ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله أكرم جباهنا بالسجود لعظمته ونور قلوبنا بالإيمان به وبمعرفته وطاعته وأرغم أنوفنا بالتسليم لحكمته والاستسلام لقدرته ومنحنا عقولا ننظر بها في ملكوته لنوحده في أسمائه وصفاته وألوهيته وربوبيته واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له خضعت له الرقاب واستدلت على حكمته بصنعته أولو الألباب شهادة أرجو بها نيل رضوانه والفوز بالدرجات العلى من جنته وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرجح الخلق عقلا وأكملهم خلقا وفضلا، جاهد في الله حق الجهاد وأبلى ودعا إلى الله خلقا وعملا وقولا شهادة أرجو بها أن أرد حوضه فاشرب من يمينه شربة هنية لا أضمأ بعدها أبدا وادخل بها تحت لوائه وفي شفاعته - صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحابته وسلم تسيلماً - أما بعد:

 

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - عز وجل - إذ هي وصية الله للأولين والآخرين كما قال - جل وعلا -: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) وهي وصية الحبيب - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه كما في حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه – وفيه: (قلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله).

 

أيها المسلمون: ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره كلمة قالها أبي الدرداء - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في مسند الإمام أحمد قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا صفوان بن عمر قال حدثني عبد الرحمن بن الزبير بن نفيل عن أبيه قال لما فتحت قبرص وفرق بين أهلها رأيت أبا الدرداء جالس وحده يبكي فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله فقال ويحك يا زبير ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) وصدق - رضي الله عنه - فان المتأمل في كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه يعلم يقينا صدق مقالته فان الداء المفسد لدنيا العبد وآخرته معصية الله - تعالى - وترك أمره وما من مصيبة تصيب العبد في دنياه في جسده أو ماله أو أهله إلا وسببها معصية الله - تعالى - (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير).

 

أخوة الإسلام: بمعصية الله - تعالى - أخرج آدم من الجنة وطرد إبليس ولعن وبدل بالقرب بعدا وغضب عليه الرب - تعالى - ومقته أكبر المقت فارداه وبمعصية الله - تعالى - أغرق أهل الأرض جميعا زمن نوح - عليه السلام - ، وهاجت الريح على قوم عاد صرصرا عاتيه فهل ترى لهم من باقية، وبمعصية الله - تعالى - أخذت ثمود الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود وبمعصية الله - تعالى - قلبت قرى قوم لوط بعد أن رفعت حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ثم قلبت وجعل عاليها سافلها وأمطرت عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد، وبمعصية الله - تعالى - أخذ قوم شعيب عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم، وبمعصية الله - تعالى - أخذ فرعون وجنوده فنبذ في اليم وهو مليم، وبمعصية الله - تعالى - خسف بقارون وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين (وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا) (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون).

 

أخوة الدين والعقيدة: ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره بينا هي أمة ظاهرة قاهرة لها الملك تركوا أمر الله – تركوا أمر الله - فصاروا إلى ما رأيتم والى ما سمعتم (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) وإن من أشد العذاب أن يخزي الله من تحداه وأعرض عن سبيله وعصاه والسعيد من وعظ بغيره لا من كان عظة لغيره - يقولون أخزاه الله أي فضحه وأذله وأذاقه الصغار والهوان ومن هنا جاء الدعاء المأثور اللهم أحشرنا غير خزايا ولا نادمين وقد تكرر في كتاب الله - تعالى - ذكر الخزي إما مٌنة منه - سبحانه - بعدم الخزي أو عذابا منه - سبحانه - بالخزي قال - جل وعلا -: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا) أي قتل وإهلاك والخزي بمعنى العذاب بل هو أشد أنواع العذاب كقوله - تعالى -: (فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا) وقوله: (فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ) أي من عذابه وذله (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) أي الطرد والرد (ولا تخزوني في ضيفي (أي لا تفضحوني ولا تذلوني فيه ولا تعيروني وقوله من قبل أن نذل ونخزى) أي نفتضح ولقد كان دعاء المؤمنين أولو الألباب (ولا تخزنا يوم القيامة) أي لا تهنا ولا تفضحنا ولا تذلنا أمام خلقك ومنه دعاء الخليل - عليه السلام -: (ولا تخزني يوم يبعثون) ويمتن - سبحانه - على رسوله وعلى المؤمنين بسترهم وغفران ذنوبهم فيقول: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) جعلني الله وإياكم منهم وأمر الحبيب - صلى الله عليه وسلم - بهذا (قل يا قوم أعملوا على مكانتكم أني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه) وكان من عذاب الله لبني النظير أن أخزاهم وأذلهم وأذاقهم الصغار والهوان وسجل ذلك في كتابه الكريم في سورة الحديد (فاعتبروا يا أولي الأبصار) فكان الجلاء من الديار وقذف الرعب في القلوب خوفا وهلعا وجزعا وتخريبهم لبيوتهم بأيديهم فنقضوا ما استحسنوا من السقوف والأبواب والزخارفº لأنهم خانوا الله ورسوله (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب) (وليخزي الفاسقين) وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره.

أيها الإخوة في أول آية من سورة التوبة يعلن الله - تعالى - براءته من المشركين ويقول: (وأعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين) قال ابن عباس - رضي الله عنه -: (بالقتل بالدنيا والعذاب في الآخرة) وقال الزجاج هذا ضمان من الله - عز وجل - لنصرة المؤمنين على الكافرين والإخزاء والإذلال مع إظهار الفضيحة والعار واخزي الفاضح.... نعم - ليعلم الكافرون والمنافقون ومن سار على دربهم والذين هم في طغيانهم يعمهون ليعلموا أنهم لن يعجزوا الله بالطلب ولن يفلتوا منه بالهرب ولن يفلتوا من مصير قدره أو أمر أصدره فأين يذهبون وكيف يهربون وما منعت بني النظير حصونهم حين ظنوا أنها مانعتهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وهكذا يفعل - سبحانه - دوما بمن يعاديه أو يشاققه ورسوله (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) - وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره.

 

أيها المسلمون: لما تكبر المتكبرون وأعرض المجرمون وظنوا أنهم إلى ربهم لا يرجعون سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض وسلبوا الأموال وعاثوا في الأرض مفسدين وطال بهم الأمد فقست قلوبهم فهي كالحجارة أو اشد قسوة فلم ينفع معهم ترغيب ولا ترهيب ولا وعد أو وعيد وأعجبتهم أموالهم وغرتهم جيوشهم وحراسهم واعتمدوا على جواسيسهم وامتلأت بأشلاء شعوبهم المقابر الجماعية وغصت بهم السجون السياسية فقتلوا الآلاف وشردوا مئات الآلاف فاستكبروا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ونسوا أو تناسوا ما فعله الله بعاد وفرعون ذي الأوتاد ونسوا أو تناسوا إن ربك لبالمرصاد فأصبحوا عن آيات الله معرضين وعن سننه في خلقه غافلين فهم في غمرة ساهون وفي خوضهم يلعبون وفي طغيانهم يعمهون بينا هم كذلك أتاهم أمر الله من حي لا يشعرون فصدق القائل (وما من يد إلا يد الله فوقها وما ظالم إلا سيبلى بأظلم) ويسلط الله الظالمين على الظالمين ويخزيهم ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ثم يوم القيامة يخزيهم ذلك الخزي العظيم... وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره.

 

أيها المسلمون: عند الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (أما بعد يا معشر قريش فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحى هذا الصبي قضيب كان في يده) وكتبت عائشة إلى معاوية - رضي الله عنهما - أما بعد فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاما قال الحسن البصري - رحمه الله تعالى -: (هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم) وصدق فإن العبد لا يزال يعصى الله فيمقته الله ويهينه بذل معصيته وان عظمه الناس ظاهرا لحاجتهم إليه أو لخوفهم منه فهو في قلوبهم أحقر شيء وأهونه وقال - رحمه الله تعالى -: (إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهدلجلت بهم البراغيم أي صوتت لهم البغال بحوافرها وأسرعت بهم الخيول بخفة إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه وصدق الله إذ يقول \"و من يهن الله فما له من مكرم \" - ألا إن العز كل العز في طاعة الله - عز وجل - والذل كل الذل في معصيته - جل وعلا - قال - سبحانه -: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وفي جنابه ولن يجدها إلا في طاعة الله والبعد عما يغضبه ويسخطه وكان من دعاء بعض السلف اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك فمعصية الله - تعالى - تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة فلا تحفظ نعم الله ولا تستجلب إلا بطاعته ومن أعظم ما يبتلى المرء العاصي أن ينسيه الله نفسه أن يقوم بمصالح نفسه وما ينجيها من عذابه فلا يعمل بنجاتها ولا لكمال لذتها وسرورها (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين) قال على بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة) وقال جل من قائل: (ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وان الله سميع عليم) (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)........ وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره.

 

عباد الله من أراد التحصن من خزي الدنيا وعذاب الآخرة فعليه بطاعة الله - جل وعلا - فهي حصن أمين لا يخرج عنه احد إلا تناوشته المخاوف من كل مكان فحسب كل صيحة عليه وكل مكروه قاصد إليه وواعجبا من عبد شاهد بأم عينه أخبار من أزيلت عنهم النعم بمعصية الله فصاروا بعد عزهم أذلة صاغرين يقودهم عدوهم قود البهيمة وهم له منقادون وهم بما حل بهم شامتون وأصبح رفقاء الأمس يتلاعنون وبالخيانة لبعضهم يتهمون فكل من لم يعتبر فعلى قلبه ران أظلمته المعاصي فظن وهو مقيم على معصية الله انه من جملة المستثنون أو مخصوص من هذا العموم وظن أن هذا الأمر جار على الناس لا عليه وواصل إلى الخلق لا إليه وهذا والله ابلغ الجهل وأعظمه... وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره بينا هي امة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما رأيتم وثبت لكل ذي عينين ولمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد إن الله يمهل ولا يهمل ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) وثبت قول الحسن - رضي الله عنه - (أبى الله لا أن يذل من عصاه).

 

أخوة الدين والعقيدة... وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره وإذا هان العبد على مولاه عاقبه بألوان من العقوبات ما ظهر منها وما بطن ومن أعظم تلك العقوبات موت القلب بالطبع عليه عياذا بالله من ذلك فلا يعرف معروفا وبل ولا ينكر منكرا ولا تنفعه المواعظ ولا تؤثر فيه العبر (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها ونخوفهم فلا يزيد هم إلا طغيانا كبيرا) ودونكم فرعون لعنه الله فقد رأى من آيات الله البينات على يدي موسى - عليه السلام - وعرفها واستيقنها فما زاده ذلك إلا جحودا لها وكفرا بها حتى انه ليرى البحر أمام عينية ينفلق فلقتين فكان كل فلق كالطود العظيم ومع هذا لم يتوانى عن الولوج فيه وكان يكفيه أن يقف دون البحر وان يقول كلمته التي قالها حين أدركه الغرق ولكن طبع الله على قلوبهم فقليلا ما يؤمنون ومن خذلان الله للعبد وعقوبته له أن يجعله إماما للشر كما قال - سبحانه -: (وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار) فيحمل من أوزار الذين يضلهم فوق أوزاره).

(وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) وصدق الله العظيم إذ يقول (والين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملي لهم إن كيدي متين، أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين، أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى إن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون، من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون).

اللهم إنا نعوذ بك من درك الشقاء وسوء القضاء وجهد البلاء وشماتة الأعداء اللهم لا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.

 

أيها المسلمون: ربما كان من الحكمة الإلهية أن يكون فرعون اسما لكل حاكم من حكام مصر سابقا فلا يخصص الاسم لأحد وخوطب به لكي يخاطب كل فرعون من فراعنة كل زمان وكل مكان فلا يهمنا من فرعون المهم انه فرعون فكل جبار فرعون وكل طاغوت فرعون وكل ظالم فرعون كل دكتاتور فرعون من ظلم قومه وقتلهم وسجنهم وشردهم فرعون أخذ من صفته بقدر ما أخذ من ظلمه وجبروته وطغيانه وتسلطه وعلوه وفساده وإفساده وهذا مضطرد في القران الكريم فليس هناك أسماء وإنما هي نعوت وصفات وقواعد وأسس (قال الملا الذين استكبروا إلا لعنة الله على الظالمين) ليس هناك تخصيص إنها نعوت يتصف بها جميعا أو ببعضها من كتب الله عليه شقاء الدارين، وهذا واضح من السنة المطهرة (آية المنافق ثلاث) لا يهمنا أن يكون المنافق عبد الله بن سلول أو هو غيره المهم من اتصف بهذه الصفات صار منافقا ومن اتصف بخصلة منها كانت فيه خصلة من النفاق ولو نظرت في سورة التوبة لتبين لك ذلك واضحا جليا.

يقول - تعالى -: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا إلى قوله (إنه كان من المفسدين) وقف عند قوله من المفسدين - فالمفسدون كثيرون فرعون أحدهم فأين الباقون لقد توزعوا في شتى الأزمنة والأمكنة يبتلى بهم أصحاب المنهج الحق لميز الله الخبيث من الطيب ولتتحقق كلمته - سبحانه - التي قضى بها وتمت كلمة ربك لأملن جهنم من الجنة والناس أجمعين... وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره.

 

أخوة الإسلام: ليس شرطا أن يكون الفراعنة والجبابرة أو الظلمة حاكمين أو مسئولين وان كان ذلك هو الغالب ولكن ربما كنت أنت احد هؤلاء الفراعنة الظلمة الفسقة فإذا سمعت أن اللعنة على الظالمين أو الفاسقين أو المفسدين أو الكاذبين أو غيرهم فزن نفسك بذلك الميزان القسط كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - حتى تدرك موقعك من أي الفريقين هل أنت من الأبرار أم أنت من الفجار أو ربما كانت فيك إحدى صفاتهم فبادر بتوبة نصوح أو ربما كنت احد الفراعنة وأنت لا تشعر فقد يكون المرء فرعونا في بيته أو مكتبة أو متجره أو مع أهله وعشيرته وشعار فرعون لعنه الله العلو في الأرض والإفساد فيها فكل من علا في الأرض أو أفسد فيها أو أسرف فهو فرعون كامل أو جزء من فرعون فمستقل ومستكثر تعوذ بالله من خذلان الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا... وما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره.

 

أيها المسلمون: إليكم هذا الموقف العجيب من الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لتقارنوا ولتقتدوا ولعلكم تشكرون فهاهو بابي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - يعاني سكرات الموت ويوعك الوعك الشديد فيعصب رأسه ويقول خذ بيدي يا فضل فلما أخذ الفضل العباس بيده قعد على المنبر ثم قال نادي في الناس فنادى فيهم الصلاة جامعة فقام فيهم - عليه الصلاة والسلام - خطيبا فكان مما قال (ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ من ومن كنت قد شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه إلى قوله وإن أحبكم إلي من أخذ حقا كان له علي أو حللني فلقيت الله - عز وجل - وليس لأحد علي مظلمة) هكذا هي أخلاق النبوة ومن سار على هديها ولهذا لم يكن بأبي هو وأمي فظا غليظ القلب فأحبه صحبه أشد ما كان الحب والله لا تقع نخامته في الأرض إلا في يد احدهم يأخذها يدلك بها ما استطاع من وجهه وجسمه وتحقق فيه - صلى الله عليه وسلم - منة الله عليه بقوله (ورفعنا لك ذكرك) فهو المذكور دوما بالخير ولم يستطع أحد أن ينال منه بسوء وهو محق أبدا واستجاب دعاءه حيث كان من دعاءه اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا.

 

اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply