تأملات في قوله - تعالى - (لقد تاب الله على النبي)


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله مقلب القلوب غفار الذنوب علام الغيوب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقبل توبة من تاب و يغفر زلة من أناب و يستر العيوب واشهد أن محمد عبده و رسوله ما زال يلهج بدعاء ربه ليثبت قلبه ويستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة و يتوب صلوات الله و سلامه عليه وعلى آله و صحبه و من سلك سبيلهم إلى أن يأمر الله الشمس أن تشرق من جهة الغروب أما بعد:

 

أخوة الإسلام إن المتأمل في قوله - جل وعلا -: (لقد تاب الله على النبي و المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) الآية..... إن المتأمل في هذه الآية ليعجب أن تكون التوبة على النبي وأن يتاب على النبي وأن يتاب على المهاجرين و هم من هم في سبقهم للإسلام و بذلهم مهجهم وأموالهم في سبيله يبتغون فضلاً من الله و رضواناً وينصرون الله و رسوله أولئك هم الصادقون كما يتاب على الأنصار الذين آووا و نصروا و تبوءوا الدار والأيمان يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ثم أن يوصف هؤلاء المهاجرون والأنصار بإتباعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس إتباعهم في ساعة الرخاء و الميسرة بل إتباعهم في ساعة العسرة وكل هذه الصفات موحية بكمال الإتباع والانقياد والبذل و العطاء هذا في جانب المهاجرين والأنصار أما في جانب النبوة فيكفيك و صفه بالنبي فيا ترى كيف يتاب على من هذه أوصافه ومم يتاب عليهم إنها علامات تعجب كثيرة يثيرها هذا التعبير بالتوبة على من هذه أوصافهم.

 

إن المراد منا أن ندركه - والله اعلم - أن التوبة ليست بالضرورة توبة المذنبين بل قد تكون توبة لمقصرين والتقصير حاصل من كل البشر لا محالة مهما فعل المرء تجاه ربه ومولاه فهو مقصر, لم يعبده حق عبادته و لم يشكره حق شكره ولم يقم بما يجب عليه من حق خير قيام ولم يخشه حق خشيته ولم يقدره حق قدره أما ترى الحبيب - صلى الله عليه وسلم - يستغفر الله و يتوب إليه في كل يوم مائة مرة!

 

ألا وان التوبة في حال فعل الطاعة أوجب منها في حال المعصية حيث يهلك المرء في طاعته حين تعجبه تلك الطاعة فيمن بها على ربه أو يرى أنه استوجب أجرها ولم يلتفت إلى ما فيها من قصور لهذا يقول الله - تعالى - مذكرا نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في بداية بعثته (يا أيها المدثر  قم فانذر و ربك فكبر و ثيابك فطهر والرجز فاهجر) قال (ولا تمنن تستكثر) قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - وقال الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره. قلت و لو تدبر الناس آيات الكتاب لوجدوا هذا المنهج واضحا جليا: و منهم طلب سليمان لتدارك نفسه من الهلكة حين رأى عرش بلقيس إمامه في طرفة عين فقال: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم اكفر وهو نفسه المعنى الذي تنبه له إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - حين قال: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)

 

فالتوبة المنصوص عليها هنا أشمل من التوبة بسبب الذنوب والمعاصي إنها توبة القصرين مهما بذلوا , توبة المعترفين بنقصهم و فضل الله عليهم , وان ما هم فيه من نعمة الإسلام والإتباع هو من الله فضلا و منا , توبة المصلين , توبة الصائمين , توبة المزكين أموالهم , الباذلين مهجهم في سبيل ربهم توبة المخاطبين بالإيمان (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (يا أيها الذين امنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)

عباد الله لو تأمل كثير من المسلمين هذا المعنى لعلموا أنهم أحوج إلى التوبة من أي وقت مضى ولما قال قائلهم: قد صلينا - قد زكينا - قد صمنا - قد حججنا. فقد نصلى و نصوم و نزكي و نحج ولا يقبل ذلك -عياذا بالله - لأي سبب من الأسباب أقل ذلك ما يعتريها من نقص وخلافة و لذا وصف المؤمنون بأنهم يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون سألت عائشة - رضي الله عنها -رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات, أهو الذي يسرق و يزني و يشرب الخمر و هو يخاف الله - عز وجل -, قال لا يا ابنت الصديق و لكنه الذي يصلي و يصوم و يتصدق وهو يخاف الله - عز وجل -) أخرجه الإمام احمد و عند الترمذي و أبي حاتم (قال لا يا ابنت الصديق و لكنهم الذين يصلون و يصمون و يتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم)

 

فتأمل أخي كيف قادنا هذا التعبير إلى تلك المعاني الغزيرة وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً. اسأل الله بمنه و كرمه أن يتوب عليا و أن يسبغ علينا نعمه و أن يوفقنا لما يرضيه

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply