بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
إن للذنوب والمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.. فمن ذلك:
1- حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، قال الشافعي لرجل إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.
2 - حرمان الرزق: وفي المسند إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه. فكما أن تقوى الله مجلبة للرزق بالمثل ترك المعاصي.
3 - وحشة في القلب: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله وهذا أمر لا يحس به إلا من كان في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام.
4 - تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه.
5 - ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل فالطاعة نور والمعصية ظلام.
6 - حرمان الطاعة: فلو لم يكن للذنب عقوبة فكفاه انه صد عن طاعة الله فالعاصي يقطع عليه طاعات كثيرة كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها.
7 - إن المعصية سبب لهوان العبد على ربه: قال الحسن البصري هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على ربه لم يكرمه أحد.
8 - المعاصي تفسد العقل: فإن للعقل نور والمعصية تطفئ نور العقل إذا طفئ نوره ضعف ونقص قال بعض السلف ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله وهذا ظاهر فإنه لو حضره عقله لمنعه عن المعصية.
9 - أن الذنوب إذا تكاثرت طُبعِ على قلب صاحبها كما قال بعض السلف في قول الله - تعالى - {كّلاَّ بّلً رّانّ عّلّى\"قٍ,لٍ,وبٌهٌم مَّا كّانٍ,وا يّكًسٌبٍ,ونّ} سورة المطففين 14، الران: هو الذنب بعد الذنب.
10 - تقصر العمر وتمحق البركة: فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقصه فإذا أعرض العبد عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته.
* كيف تزجر نفسك إذا أردت أن تعصي الله:
أتى رجل إبراهيم ابن أدهم فقال يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فأعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا؟
فقال إبراهيم: إن قبلت خمس خصال، وقدرت عليها لم تضرك المعصية؟ قال: هات يا أبا إسحاق قال: أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله - تعالى -، فلا تأكل من رزقه، قال: فمن أين أكل وكل ما في الأرض رزقه؟ قال: يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا، هات الثانية.
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن في شيئا من بلاده؟ قال: هذه أعظم، فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة
قال: إذا أردت أن تعصيه، وان تأكل من رزقه، وتسكن بلاده، فانظر موضعا لا يراك فيه فاعصه فيه؟ قال: يا إبراهيم ما هذا؟ وهو يطلع على ما في السرائر؟ قال: يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به وما تكتمه؟
قال: لا، هات الرابعة.
قال: فإذا جاءك الموت ليقبض روحك، فقل له أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله صالحا قال: لا يقبل مني؟، قال: يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟
قال: هات الخامسة.
قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة، ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم؟ قال: إنهم لا يدعونني ولا يقبلون مني قال: فكيف ترجو النجاة إذن؟
قال: يا إبراهيم، حسبي، حسبي، استغفر الله وأتوب إليه فكان لتوبته وفيا , فلزم العبادة، واجتنب المعاصي حتى فارق الدنيا.
* اذكر حر النار:
قال أبو عثمان التيمي: مرّ رجل من بني إسرائيل براهبة من أجمل النساء، فافتتن بها، فتلطف في الصعود إليها (أي في صومعتها)، فراودها عن نفسها، فأبت عليه وقالت: لا تغترّ بما ترى وليس وراءه شيء!! فأبى حتى غلبها على نفسها وحاول اغتصابها بالقوة!! وكان على جانبها مجمرة فيها جمر مشتعل!! فوضعت يدها فيها حتى احترقت!!، فقال لها بعد أن قضى حاجته منها: ما الذي دعاك إلى ما صنعت؟!
فقالت له: إنك لمّا قهرتني على نفسي: خفت أن أشاركك في لذة الحرام!!، فأشاركك في المعصية والعقوبة، ففعلت ما رأيت!! فقال الرجل: والله لا أعصي الله أبدا!! وتاب مما كان عليه سبحان الله.
فتذكروا يا أخواني شدة نار جهنم قبل المعصية واسألوا أنفسكم قبل ارتكاب المعاصي هل لأجسامكم القدرة على تحمل النار إن كان لها القدرة فافعلوا المعاصي ولكن ليس لأحد القدرة على تحمل نار الدنيا فما بالك بنار جهنم التي هي ضعف نار الدنيا بسبعين مرة.. فاتقوا الله
* أقوال السلف في المعاصي:
قال ابن عباس: إن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً ونقصاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق.
وقال الفضيل بن عياض: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.
وقال الإمام أحمد: سمعت بلال بن سعيد يقول لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظم من عصيت.
وقال يحيى بن معاذ الرازي: عجبت من رجل يقول في دعائه اللهم لا تشمت بي الأعداء ثم هو يشمت بنفسه كل عدو فقيل له كيف ذلك؟ قال يعصى الله ويشمت به في القيامة كل عدو.
قال أحد الصالحين: ركب الله الملائكة من عقل بلا شهوة وركب البهائم من شهوة بلا عقل وركب ابن آدم من كليهما فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلبت شهوته على عقله فهو شر من البهائم.
قال الحسن البصري: إن النفس لأمارة بالسوء فإن عصتك في الطاعة فاعصها أنت عن المعصية!!، ولا شيء أولى بأن تمسكه من نفسك ولا شيء أولى بأن تقيّده من لسانك، ولا شيء أولى بأن لا تقبله من هواك وما الدّابة الجموح (هي التي تعاند صاحبها) بأحوج إلى اللجام أن تمسك من نفسك!!
* المخرج من المعاصي:
لا تتم للإنسان السلامة المطلقة حتى يسلم من خمسة أشياء:
1- من شرك يناقض التوحيد.
2- وبدعة تخالف السنة.
3- وشهوة تخالف الأمر.
4- وغفلة تناقض الذكر.
5- و هوى يناقض التجرد.
و الإخلاص يعم ذلك كله الدواء والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات:
الأول أن يكون أقوى من البلاء فيرفعه.
الثاني أن يكون اضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكنه قد يخففه إن كان ضعيفاً.
الثالث أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه وقد قال - صلى الله عليه وسلم - من لم يسأل الله يغضب عليه.
* تذكر قبل أن تعصي:
تذكر قبل أن تعصي أن الله يراك، ويعلم ما تخفي وما تعلن.
تذكر قبل أن تعصي أن الملائكة تحصي عليك جميع أقوالك و أعمالك، وتكتب ذلك في صحيفتك، لا تترك من ذلك ذرة أو أقل.
تذكر قبل أن تعصي يوم تدنو الشمس من الرؤوس قدر ميل ويعرق الناس.
تذكر قبل أن تعصي يوم يحشر الناس حفاة عراه.
تذكر قبل أن تعصي ملك الموت يقبض روحك.
تذكر قبل أن تعصي القبر وعذابه، وضيقه وظلمته، وديدانه وهوامه، فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
تذكر قبل أن تعصي وقوفك بين يدي الله - تعالى - يوم القيامة، ليس بينك وبينه حجاب أو ترجمان.
تذكر قبل أن تعصي شهادة أعضاء العصاة عليهم {وَقَالُوا لِجُلُودِهِم لِمَ شَهِدتُم عَلَينَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ, وَهُو خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ, وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ}.
تذكر قبل أن تعصي أن لذة المعصية مهما بلغت فإنها سريعة الزوال، مع ما يعقبها من ألم وحسرة وندم وضيق عيش في الدنيا.
تذكر قبل أن تعصي أن المعاصي ظلمات بعضها فوق بعض، وأن القلب يمرض و يضعف وقد يموت بالكلية.
ومن أعظم عقوباتها أنها تورث القطيعة بين العبد وربه، واذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير، واتصلت به أسباب الشر.
* للتائب صفات:
فالتائب منكسر القلب غزير الدموع حي الوجدان قلق الأحشاء صادق العبارة جم المشاعر جياش الفؤاد حي الضمير خالي من العُجب فقير من الكبر، التائب بين الرجاء والخوف، في وجدانه لوعة وفي وجهه أسى وفي دمعه أسرار. التائب بين الإقبال و الإعراض مجرب ذاق العذاب في البعد عن الله وذاق النعيم حين اقترب من حب الله، التائب له في كل واقعه عبرة فيجد للطاعة حلاوة ويجد للعبادة طلاوة ويجد للإيمان طعماً ويجد للإقبال لذة، التائب يكتب من الدموع قصصاً من الآهات أبياتها ويؤلف من البكاء خطباً، التائب قد نحل بدنه الصيام وأتعب قدمه القيام وحلف بالعزم على هجر المنام فبذل لله جسماً وروحاً وتاب إلى الله توبة نصوحا، التائب الذل قد علاه والحزن قد وهاه يذم نفسه على هواه وبذلك صار عند الله ممدوحاً لأنه تاب إلى الله.
* مراقبة الله:
إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله، فإن لم ترجع فذكرها بالرجال، فإن لم ترتدع فذكرها بالفضيحة إذا علم الناس، فإن لم ترجع فاعلم أنك في تلك الساعة قد انقلبت إلى حيوان.
قال ابن القيم: فإن الذنوب تضر بالأبدان وأن ضررها بالقلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والمعاصي فما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السموات وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وباطنة أقبح من صورته وبدله بالقرب بعدا وبالجمال قبحا وبالجنة نارا وبالإيمان كفرا.
* أفتعصى الله وترجو رحمته:
هاهوَ رجلُ كان له عبد يعملُ في مزرعته، فيقولُ هذا السيد لهذا العبد: ازرع هذه القطعةَ برا. وذهبَ وتركه، وكان هذا العبد لبيباً عاقلا، فما كان منه إلا أن زرعَ القطعة شعيراً بدل البر. ولم يأتي ذلك الرجل إلا بعد أن استوى وحان وقت حصاده. فجاء فإذا هي قد زُرعت شعيراً، فما كان منه إلا أن قال: أنا قلت لك ازرعها بُرا، لما زرعتها شعيرا؟ قال رجوت من الشعيرِ أن ينتجَ بُرا، قال يا أحمق أفترجو من الشعيرِ أن يُنتجَ برا؟ قال يا سيدي أفتعصي اللهَ وترجُ رحمتَه، أفتعصي اللهَ وترجُ جنتَه. ذعر وخافَ واندهشَ وتذكرَ أنه إلى اللهِ قادم فقال تبتُ إلى الله وأبت إلى الله، أنت حرٌ لوجه الله... فكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل، ولا يظلمُ ربك أحدا.
* أحوال الخائفين:
كان طاووس يفرش فراشه ويضطجع عليه فيتقلى كما تتقلى الحبة في المقلاة ثم يقوم فيطويه ويصلي إلى الصبح ويقول: إن ذكر جهنم طير النوم من عيني
* ربنا افتكره:
يقول أحدهم عندما يموت شخص (فلان ربنا افتكره) ويقصد: أن فلانًا أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، فالمقصد سليم. واللفظ لا يجوز إطلاقه على الله، لأن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله سبحانه لا يوصف بأنه يفتكر الشيء، لأن هذا نقص وعيب، إذ الافتكار لا يكون إلا بعد نسيان - تعالى - الله عن ذلك علوًا كبيرًا. معجم المناهي اللفظية..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد