ولا تقربوا الزنا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:

الزنا عاره يهدم البيوت الرفيعة ويطاطىء الرؤس العالية، ويسود الوجوه البيض ويخرس الألسنة البليغة، ويهوي بأطول الناس أعناقاً وأسماهم مقاماً وأعرقهم عزاً إلى هاوية من الذل والإزدراء والحقارة ليس لها من قرار.

 

وهو أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما إتسع، وهو لُطخة سوداء، إذا لحقت أسرة غمرت كل صحائفها البيض وتركت العيون لا ترى منها إلا سواداً حالكاً، وهو العار الذي يطول عمره طويلاً، فقاتله الله من ذنب وقاتل فاعليه.

 

إن الزاني يحط نفسه من سماء الفضيلة إلى حضيض الرذيلة ويصبح بمكان من غضب الله ومقته، ويكون عند الخلق ممقوتاً، وفي دنياه مهين الجانب عديم الشرف منحط الكرامة ساقط العدالة، تبعد عنه الخاصة من ذوي المروءة والكرامة والشرف مخافة أن يعديهم ويلوثهم بجربه، ولا تقبل روايته ولا تسمع شهادته، ولا يرغب في مجاورته ولا مصادقته.

 

مفسدة الزنا

إن في الزنا فساد للزاني والزانية، أما فساده للزانية فهي تفسد بهذا العمل حياتها وتخسر شرفها وشرف أهلها وتسيء إلى سمعتها وسمعة أهلها، وتفسد فراش زوجها إن كانت ذات زوج وربما أدخلت عليه أولاداً من الزنا فتغش بهم زوجها وينفق عليهم طوال حياته ويرثونه من بعد موته وينتسبون إليه وهم ليسوا بأولاده إلى غير ذلك مما تفسده المرأة بسبب وقوعها بهذه الفاحشة، وإن كانت المرأة الزانية غير متزوجة فبالإضافة إلى أنها تفسد بهذا العمل حياتها وتخسر شرفها وشرف أهلها وتسيء إلى سمعتها وسمعة أهلها فإنها بهذا العمل المشين قد صرفت أنظار راغبي الزواج عنها ولا يتقدم لخطبتها أحد يعرف حالتها حتى ولو كان مجرماً قد عبث بها وأهدر شرفها وكرامتها لأنه يحتقرها ولا يرضاها زوجة له لما يعرفه عنها من الخيانة فتعيش المرأة بعد جريمة الزنا عيشة ذل وهوان، لا زوج يحصنها ولا عائل يعولها فتصبح محتقرة ذليلة بين أهلها وذويها إضافة أيضاً إلى الجناية على سمعة أخواتها مما يقضي على مستقبلهن ويبعد عنهن راغبي الزواج بسبب جنايتها.

 

وأما فساده للزاني فإنه بالزنا ينكلب ويتولع منه ويصبح كالكلب المسعور في تعلقه بالنساء وقد يكون سبباً في إبتلاء أحد محارمه بالوقوع بمثل هذه الفاحشة عقوبة من الله له فيُهتك عرضه كما هتك هو أعراض الناس ويفتضح أمره ويسقط من أعين الناس ويقل إحترام الناس له.

 

يا قاطعاً سبل الرجال وهاتكاً *** سُبل المودة عشت غير مكرم

 

من يزني في قوم بألفي درهم *** في أهله يزنى بغير الدرهم

 

إن الزنا دين إذا إستقرضته *** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم

 

لو كنت حراً من سلالة ماجد *** ما كنت هتاكاً لحرمة مسلم

 

 

وأخيراً..

اعلموا يا من ابتليتم بالزنا رجالاً ونساءً أن الله يراكم، فاحذروا أن تجعلوه أهون الناظرين إليكم وأحقر المطلعين عليكم وتجعلون هذه الشهوة الحيوانية وهذه اللذة الفانية تنسيكم عظمة مولاكم وإطلاعه عليكم، إنكم لا تستطيعون أن تفعلوا هذه الفاحشة القبيحة أمام أي إنسان حتى ولو كان طفلاً صغيراً ولكنكم مع الأسف الشديد ترتكبونها أمام العلي الكبير جبار السموات والأرض، فأين تعظيم الله في قلوبكم؟ أين صدق الإيمان؟ أين الاستجابة للرحمن؟ أما استشعرتم عظمة الجبار؟ أما تخافون غضب القهار؟

 

وهل نسيتم الموت وسكراته والقبر والصراط وزلته والحساب وشدته هل نسيتم النار وما فيها من العذاب إن أمامكم أهوال عظيمة لا يعلم عظمها إلا الله لا طاقة لكم فيها ولن تتحملوها، فلا تجعلوا هذه الشهوة الفانية تنسيكم كل هذه الأهوال التي أمامكم وتنسيكم عظمة ربكم وتنسيكم مصيركم ومآلكم، ووالله إنكم لأضعف من أن تتحملوا شيئاً من عذاب الله فلا تتمادوا في معصيته، ووالله إن شهوات الدنيا كلها لا تساوي ضمة من ضمات القبر فكيف بما بعده من العذاب، ولا خير والله في شهوة بعدها النار والدمار فتوبوا إلى الله قبل أن لا تستطيعوا أن تتوبوا وقبل أن تندموا في وقت لا ينفع فيه الندم.

 

وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضي وجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply