بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عرف قدره المؤمنون وخشيه العلماء الراسخون وطلبوا مرضاته واتبعوا سبيله فبالكتاب والسنة يهتدون، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، له الحمد في الأولى و الآخرة واليه ترجعون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المشهود له بالخلق العظيم والمبشر في (نون) بأجر غير ممنون صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وترسم خطاه إلى يوم يبعثون وسلم تسليم، أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله.
أيها المسلمون: ثم ماذا؟ سؤال يجب أن يطرحه كل منا على نفسه إذا أمسى أو إذا أصبح بين فينة وأخرى بعد كل نعمة تتجدد أو مصيبة تقع.. ثم ماذا؟. إننا في هذه الدنيا نسير سيراً حثيثا إلى جواب هذا السؤال ولكننا عنه غافلون... فقد مضت قرون وقرون لم نكن شيئا مذكورا، واليوم بنينا وشيدنا وعمرنا الأرض أقوى مما عمروها ورفعنا البنايات أعلى مما رفعوها، وصلوا القمر وغزوا المريخ وتفننوا في صناعات لم تعرف في التأريخ، ولكن يبقى السؤال: ثم ماذا؟.. هل بلغت الأربعين فأين أنت قبل أربعين. كيف كانت الدنيا ولم تكن فيها هل شعرت أنك لم تزد هذه الحياة شيئا ولن يفقد الناس بفقدك شيئا، فرحوا بحياتك وسيحزنون بعد مماتك بيد أنهم سينسونك حتما، لتواصل الحياة مسيرتها.
مات فلان ذلك العظيم ذلك الذي غير مجرى الحياة اختراعاته أو بمؤلفاته أو بسلطانه أو بعلمه أو بفنه ومسلسلاته ولكن لازلنا مع هذا السؤال... ثم ماذا؟ هل تحققت في هذه الدنيا أحلامك، هل رزقت المال والبنون، هل تسنمت أعلى المراكز، هل بلغت من الجاه والشهرة مبلغا، هل تنقلت في بقاع الأرض شرقا و غربا، هل أشير إليك بالبنان، هل غدوت أشهر إنسان، أو أهم إنسان، أو أغنى إنسان، هل تملك الدور والقصور، هل تمتعت بالبيد الحسان وبالحور هب أن كل ذلك قد كان، سنبقى مع السؤال... ثم ماذا؟
هب أن قد ملكت الأرض طرا *** ودان لك العباد فكان ماذا
أليس مصيرك جوف قبر *** ويحثو عليك الترب هذا ثم هذا
أيها الأحبة: إن جواب السؤال ماثل أمامنا بكل صدق وحيده ولكن غفل عنه الغافلون وتناساه المسرفون وأعرض عنه اللاهون الذين هم في غمرة ساهون، و إلا فقد قال المولى - جل وعلا -: (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولى الإبصار) فلا يعتبر بهذا التقلب إلا من نور الله بصيرته وعرف مصيره وسعى حثيثا يصلح آخرته، و عرف كنه الأيام وأنها دول من سره زمن ساءته أزمان، فجعل له هدف يسعى إليه ورسم لنفسه طريقا يسير عليه، ولا هدف أسمى من الجنة والرضوان ورؤية وجه الرحمن، ولا طريق يوصل إلى ذلك الهدف إلا طريق المبعوث رحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم -.
فيا أيها المسلمون: قد خلقت الدنيا و جبلت على المنغصات فلا تصفو أبدا (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فهما كان المرء سعيداً يومه هذا فقد ينغص عليه تلك السعادة ذكرى حبيب أو شوق لحبيب أو بعد عن حبيب فلا ريب انه دفن أحداً من أحبابه أو أصحابه وهو عما قريب بهم سيلحق وجواب سؤالنا: ثم ماذا؟ جاءت به نصوص الكتاب الكريم: (ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) فتزودوا أحبتي بالتقوى وبصالح الأعمال. ألا وإن من صالح الأعمال بل من أكثرها برا: بر الوالدين والإحسان إليهما والعمل في مرضاتهما، وان من صالح الأعمال صيام يوم عاشوراء لما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا، قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه. وفي رواية قالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيما له فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه، وفي رواية أخرى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فنحن أحق وأولى بموسى منكم فأمر بصيامه. وسئل عن صيامه فقال أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.
فصيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية فبادروا بصيامه احتسابا فمن صام يوما في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفا ومن صامه فليصم يوما قبله أو يوما بعده مخالفة لليهود.
وفقني الله وإياكم لمرضاته وجمعنا ووالدينا والمسلمين في الدرجات العلا من جناته - اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم انك حميد مجيد
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد