخص بعض العبيد؟ وكم من رزق يبسطه الله لمن يشاء من عباده ويقدر؟.. وكم وكم مما لا يحصيه إلا الله؟.

وكم مما يعرج فيها؟ كم من نفس صاعد من نبات أو حيوان أو إنسان أو خلق آخر مما يعرفه الإنسان؟ وكم من دعوة إلى الله معلنة أو مستترة لم يسمعها إلا الله في علاه؟.

وكم من روح من أرواح الخلائق التي نعلمها أو نجهلها متوفاة؟ وكم من ملك يعرج بأمر من روح الله؟ وكم من روح يرف في هذا الملكوت لا يعلمه إلا الله؟.

ثم كم من قطرة بخار صاعدة من بحر، ومن ذرة غاز صاعدة من جسم؟ وكم وكم مما لا يعلمه سواه؟!.

كم في لحظة واحدة، وأين يذهب علم البشر وإحصاؤهم لما في اللحظة الواحدة ولو قضوا الأعمار الطوال في العد والإحصاء! وعلم الله الكامل الهائل اللطيف العميق يحيط بها كلها في كل مكان وفي كل زمان.. وكل قلب وما فيه من نوايا وخواطر وماله من حركات وسكنات تحت عين الله، وهو مع هذا يستر ويغفر.. {وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ}... [سبأ: 2].

ثم لماذا هذا الختام الجميل للآية: {وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ}.

قد يتوهم من يسمع هذه الآيات الدالة على العظمة، المشيدة بالكبرياء أن هذا الرب العظيم القدير المالك المتصرف المهيمن، أنه رب ليس في كونه الهائل وتدبيره المذهل، ليس فيه مجال للرحمة وطريق للعفو وقبول المفرِّطِين، فيأتي دفع هذا التوهم في ختام الآية، ويعلن ـ - جل وعلا - ـ أن هذا الرب الخالق المالك الرازق العليم الخبير السميع هو مع ذلك كله رحيم، وسعت رحمته كل شيء وهو الغفور، يغفر الذنب ويقبل التوب ويعفو عن السيئات.

وفي الآية الثانية تختم الآية بمعنى مغاير لهذا المعنى: {وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ}... [الحديد: 4]، فهذا الخالق الرازق المالك المتصرف الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، لا يتطرق إلى أذهانكم أنه يغفل عما تعملون، أو لا يعرف ماذا تفعلون، والواجب عليكم وقد عرفتم عظمته، ورأيتم قدرته، وعلمتم بديع صنعه، وشمول علمه، الواجب عليكم أن تعبدوه وتطيعوه وتراقبوه، فهو معكم أينما كنتم وهو بما تعملون بصير.

إن شعور المؤمن بمعية الله له يرفعه ويطهره، ويجعله مشغولاً بهذه المعية عن غيرها، ويجعله في حذر دائم وخشية دائمة لمن هو معه أينما كان.

الآيات التي تتحدث عن علم الله - تعالى - وشموله وإحاطته كثيرة جداً في كتاب الله - تعالى -، آيات تأخذ بالألباب وتهز النفوس وتزرع العظمة والإجلال والمحبة والإكبار، وهذه الآيات لها أهميتها، ولها أثرها العميق لدى أولي الألباب، فالمرء حينما يعلم سعة علم الله - تعالى - وإحاطته وشموله ومراقبته، وأنه لا تخفى عليه خافية، ولا تغيب عنه ذرة، وأنه معه أينما كان، وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، يعلم خلجات الأنفس، وخواطر القلوب وخائنة الأعين وما تخفي الصدور، إذا تمثل المرء هذه الحقائق استقامت حياته وخشعت جوارحه، وطابت أقواله، وحسنت أعمالهº لأنه يعلم أنه في قبضة العليم الخبير، السميع البصير الذي أخبر عن نفسه بقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لاَ يَعلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ, إِلاَّ يَعلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ, فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ وَلاَ رَطبٍ, وَلاَ يَابِسٍ, إِلاَّ فِي كِتَابٍ, مٌّبِينٍ,}... [الأنعام: 59]، وهو القائل: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَّاذَا تَكسِبُ غَداً وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ, تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}... [لقمان: 34]، وهو القائل: {أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجوَى ثَلَاثَةٍ, إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم وَلَا خَمسَةٍ, إِلَّا هُوَ سَادِسُهُم وَلَا أَدنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُم أَينَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ}... [المجادلة: 7].

سبحان الله عما يصفون الله - جل وعلا - وصف نفسه بصفات عديدة، وتسمى بأسماء بديعة في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهذه الأسماء والصفات التي وصف نفسه بها أو وصفه بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - يجب الإيمان بها إيماناً جازماً، وأنها صفات كمال وجمال وجلال، نؤمن باتصاف المولى بها، ولكننا نجهل كيفيتها، فذلك مما لم تدركه عقولنا ولم تصله أفهامنا، وإن السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا يدركون هذه الحقائق العظيمة، فلذلك لم يزجوا بأنفسهم في متاهات الشك وساذج الأسئلة، فلم يعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يخوض في ذلك أو يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية صفات الله - تعالى -، فقد آمنوا بقوله: {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}... [الشورى: 11]. هذه هي عقيدة سلف الأم، وقد قررها وحررها عدد من علماء الإسلام كالإمام الطحاوي الحنفي - رحمه الله - وأبو الحسن الأشعري، وابن تيمية، وابن القيم، والذهبي - رحمهم الله - جميعاً.

 

العلماء يُقرِّرون عقيدة السلف

الإمام ابن تيمية:

وقد أوجز الإمام ابن تيمية - رحمه الله - مذهب السلف الصالح في الأسماء والصفات فقال: \" فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - نفياً وإثباتاً، فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه.

وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.

وقد حذرنا الله من الانحراف عن النهج الذي قرره الله في كتابه في أسمائه - تعالى - وصفاته، فقال: {وَلِلّهِ الأَسمَاء الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَآئِهِ}... [الأعراف: 180] وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمة القبر.

 وقال - تعالى - منزهاً نفسه عما يصفه به الملحدون في أسمائه، الضالون المشركون: {سُبحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}... [المؤمنون: 91]. {سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}... [الصافات: 180]، واستثنى من ذلك ما وصفه به عباده المخلصون: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ المُخلَصِينَ}... [الصافات: 40]، وفي الآية الأخرى سلم على المرسلين لسلامة ما قالوه ووصفوا الله به: {وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ}... [الصافات: 181] \".

 

الإمام الذهبي:

يقول الإمام الذهبي - رحمه الله -: \" فإذا أحببت يا عبد الله الإنصاف فقف مع نصوص القرآن والسنن، ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذا الآيات، وما حكوه من مذاهب السلف، فإما أن تنطق بعلم، وإما أن تسكت بحلم، ودع المراء والجدال، فإن المراء في القرآن كفر، كما نطق بذلك الحديث الصحيح، وسترى أقوال الأئمة في ذلك على طبقاتهم بعد سرد الأحاديث النبوية. جمع الله قلوبنا على التقوى وجنبنا المراء والهوى، فإننا على أصل صحيح، وعقد متين، من أن الله تقدس اسمه لا مثيل له، وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نتعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته، نؤمن بها، ونعقل وجودها، ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه، - تعالى - الله عن ذلك علواً كبيراًº فالاستواء ـ كما قال مالك الإمام وجماعة ـ معلوم والكيف مجهول \".

 

الشيخ حافظ الحكمي:

ويقول الشيخ العلامة حافظ الحكمي - رحمه الله -: \" وجل الله عن أن يشبه الأنام في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعالهº لأن الصفات تابعة لموصوفها، فكما أن ذاته لا تشبه الذوات فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقات، ولو اهتدى المتكلمون لهذا المعنى ـ الذي هدى الله إليه أهل السنة والجماعة ـ لما نفوا عن الله ما وصف به نفسه ووصفه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -º ولما عطلوه عن صفات كماله ونعوت جلاله فراراً بزعمهم من التشبيه، فوقعوا في أعظم من ذلك، ولزمهم أضداد ما نفوه من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وسبب ضلالهم أنهم تقدموا بين يدي الله ورسوله، واتهموا الوحيين فيما نطقا به، ووزنوهما بعقولهم السخيفة وأذهانهم البعيدة وقوانينهم الفاسدة التي هي ليست من الله في شيء، ولا من علوم الإسلام في ظل ولا فيء، وإنما هي أوضاع مختلفة أدخلها الأعادي على أهل الإسلام لقصد إظهار الفساد، ولغرس شجرة الإلحاد المثمرة تعطيل الباري - عز وجل - عن صفات كماله وعلوه واعتقاد الحلول والاتحاد.

 

جاءوا بها في قـالب التنزيـه ***  لله كي يـغوون كـل سفيهِ

قالوا صفـات كمالـه منفيـة ***  عنه مخافة موجـب التشبيهِ

تعطيلهم سمـوه تنزيهـاً لـه ***  ليروّجوا فاعـجب لذا التمويه

والوحي قالوا نصه لا يوجب ***  العلم اليقين فـأي دين فيـهِ

ما الدين إلا ما عن اليونان قد *** جئنا به طـوبى لمن يحويـه

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم *** وبقوا حيارى في ضلال التيهِ

فسموا النور الذي أنزل الله - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - تفصيل كل شيء وتبياناً لكل شيء ولم يفرط فيه من شيء، وبيان النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع كلمه التي اختصه الله بها، فسموا ذلك كله [آحاد ظنية لا تفيد اليقين] وسموا زخارف أذهانهم ووساوس شيطانهم [قواطع عقلية]، لا والله ما هي إلا خيالات وهمية ووساوس شيطانية، هي من الدين بريئة وعن الحق أجنبية توجب الحيرة وتعقب الحسرة، كثيرة المباني كثيرة المعاني كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، ويا ليته إذا جاءه لم يجده شيئاً لكن وجده السم النقيع والداء العضال، فخاخ هلكة نصبها الأعداء لاصطياد الأغبياء، وخدعة ماكرة في صورة ناصح، فِعلُ عدو الله اللعين في قصته مع الأبوين - عليهما السلام - في دلالتهما على الشجرة التي نهاهما ربهما عنها: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ {21} فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ,}... [الأعراف: 21، 22].. إلى آخر الآيات، وكذلك كتب الكلام والمنطق اليوناني أدخله الأعداء علينا، وسموه علم التوحيد تلبيساً وتمويهاً، وما هو إلا سُلَّم الإلحاد والزندقة، وجحدوا صفات الباري - عز وجل -، وسموا ذلك تنزيهاً ليغروا الجهال بذلك، وإنما هو محض التعطيل.  

وسموا أولياء الله المؤمنين الذين عرفوه بأسمائه وصفاته مشبهة لينفروا الناس عنهم مكراً وخديعة، فأصبح المغرور بقولهم المخدوع بمكرهم حائراً مخذولاًº لأنهم لما عزلوا كتاب الله عن البيان وحكموا عقولهم السخيفة في نصوص صفات الديان لم يفهوا منها إلا ما يقوم بالمخلوق من الجوارح والأدوات التي منحه الله إياها ومتى شاء سلبه، ولم ينظروا المتصف بها من هو، فلذلك نفوها عن الله - عز وجل - لئلا يلزم من إثباتها التشبيه، فشبهوا أولاً وعطلوا ثانياً، فلما نفوا عن الله صفات كماله لزمهم إثبات ضدها وهو النقائص، فمن نفى عن الله كونه سميعاً بصيراً فقد شبهه بما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئاً وكذلك سائر الصفات، وماذا عليهم لو أثبتوا لله - عز وجل - ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كما شاء الله - تعالى - وعلى الوجه الذي أراده، فجميع صفاته صفات كمال وجلال تليق بعظمة ذاته ونفيها ضد ذلك \" أهـ.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

روعة

-

شهاب

08:44:39 2020-11-20

ما شاء الله مقال ممتاز يعرفك بعظمة الخالق الجليل ...سؤال من كاتب هذا المقال جزاه الله خيرا